القوات العسكرية في منطقة الخليج على اهبة الاستعداد للحرب. ولكن منظمات الاغاثة الدولية ليست مستعدة لمواجهة اي طارئ. وفقا لبيانات الامم المتحدة تحتاج منظمات الاغاثة إلى 120 مليون دولار لتقديم مساعدات عاجلة للمواطنين العراقيين الا ان الدول المانحة قدمت وعودا بقيمة 37 مليون دولار. بحسب اقوال منسق الامم المتحدة لشئون الاغاثة كينزو اوشيما سيحتاج عشرة ملايين عراقي بعد بدء المعارك على الفور إلى مؤن غذائية ومياه للشرب، ويخشى اوشيما ان حوالي نصف الشعب العراقي سيجد صعوبة في الحصول على مياه نظيفة.
في السيناريو الذي وضعه اوشيما، سيدفع الموت والدمار اكثر من مليوني عراقي إلى الرحيل عن مساكنهم واللجوء إلى مناطق اخرى داخل العراق، فيما من المقدر ان يحاول اكثر من مليون عراقي مغادرة حدود بلدهم.
في حال وقوع الحرب، تتفق آراء منظمات الاغاثة الدولية مثل (اطباء بلا حدود) و(اطباء مناهضون للحرب النووية) وغيرهما، على ان الغارات الجوية ستستهدف مواقع داخل المدن الكبيرة تكتظ بالسكان، ما سيسفر عن وقوع خسائر فادحة في صفوف المدنيين. ويرى مسئولون في هذه المنظمات انه سيكون من الصعب على المتطوعين العمل في برنامج الاغاثة خلال العمليات العسكرية الجوية اضافة إلى ان المدنيين سيتعرضون للإصابة بأمراض بعد توقف العمليات العسكرية بسبب الدمار الذي سيلحق ببيئتهم وهو ما عرفه العراقيون من خلال حرب الخليج العام 1991.
مرة اخرى يحاول الاميركيون طمأنة معارضي الحرب داخل الولايات المتحدة وخارجها على انها ستكون (حربا نظيفة) ويستعينون في الترويج لحربهم ضد الرئيس العراقي صدام حسين، ببيانات القيادة العسكرية الاميركية ويقولون ان العمليات العسكرية ستجري على النحو الذي تم في مواقف مشابهة في الفترة الاخيرة: الاعتماد على الغارات الجوية للحيولة دون خسارة كبيرة في الارواح. الواضح ان الاميركيين يتحدثون عن اجراءات الوقاية لحماية جنودهم وليس الوارد هنا، اجراءات لحماية المدنيين العراقيين. ففي حربي الخليج 1991 وافغانستان قبل عام لم يزد عدد قتلى الجيش الاميركي على مئة قتيل لكن المدنيين في العراق وافغانستان تعرضوا لخسائر فادحة.
هذه المرة يختلف السيناريو، الخوف لا يتملك المدنيين العراقيين وحدهم والجديد في هذا النزاع، هو أن تشعر شعوب مجموعة من الدول بخطر الحرب واحتمال التعرض لأسلحة الدمار الشامل، على رغم بعدها الجغرافي عن ساحة الحرب. ففي المانيا وبريطانيا كما في فرنسا والدنمارك، يخشى كثيرون قيام منظمات ارهابية باستغلال الحرب ومهاجمة دول تابعة لحلف شمال الاطلسي بأسلحة الدمار الشامل. هذه المرة تم الكشف علنا عن مجموعة من التقارير عن الاحتمالات الواردة في حال الحرب.
إلى جانب الامم المتحدة والفرع الالماني لمنظمة (اطباء مناهضون للحرب النووية) اجرت منظمة الصحة العالمية حسابات تدور في فلك سيناريو مرعب لحرب جديدة في منطقة الخليج. يخشى الخبراء الدوليون ان تتسبب الحرب في مقتل 260 الف شخص، كما ان قيام حروب اهلية نتيجة لهذه الحرب، سيزيد عدد الضحايا بنحو عشرين الف شخص اضافة إلى احتمال وقوع خسائر كبيرة في الارواح تقدر بمئتي الف شخص بعد توقف المعارك ونتيجة لسوء احوالهم الصحة، وانتشار الامراض والاوبئة والجوع. وتقول المسئولة في الفرع الالماني لمنظمة (اطباء مناهضون للحرب النووية) اوتي فاترمان: من الطبيعي ان يكون من الصعب التكهن مسبقا بنتائج الحرب، لكن المؤكد انها ستسفر عن خسائر كبيرة في الارواح في اوساط المدنيين، لان الاهداف العسكرية للاميركيين داخل العراق، موجودة في المدن الكبيرة.
تشير الدراسات التي وضعتها منظمات الاغاثة الدولية إلى المصاعب الكبيرة التي ستواجهها هذه المنظمات في تأمين الاغاثة الطبية خلال المعارك، وقالت اوتي فاترمان: لن تتمكن منظمات الاغاثة من القيام بعملها خلال العمليات العسكرية وبسبب حظر التجول في المنطقة العسكرية، وقالت: نعرف ان المواطنين العراقيين يشكون منذ الآن من قلة الدواء والغذاء، كما أن المستشفيات العراقية حيث غرف العمليات تفتقر إلى المستلزمات الطبية لاجراء عمليات جراحية طارئة وهناك بنك واحد للدم في بغداد. واضافت قولها: إن تدمير شبكة الكهرباء ومراكز توزيع المياه ومصانع الادوية سيصيب الشعب العراقي بصورة مباشرة، وستنتشر امراض معدية بصورة سريعة.
في غضون ذلك تخشى البلدان الصناعية التعرض لخطر انتشار اوبئة معدية ويعيش الناس في خوف من احتمال تعرض بلدانهم لهجوم بأسلحة بيولوجية وكيماوية بحسب السيناريو الذي تنشره وسائل الإعلام الغربية. ففي المانيا حذر مكتب الجنايات الفيدرالي من وقوع اعمال عنف كبيرة داخل الأراضي الالمانية اذا وقعت الحرب ونقلت صحيفة «تاجيس شبيجل» الصادرة في برلين عن مسئول امني الماني قوله: إننا نتحسب وقوع اعمال عنف يقوم بها تنظيم (القاعدة) وفلسطينيون. ولم يشر المسئول الامني الالماني إلى مصدر المعلومات لكن المعتاد ان الاستخبارات الالمانية تستقي الكثير من المعلومات من الموساد الاسرائيلي ومن الاستخبارات الاميركية والبريطانية. ويتناسب تماما مع الإدارة الاميركية والحكومتين البريطانية والاسرائيلية نشر الخوف في نفوس المواطنين لتبرير الهجوم على العراق. وحين تشير الدعاية الاميركية إلى انه بوسع الارهابيين التسبب في قتل مليون اميركي داخل الولايات المحدة بواسطة الاسلحة البكتيرية، تعمل الحكومات الغربية في تأمين حاجتها من العقاقير المضادة لمرض الجدري. وقامت الحكومة الالمانية ايضا بغض النظر عن موقفها المعارض للحرب، بشراء حقن مضادة لمرض الجدري لمئة مليون شخص علما بأن عدد الالمان لا يزيد على 82 مليون نسمة. وليس هناك حقن مضادة لاسلحة بكتيرية غير الجدري.
غير ان غالبية الخبراء يقولون ان نشر الخوف في نفوس الشعوب الغربية مسألة مبالغ بها ويشك هؤلاء بما يروجه الاميركيون عن احتمال تعرضهم لهجوم بأسلحة كيماوية وبيولوجية، ويقول الخبراء ايضا ان الاقنعة المضادة للغاز لا تقي من خطر الاسلحة الكيماوية عدا ان الكثير من المواطنين لا يعرفون كيفية استخدامها فخلال حرب الخليج السابقة توفي اثنا عشر شخصا اختناقا في «اسرائيل» لانهم لم يعرفوا كيف يستخدمون هذه الاقنعة. ويقول الخبراء الدوليون ايضا ان التطعيم ضد مرض الجدري يضر بصحة الانسان اكثر مما يفيد، اذ يتعرض شخص واحد من بين عشرة آلاف إلى الاصابة بانسداد في شرايين الدماغ وهذا ما يحذر منه خبير الفيروسات الالماني راينر تومسين من المستشفى الجامعي بمدينة غوتنغن، ويقول ايضا انه من الممكن التسبب بالشلل أو الوفاة. لهذا السبب تقاطع مئات المستشفيات داخل الولايات المتحدة ايضا البرنامج الكبير للحقن ضد الجدري الذي دعا إليه الرئيس بوش. من بين نصف مليون موظف يعملون في المستشفيات الاميركية اعلن 687 منهم فقط عن استعدادهم لتلقي الحقن. وحذر خبير اميركي قبل ايام في مقال تشرته مجلة طبية ان برنامج التطعيم الذي اعلنه بوش سيكلف الشعب الاميركي 500 ضحية، وهذا الرقم اعلى بكثير عما تتوقعه إدارة بوش من خسائر في الارواح من الطرف الاميركي في حال الحرب
العدد 173 - الثلثاء 25 فبراير 2003م الموافق 23 ذي الحجة 1423هـ