فوجئ الكثير من الناس بتلك الهرولة اللاعفوية التي أعطيت لمجلسنا البرلماني في البت في مشروعات الاقتراض التي قدمتها الحكومة للنواب البرلمانيين، وفي طريقة إلحاح الحكومة على النواب في البت في حق هذه المشروعات.
في الحقيقة هذه الهرولة لا تخدم ديمقراطيتنا البحرينية في شيء، وأسلوب أو ثقافة «الهرولة» أسلوب استخدم كثيرا وبات يكون ميزة من ميزات الديمقراطية البحرينية، أو ضمن الأسس الفكرية لها. القوانين تلاحق بعضها كأنها في مارثون وكل قانون أخطر من الثاني، المناقصات تتم بطريقة مستعجلة وكأن قانون المناقصات جيء به للديكور، الحوادث السياسية وحتى التصريحات كما جاء على هامش قضية شارع المعارض كانت في هرولة وتداخل وتباين حتى ما عاد القارئ يفهم ما له وما عليه وإلى أين نحن سائرون؟
والمجتمع ـ طوال هذه الفترات ـ لايكاد يخرج من مفاجأة سياسية أو قانونية أو فزعة اتهامية حتى يقع في أخرى وهكذا تماما كما حدث في سرعة إلقاء موعد الانتخابات البلدية والبرلمانية حتى بات البعض يسمي هذا العام بعام «الهرولة»، ويتمنى الكثير من الناس ألا يتحول إلى ثقافة سياسية واقتصادية وألا يكون سمة غالبة لسياستنا في هذا البلد.
ما نعيشه من فزعات بدأت تكرار ذاتها في مشروعات القوانين التي عرضت على البرلمان انطلاقا من القاعدة الشعبية «عن العين والنفس». ثلاثة مشروعات قوانين تعرض على المجلس وكل واحد أخطر من الثاني.
الأول: عبارة عن قرض لتمويل مشروع توسعة محطة الحد لتوليد الكهرباء. الثاني: جاء بشأن إصدار سندات خزينة بمبلغ 005 مليون دولار أميركي. والثالث: رفع سقف الاقتراض من خلال سندات التنمية إلى 009 مليون دينار بحريني.
الحكومة تطالب بسرعة البت والنواب يخافون من تلك التهمة القديمة الجديدة، ان البرلمانات دائما ما تعيق مشروعات الحكومة، على رغم عدم حصول النواب على المعلومات الكافية عن المشروعات. وهذه مشكلة كبرى: كيف يتم البت في مشروعات بهذه الكلفة والضخامة والمديونية في خلال مدة لا تتجاوز الأسبوعين أو بالأحرى أسبوعا واحدا؟ لأن مثل هذه المشروعات طرح في فترة أصبحت مثقوبة بالعطل والسفرات وغياب النواب، ولعل التوقيت كان ذكيا هو الآخر.
على رغم كل ذلك وكما هو عادة تاريخ مجالس الشورى العربية الإقرار بالإجماع على المشروعات حتى لو ان البعض من الأعضاء لم يقرأها أو لم يفهمها.
الشيء الجميل ذلك التصريح المضحك المبكي لوزير المالية عبدالله سيف، إذ قدم «اعتذارا» عن نقص المعلومات، مؤكدا «انه على استعداد لتوفيرها في وقت لاحق»... وهو أمر لا يحدث حتى في دولة الواق واق. وإلا مشروعات بهذه الضخامة تقدم بلا معلومات تفصيلية ولا حتى عائمة، وتمشي بكل هذه السهولة، وعلى رغم كل ذلك يوافق عليها مجلس الشورى؟ وهذه المرة الأولى التي نرى فيها مشروعات يراد البت فيها ولكن المعلومات تأتي بعد التصويت عليها.
عادة البرلمانات يقدم لها مشروع واحد كي تتدارسه لفترة زمنية، أما نحن وبسبب (ثقافة الهرولة) أصبحنا أمام ثلاثة مشروعات كبرى في لحظة واحدة.
والسؤال يقدم لوزير المالية: وأنتم أمام هذه المشروعات، لماذا لم تقدموا المعلومات التفصيلية أولا، ومن ثم عرضها؟ إلا إذا كانت خطة هذه المشروعات غير واضحة لدى حتى المسئول الأول في الوزارة وهذه مشكلة كبرى!!!
السؤال لذي الثاني: هل هناك خطة لطرق سداد هذه القروض؟ هل هناك تخطيط مسبق؟ مازلت أتعجب من دولنا العربية كيف تسير في مشروعات ضخمة بلا وزارة تخطيط؟ فإننا بلا وزارة تخطيط سنصبح نراوح في مكاننا ونعيش تخطبا وهدرا لكثير من الأموال.
البحرين تسير باتجاه اقتراض مخيف وربما قد تتجاوز الخط الأمني من الاقتراض، وهذا يمثل خطرا كبيرا لأن ما ننتجه قد يدفع الكثير منه فوائد للمقترض.
وسنصبح تحت رحمة البنك الدولي أو الدول المانحة التي عبر عنها عبدالحي زلوم في كتابه «العولمة» بالبنوك الاستغلالية التي أنهكت الدول الفقيرة بالمديونية وبتلك الفوائد الجهنمية التي تأخذها المشروعات.
العام الماضي قامت الحكومة بدفع فوائد على ديونها بما مقداره 001 مليون دولار، وقد تصل العام المقبل إلى 002 مليون دولار وهذا في حد ذاته كارثة.
مشكلتنا في مجتمعنا البحريني هي كثرة المزايدين، إذ راحت هتافات «ام المعارك» تهتف بكل عاطفة مصطنعة بأن هذه المشروعات هي خدمة كبرى وانها (سيُجنى من ورائها دخل كبير يغطي ما تصرفه من مبالغ مقترضة) والبعض من النواب دخل حتى في النوايا وهكذا. علينا أن ندرس الملف بكل موضوعية ولغة رقمية، أما بلا معلومات فذاك أمر غريب.
وللأسف بعض نوابنا يتعاطى مع المشروعات التي تحتاج إلى دراسة توازنها السلبي والإيجابي بلغة الأرقام، يتعاطى معها باللغة الشاعرية وبثقافة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» وبروحية «بالروح بالدم نفديك يا مشروع».
هذه المزايدات تضر تجربتنا ومشروعاتنا، والبرلمان إنما وضع للرقابة والمحاسبة لا للمزايدات.
مجلس الشورى أعتقد أخفق في استيعاب ملف هذه المشروعات الثلاثة والمجلس الوطني هو أمام محك آخر، فبعض النواب آثر عدم ذكر اسمه والبعض يخجل من رفض المشروعات على رغم ان هذا البعض يطرح ان سبب الخوف أو عدم القبول بالمشروعات الثلاثة من أن يكون جزء من الأراضي البحرية ملكا خاصا، ما يجعل جزءا كبيرا من المبلغ يذهب في شراء الأراضي التي تملكت لأغراض خاصة.
حقيقة يجب أن يكون الوزير واضحا في ذلك، فليس مقبولا أن تقدم مشروعات بلا معلومات وهي سابقة قد تتحول إلى نكتة سياسية من نكاتنا السياسية في قاموس برلماناتنا العربية السياسية
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 173 - الثلثاء 25 فبراير 2003م الموافق 23 ذي الحجة 1423هـ