قد يبدو ان قطار الحرب الاميركي مندفع باتجاه المحطة العراقية ولا يوجد ما يوقفه او يحرف اتجاهه، فالادارة الاميركية وان تجد خيارات صعبة وهي في معرض اعدادها السياسي والعسكري لمسرح العمليات الا انها وصلت الى طريق اللاعودة بشأن شن الحرب على العراق. واذا كانت الادارة الاميركية حتى الآن ابدت عزما لا يستجيب للمواقف الدولية الممانعة للحرب التي ابرزت معارضة واسعة النطاق داخل مجلس الامن مما زاد الصعوبة على الدبلوماسية الاميركية للحصول على القرار الثاني. وتجلت هذه المعارضة داخل المجلس بمشهد التصفيق المدوي اعجابا وتأييدا من الغالبية المطلقة من الحاضرين لوزير الخارجية الفرنسي دومينيك دي فيلبان وهو يبرز تشددا في ضرورة منح المفتشين الدوليين الوقت اللازم لنزع الاسلحة العراقية المحظورة وبما يخالف الموقف الاميركي. هذا المشهد وما لحقه في اليوم الثاني على مستوى العالم من احتجاجات غاضبة، حين خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين في مدن العالم المختلفة رفضا للحرب، وبدا فيها ان الرأي العام في الدول التي تؤيد حكوماتها الحرب اكثر احتجاجا ورفضا للحرب، ومع ذلك، فمن المرجح ان تنجح واشنطن في لي الاذرع للوصول الى ما تريد. وهاهي نجحت في تطويع الموقف التركي بما يجعل تركيا على استعداد لتقديم الدعم اللوجيستي لخوض اميركا الحرب. وفي الوقت ذاته يتوقع ان تنجح الدبلوماسية الاميركية في تحركها صوب الكاميرون وغينيا وأنغولا، ومع ان الدول الثلاث الاعضاء في مجلس الأمن ابدت مع الدول الافريقية الاخرى تأييدا للموقف الفرنسي وذلك في القمة الافريقية الفرنسية. الا ان المراقبين يتوقعون ان تنجح الدبلوماسية الاميركية في حمل الدول الافريقية الثلاث على تأييد مشروع القرار الثاني الذي تريد واشنطن صدوره من مجلس الامن.
واذا كان الوزير كولن باول بدأ زيارة آسيوية اراد عبرها ان يحصل على تأييد الصين لذلك القرار، فالمتوقع ان لا يحصل باول من بكين سوى على موقف وسط على رغم تأييد بكين للبيان الثلاثي الفرنسي الالماني الروسي، وذلك بأن لا تستخدم الفيتو بوجه القرار الذي تريده واشنطن من دون ان يعني ذلك التصويت لصالح القرار. بل ان توقعات تشير الى ان روسيا وفرنسا اللتين تعارضان التوجه الحربي وهددتا باستخدام الفيتو بوجه القرار الثاني بدورهما قد لا تفعلان ذلك، لأنهما في النهاية لا تريدان المجازفة بعلاقاتهما الجيدة مع واشنطن، عبر استخدام حق النقض في مجلس الأمن لمنع صدور قرار الحرب، ما دامت واشنطن ستذهب الى شن الحرب حتى وان لم يصدر قرار من مجلس الأمن تحت مسمى رغبة المجتمع الدولي.
ومهما يكن من امر، فإذا صدقت التقارير فإن الوزير باول ضمن عبر الهاتف تأييد اسبانيا وبلغاريا وتشيلي، وليس من المستبعد ان يحصل على تأييد باكستان والمكسيك لمشروع القرار. وبالتالي من المرجح جدا ان تتمكن واشنطن من الحصول على القرار الذي تريد وتذهب الى حرب العراق وهي تحمل راية الامم المتحدة.
وبالطبع يمكن ان يخذل بليكس والبرادعي واشنطن في تقريريهما في الاول من مارس/ آذار، كما فعلا ذلك في تقريري منتصف الشهر الجاري. الا ان ذلك لا يهم مادام بليكس اعتبر امتلاك العراق لمخزون من الصواريخ المحظورة التي يتجاوز مداها الـ 150 كيلومترا ببضع كيلومترات خرقا لقراري المجلس 687 و 721. وتسارع العراق لتدمير هذا المخزون وفق طلب بليكس لا يلغي واقعة الخرق. وبالتالي اقامة الحجة لاصدار القرار الثاني.
على أي حال، في تقديرالعديد من المحللين والمراقبين فإن القرار الثاني سيصدر، وستشكل واشنطن ومعها بريطانيا تحالفا من المقهورين لخوض الحرب على العراق. واذا كان غياب تحالف المتعاطفين لهذه الحرب سيضع قيودا على مجرى الحرب لجهة ضرورة ان تكون قصيرة في مداها الزمني، وبالتالي ضرورة جعل الخسائر البشرية بدرجة الصفر، فضلا عن محاولة عدم الحاق اضرار بالمدنيين العراقيين لان ذلك سيصعد من موجة الرفض العالمي والاميركي لهذه الحرب الامر الذي يحرج الادارة الاميركية. وبهذا المعنى، فإن الادارة الاميركية اذا ما ارادت مراعاة هذه القيود فإنها ستضطر الى الاكتفاء في خوض هذه الحرب باستراتيجية القصف عن بعد، ومعنى ذلك التخلي عن الهدف المعلن والصعب وهو الاطاحة بالنظام السياسي في بغداد.
اكثر من ذلك ان خوض الحرب بتحالف المقهورين سيصعد من كلف الحرب، فالتطويع ولوي الاذرع من اجل تشكيل هذا التحالف بحاجة الى اغراءات مادية وربما الى ضخ مساعدات مالية مباشرة وآنية وعاجلة للدول التي سيتشكل منها هذا التحالف. وبالمقابل فإن غياب تحالف المتعاطفين سيؤدي مثلما اشار وزير الخارجية الالماني الى ان الاخطار الاستراتيجية ستفوق الاخطار الانسانية. وفي مقدمة هذه الاخطار انهيار التحالف المضاد للارهاب، بل وخلق البيئة المناسبة لزيادة مستنقعات الارهاب. وفي موازاة ذلك فإن خوض الحرب بغياب تحالف المتعاطفين وفي ظل وجود تعاطف المقهورين سيحدث المزيد من التصدعات لمؤسسة الامم المتحدة، ان لم تؤد الى اطلاق رصاصة الرحمة عليها.
والخلاصة التي يمكن توقعها في ظل مثل هذه حرب هو ان تجد نفسها بلا حلفاء حقيقيين يساعدونها في التعامل مع الوضع الشائك الذي ستخلفه أي حرب تشنها الولايات المتحدة على العراق سواء كانت تحت راية الامم المتحدة او تحت مسمى رغبة المجتمع الدولي
العدد 172 - الإثنين 24 فبراير 2003م الموافق 22 ذي الحجة 1423هـ