العدد 172 - الإثنين 24 فبراير 2003م الموافق 22 ذي الحجة 1423هـ

مراسيم عاشوراء مختلفة: ترينداد مثالا

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

كارنيفال «هوزيه» «Hosay Carnival»، بدأت الاستعدادات له في ترينداد في أميركا اللاتينية. الاستعدادات للمهرجان السنوي تبدأ مباشرة بعد عيد الأضحى المبارك وتستمر حتى يوم العاشر من المحرم إذ تصل قمة المهرجان السنوي. «هوزيه» هو الإسم المحلي للإمام الحسين بن علي (ع). والمشاركون في الإعداد للمهرجان هم مجموعات كبيرة من سكان «سانت جايمس» في العاصمة «بورت سباين».

هذه المجموعات تنتمي إلى جميع الأعراق والديانات في ترينداد، المسلم والمسيحي والهندوسي والأبيض والأسمر والأسود، كل منهم يعمل ضمن خطة سنوية يتم الاعداد لها على مستوى المجلس المحلي (البلدية) واللقاءات المتعددة بين الجماعات المختلفة. المهرجان السنوي يعتبر مناسبة وطنية عامة لا تخص طائفة اسلامية لوحدها.

يقول القائمون على المهرجان ان البداية كانت العام 1845 عندما وصل إلى ترينداد 130 ألف هندي جاءت بهم الإدارة الاستعمارية البريطانية. كان ضمن هذا العدد الكبير 30 ألف مسلم، وضمن هذا العدد كانت هناك ثلاث عوائل شرعت بإقامة مراسيم التعزية في العام 1854 بمناسبة استشهاد الحسين . غير أن الإدارة البريطانية منعت الاحتفال بالمناسبة (بعد فترة)، ما حدا بالهنود المسلمين والهندوس لإعلان الاضراب بصورة عامة ضد ذلك المنع. ثم دخل في الاضراب الأهالي المحليون ما حدا بالإدارة الاستعمارية أن تتنازل عن قرارها. ومنذ ذلك الحين أصبح الاحتفال بعاشوراء رمزا لوحدة أهالي «سانت جايمس» في العاصمة (بوت سباين).

الاحتفال السنوي فريد من نوعه ولا يوجد له مثيل في أي مكان آخر في العالم. لا يوجد في هذا الاحتفال أي مظهر من المظاهر الموجودة في بعض البلدان الإسلامية. يبدأ المشاركون بالإعداد بعيد عيد الأضحى من خلال بناء منارات مسجدية، تمثل هذه المنارات مسجدا للحسين ومسجدا آخر للحسن بن علي. المنارات يتم تغيير لونها وتصميمها بحسب الاتفاق السنوي. فالمسيحيون يطالبون بأن يكون لون المنارة أبيض في سنة من السنوات. آخرون يطالبون بلون أحمر في العام الآخر. في الوقت ذاته، تبدأ الورشات بصناعة نوع خاص من «الطبول» المعمولة من الفخار والجلد. الطبول أنواع معينة وكل تصميم فيها يعطي نغمة تذكر بدعوة أهل الكوفة للحسين.

نوع آخر يذكر بالخديعة التي وقع فيها مسلم بن عقيل وأصحاب الحسين. نوع آخر يعطي نغمة الحرب، ونغمة أخيرة هي نغمة حزينة تخصص ليوم العاشر، للتذكير باستشهاد الحسين. يقول شخص يعمل في صناعة المنارة: «أنا كاثوليكي، ولكن الحسين هو رمز للإنسان الثائر على الظلم». شخص آخر يقول: «أنا أسود وأرى أن اللون الأسود المستخدم في الذكرى لا يدعو للحزن، بل على العكس لأن الحسين ثار على الظلم». هناك قرابة ثلاثمئة شخص تابعون للعوائل التي أسست العزاء الحسيني، وهؤلاء يعطون الأولوية والخصوصية لإقامة جزء من المراسيم، أما المشاركون الآخرون فيبلغ عددهم 35 ألف شخص، هؤلاء كل مجموعة منهم وكل شخص منهم يشترك بعد انتهاء المراسيم الخاصة التي يقيمها أبناء العوائل الثلاثة والمقربون منهم.

استعدادا للمهرجان السنوي، يتوقف أكثرية المشاركين عن أكل اللحم ويركزّون فقط على الفواكه والخضار والحليب. العوائل جميعها (مسلمون ومسيحيون وهندوس وغيرهم) يطبخون وجبة «ماليدة» وهي وجبة خاصة «بكارنيفال هوزيه». وتقوم العوائل بتوزيع وجبة «الماليدة» على المشاركين. كل حي يشارك في المراسم، يعلنون ذلك من خلال المشاركة في صناعة المنارات والطبول ومن خلال رسم مربع أبيض على الأرض، وهو المكان الذي يجتمعون فيه لأكل «الماليدة» واستذكار عاشوراء.

القمة التي يسعى لها الجميع هي الاحتفالات في الأيام الثلاثة الأخيرة من عاشوراء. فابتداء من السابع من المحرم تخرج مسيرة الاعلام المكونة من اللون الأحمر (شعار الثورة)، اللون الأخضر (شعار الأزدهار)، واللون الأبيض (شعار السلام). في هذا اليوم يحمل المشاركون مسجدا صغيرا تم صنعه واعداده في الأيام الماضية. في اليوم الثامن تزداد النشاطات وتصل ذروتها في يوم التاسع (ليلة العاشر) إذ يحمل المشاركون مسجدا كبيرا وهلالين كبيرين (هلالا يمثل الحسين ولونه أحمر، وهلالا آخر يمثل الحسن ولونه أخضر). مجموع المساجد المحمولة هو ثلاثة، يمثل كل مسجد عائلة من العوائل المؤسسة للمسيرة. يوم العاشر، هو يوم المسيرة الكبرى، وفي الساعة الثالثة و النصف (قرابة الوقت الذي استشهد فيه الحسين) تصل المسيرة إلى مكان معين إذ ينصرف الآخرون ويتركون العوائل المسلمة لقراءة دعاء بالمناسبة، ثم تقوم العوائل بتفكيك المساجد التي تم صنعها من الخشب ورمي أطرافها في مياه المحيط.

بعض الكبار من أفراد العوائل المؤسسة يقولون انهم يخشون أن معنى المناسبة قد ينتهي في مراسيم غير دينية. ويشير بعضهم الى أنهم سعيدون لأمرين، الأول أن المراسيم لا تحتوي على بعض الأمور التي تشوّه المناسبة في البلدان الأخرى، مثل إسالة الدم وايذاء النفس. الأمر الآخر هو أن المسيحي والهندوسي والمسلم وغيرهم يشتركون في إحياء المناسبة، وجميع هؤلاء يشعرون أن قضية الحسين ليست قضية خاصة بدين أو طائفة، وان الحسين يعني الكرامة والثورة والمقاومة لكل أنواع الظلم.

لا ندعو لكارنيفال «هوزية» ولكنه درس لمن أراد أن يخدم حركة الإصلاح

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 172 - الإثنين 24 فبراير 2003م الموافق 22 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:37 ص

      مقال روعه و معلومه جميله

      ارفع جزيل الشكر لله اولا ثم لكاتب هذه المعلومه و المقتلة الجميله. فعلا التغرب بوحد.

اقرأ ايضاً