في فضاءات التعبئة السياسية - النفسية ضد العرب والمسلمين التي انطلقت عقب ضربة 11 سبتمبر/ أيلول 2001 سُئل أحد المسئولين الأميركيين عن احتمال «عزل العرب في معسكرات» أجاب المسئول: نفعلها إذا فعلوها ثانية.
فكرة عزل كتلة أميركية تنتمي في أصولها إلى شعب معين ليست جديدة في الولايات المتحدة. سابقا أقدمت عليها إدارة واشنطن في الحرب العالمية الثانية حين هاجمت الطائرات اليابانية القاعدة العسكرية البحرية في بيرل هاربر. فتلك الضربة أدت إلى دخول أميركا علنا إلى جانب دول الحلفاء في معركتها ضد دول المحور، وأسهمت في تعديل موازين القوى لمصلحة بريطانيا والاتحاد السوفياتي، وانتهت بهزيمة دول المحور واستسلامها من دون قيد أو شرط، وأخيرا توجت بإسقاط واشنطن قنابلها النووية (هيروشيما، وناكازاكي) على اليابان، ومسح مدينة دريزدن في ألمانيا بالقنابل التقليدية.
الرد الأميركي لم يقتصر على جبهة الخارج بل شمل الداخل أيضا. فأقدمت الإدارة على اتخاذ إجراءات قانونية واحترازية ضد كل ياباني مقيم في أميركا. وطاولت الاحتياطات الأمنية مجموع الكتلة اليابانية حتى الفئات التي مضى على وجودها هناك عشرات السنين.
استخدمت أميركا ضد اليابانيين الموجودين في الولايات المتحدة الأساليب النازية التي استخدمتها ألمانيا ضد الأجانب والأقليات واليهود في أوروبا فأقامت المعسكرات وعزلت كل اليابانيين فيها بذريعة المراقبة وخوفا من إقدامهم على تحركات سياسية تخل بالأمن الداخلي. وبقي اليابانيون في معسكرات العزل إلى ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ودخول الجيش الأميركي طوكيو.
هذا الأسلوب تفكر الإدارة الأميركية في تكراره في حال «فعلوها ثانية» كما صرح المسئول الأمني ردا على سؤال استيضاحي. فالمسألة عادية وهي، كما يرى المسئول، لمصلحة العرب وحماية لهم من ردود فعل الجماعات المناهضة للعرب والمسلمين. وهي أيضا من حقوق أمن المواطن الأميركي الذي بات يشعر بالخوف والرعب عندما يسمع كلمة «عربي» أو «مسلم». فالكلمتان باتتا مرادفتين في اللاوعي (اللاشعور) لسلسلة نمطية من الأفعال ترسم في ذهنه صورة قاتمة عن انسان عجيب في شكله وغريب في تصرفاته.
هذه الصورة النمطية عن الشخصية العربية في أميركا تفسر الكثير من التصرفات الشاذة التي أقدمت عليها الأجهزة الأمنية ضد جاليات عربية منتشرة وموزعة على الكثير من الولايات الأميركية... آخرها كان اعتقال المجموعة الأكاديمية الفلسطينية التي مضى على وجودها هناك قرابة ربع قرن من الزمن.
إلاّ أن ما يواجه الإدارة الأمنية في الولايات المتحدة يتحدد في السؤال نفسه «من هو العربي»؟ وكيف يمكن تحديد شكله؟ فالعربي غير الياباني. اليابانيون متشابهون إلى حد كبير ومن عاداتهم التجمع في أحياء متقاربة في مدن الاغتراب. العرب لا يتمتعون بالصفات نفسها. فأشكالهم مختلفة وليس من عاداتهم «التقوقع» في أحياء منعزلة يسهل مراقبتها. فالعرب هم أقرب إلى هوية قومية (ثقافية لغوية) وليسوا هوية جنسية (عرقية) لها مواصفات محددة وقواسم مشتركة. والانتشار العربي (الثقافي اللغوي) من المحيط إلى الخليج جعل العرب على خط تماس مع شعوب وأقوام متجاورة من افريقيا الغربية إلى افريقيا الشرقية، من اسبانيا غربا إلى الأناضول شرقا على امتداد البحر المتوسط، ومن هضبة ايران شمالا امتدادا إلى الهند وأقصى الشرق. هذا الامتداد الجغرافي أضعف العصبية القومية (التماسك الجنسي) وأدخل على العرق العربي عشرات العناصر التي امتزجت وتلونت وتزاوجت وتصاهرت مع العربي. هذا الامتزاج أعطى فروقات تكوينية وبنيوية ولونية فأغنى الشخصية العربية ونقلها تاريخيا من العصبية الضيقة إلى ما يشبه الهوية الثقافية الجامعة يوحدها الإسلام. وبسبب من الاسلام تحول العرب إلى حضارة منبسطة ومفتوحة ترفض الانعزال والتكتل على نفسها.
تحديد سمات موحدة لشخصية العربي مسألة صعبة. فهي صعبة على العربي نفسه أن يتعرف سريعا على العربي، فأحيانا تختلط عليه المسائل بسبب اختلاف الصور النمطية بين عربي وآخر. فهناك عرب اختلطوا مع الفرس والأتراك. وهناك عرب اختلطوا مع الأفارقة من شرقها إلى غربها. وهناك عرب اختلطوا بحكم التجارة القديمة مع الهند والجزر الآسيوية. وهناك عرب اختلطوا بحكم الجوار الجغرافي مع جزر اليونان والصقالبة (الصرب) وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال.
العربي تاريخيا ينتمي إلى حضارة الترحال (الانتقال) وليس من سماته التقليدية الاستقرار في مكان. فالمكان عند العربي القديم هو الزمان وليس الجغرافيا. والجغرافيا بالنسبة إلى العربي القديم هي أقرب إلى الملجأ من الوطن (القومي النهائي).
هذه السمات ستجعل تحديد الجواب عن سؤال «من هو العربي»؟ من أصعب المهمات. فنحن نتحدث عن الملايين وهي تشبه العربي وليست بالضرورة عربية.
عزل العرب في معسكرات مهمة أميركية صعبة. وهي إذا حصلت على غرار ما فعلت إدارة واشنطن في الحرب العالمية الثانية ضد المجموعات اليابانية تكون الولايات المتحدة دخلت فترتها النازية وهي الانتقال من العزل العرقي إلى الفرز. والفرز يعني ليس نهاية العرب وانما تقويض النموذج الأميركي الذي نهضت عليه الدولة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 171 - الأحد 23 فبراير 2003م الموافق 21 ذي الحجة 1423هـ