ليس هذا عنوانا مثيرا لقصة من نسج الخيال. يلبسون النظارات والبدلات السوداء، ويحملون الرشاشات الثقيلة، ويريدون أن يحموا العالم من غزو خارجي. وحين تقابل الرجال السود سيخرجون لك بطاقتهم المكتوب عليها (إم آي بيز)، وسيمررون على عينيك لوحة بيضاء ستمحي ذاكرتك؛ لأنك شاهدتهم وهم يحاربون الغرباء القادمين من الفضاء. هذا المقطع من فيلم «الرجال السود» Men In Black II من انتاج هوليود ويؤديه ويل سميث، لا يختلف الحال عنه كثيرا عند بوابة جامعة البحرين في الصخير ومدينة عيسى. فهناك رجال يضعون النظارات الشمسية، ويلبسون ربطات العنق الزرقاء، أجسادهم عريضة، يقفون بصلابة، ويأمرون بشدة وحزم إخراج بطاقتك الجامعية ويقولون لك: يو أو بيس، وهو اختصار اسم الجامعة (بدلا عن بطاقة الرجال السود). قد يسمحون لك بالمرور ودخول الجامعة، أو تضطر إلى الرجوع من حيث ما أتيت، وتسير بسيارتك وانت تذوق الهزيمة. واذا عبرت سيخبرك صديقك: «انهم رجال أمن جامعة البحرين».
مباني حديثة أكاديمية ابدعها المصمم الياباني العالمي كينزو، تقبع في سكون وسط الصحراء، ويحمي القلعة (الجامعة) جنود يستعدون لغزو خارجي من الفضاء كما يصفها أحد الطلبة. هؤلاء الرجال دائما قلقون ومتأهبون للدفاع عن الجامعة، وهم أنفسهم لا يعلمون لماذا هم في هذه الحال؟!. يقول الطالب «ع.ج.م»: «موظفو الأمن يحمون الجامعة من أعداء خياليين لا يظهرون إلا في الخيال... فبماذا نبرر التشدد والتزمت المبالغ فيه عند التعامل مع الطلبة والزائرين؟ لماذا كل هذا الخوف؟!».
ولا تزال الجامعة تُفرض عليها قيود أمنية مشددة تعود إلى الحقبة الماضية في التسعينات، حين تظاهر الطلبة في الحرم الجامعي وحدثت اعتقالات في صفوفهم، وقامت حينها قوات الأمن وأفراد المخابرات باعتقال بعضهم وفصل بعضهم الآخر من الجامعة. أما الآن وبعد ارتفاع السقف الأمني، ودخول البلاد مرحلة جديدة من السلم وعهد الديمقراطية والحوار الوطني، فلا داعي إلى كل هذه «البهرجة واستعراض العضلات الأمنية»، كما يقول طالب في كلية الهندسة. ويواصل قوله: «لا همَّ لهم سوى جرّ الطلبة الى مهاترات جانبية، ومحاولة الاستفزاز واصطياد الأخطاء على سلوك الطلبة وكتابة تقارير انذارية».
ويُمنع غير الطلبة من دخول الجامعة، إذ يتطلب ذلك تصريحا من جهاز العلاقات العامة، أو ترخيصا من مكتب الأمن، ويستغرق ذلك حوالي ثلاثة أيام، ربما «للتأكد من أهداف الدخول إلى الجامعة». ويقول المدرس في وزارة التربية والتعليم «م.أ»: «حاولت الاستفادة من بعض الكتب التي لا تتوافر إلا في مكتبة الجامعة، إلا أن ما لمسته من تعقيدات أمنية اضطرني إلى الامتناع والتراجع».
والحال بالنسبة إلى الداخلين إلى الجامعة بواسطة الباصات، ليس بالأمر السهل أيضا. تصور أنه يُطلب من جماعة، تتجاوز الخمسين فردا وهم في صف واحد، ابراز هويتهم الجامعية، ومن يتخلف عليه العودة والانتظار. وغالبية هؤلاء من القرى في المناطق الشمالية والوسطى والغربية، جميعهم يكافحون لدخول الجامعة واحراز العلم.
وإن كان مرزوق «الوسط» قد وصف الجامعة بأنها «سجن كبير للطلبة»، واقتبس من مسمّى سجن غوانتنامو، في الولايات المتحدة الأميركية لأسرى حرب أفغانستان من قوات طالبان، اسما جديدا يطلقه على الجامعة، فهو لم يذكر التفاصيل بعد. إن الطلبة يُطلب منهم وضع ملصق «ستيكر» والذي يحمل مع بداية كل فصل دراسي جديد لونا جديدا، لمعرفة الطلبة المتسربين الذين يزحفون تحت أسوار الجامعة، ويخططون لاقتحامها، ويبرّر رجال الأمن ذلك بـأنه «نظام، وعلى الطلبة احترام النظام». ويتعرض الطلبة لمواقف كثيرة يوميا، بعضها يستحق الذكر، وبعضها اعتاد عليه الطلبة، واعتبروه أمرا مألوفا.
ويوجد رجال الأمن بصورة أقل كثافة داخل الجامعة، لكن أعدادهم تزيد في المكتبة، وفي الممرات، وأحيانا قليلة في مواقف السيارات، ويقومون بدور أساسي في مراقبة النشاط والحركة داخل الجامعة، ومطلوب منهم أن يقوموا باصطياد الطلبة الخارجين على القانون، اذا ما تجاوزوا حدود الأعراف والأخلاق. ولكن يبدو أن النقطة الأخيرة ليست مكتملة، فالطلبة يشتكون من احتياجهم إلى ضبط مسائل اللباس، وما قد يطفو من لحظات غرام يقوم بها بعض الطلبة. ويرى عضو نادي الإعلام «ع.م» أن على رجال الأمن «أن يفتحوا عيونهم أكثر للمسائل الأخلاقية، وما يحدث في الكواليس، وخصوصا أن هناك لائحة تنظم السلوك واللباس، ومن الأولى أن يطارد رجال الأمن غير المتقيدين بها».
واكتشاف جهاز الأمن الجامعي من الداخل، يكشف أمورا كثيرة لا تخطر على البال. فرجال الأمن الذين يتعقبون الطلبة، هم يعانون أيضا من خلخلة وسوء معاملة من قبل مسئولهم الذي يحمل رتبة عسكرية، ويعاملهم على أنهم عسكريون لا مدنيون. ويقول أحد رجال الأمن (امتنع عن ذكر اسمه، وشدد على ذلك): «يقوم ضابط الأمن بتلقيننا أوامر يوميا فوق طاقتنا، ويعاملنا من دون رحمة. والأمرّ من ذلك أنه يطبّق القوانين والأوامر العسكرية، بينما يجب ـ وبحسب القانون ـ أن نعامل باعتبارنا مدنيين في مؤسسة مدنية، ولسنا تابعين لسلطة عسكرية». والمفاجأة، أنه يخبرنا عن وجود عشرة من رجال الأمن التابعين لوزارة الداخلية يلبسون لباسا مدنيا، ويندسّون بين الطلبة، إذ يقومون بمراقبة الأوضاع، ونقل الأخبار بل كل صغيرة وكبيرة تحدث في الجامعة. ويتابع قوله: «يقوم هؤلاء العسكريون بعمل بطولي لمراقبة الطلبة ورجال الأمن على حد سواء، فأي خطأ يحدث أو عدم التزام بالقوانين التي وضعت، فإنه يصل إلى ضابط الأمن، ويتم عقابنا». وكان يتساءل: لماذا لا يُعيّن مسئول السلامة والأمن وهو برتبة مدنية مسئولا عن الأمن في الجامعة، وتعود الجامعة إلى وضعها «الآمن السالم». وهو الأمر الذي لم يعلمه مرزوق بعد، إذ حتى رجال أمن الجامعة فوقهم رجال أمن آخرون يراقبونهم ويتعقبونهم ويعيّشونهم تحت ضغوط نفسية مؤذية.
ومع قدوم رئيسة جديدة للجامعة، تنهض الآمال، وتستبشر الوجوه، وتتجه التطلعات إلى تغيير الواقع الجامعي. ويعلّق أحد الطلبة: «نأمل في أن تتحرر الجامعة الآن من القيود التي فرضت عليها في الماضي مع وجود رئيسة تؤمن بالحوار».
الطلبة ورجال الأمن في خندق واحد، ينتظرون قرارات تعيد إلى الجامعة موقعها الحيوي، وتفتح لجميع الطلبة والزوار من دون عوائق أو مضايقات.
في هذا التحقيق لم يُذكر أي اسم من أسماء الذين شاركوا في الحديث نزولا عند رغبتهم، فهم امتنعوا عن ذكر أسمائهم، وشددوا على ذلك تخوفا من أية محاسبة من قبل إدارة أو أمن الجامعة أو أية جهة أخرى، وتعرض مصالحهم للخطر، وجميع الأسماء والمعلومات والمصادر محفوظة لدى محرر الصفحة
العدد 171 - الأحد 23 فبراير 2003م الموافق 21 ذي الحجة 1423هـ