برلين في العام 1989. انهار جدار برلين لتوه وتملّك ألمانيا والعالم حماس بالغ بسبب التحول الذي طرأ على العلاقات بين الشرق والغرب وما إذا معنى انهيار الجدار الذي ظل صامدا أربعين سنة، نهاية الحرب الباردة. إلا أن الشاب أليكس البالغ 21 عاما من العمر منهمك جدا في الإبقاء على الأمور على حالها السابق، كأن شيئا لم يحدث في الألمانيتين، وعلى الأقل الإيحاء بأن ألمانيا الشرقية ما زالت على وضعها والسبب أن والدته تعرضت إلى أزمة قلبية دخلت على اثرها في غيبوبة وأمر الأطباء عدم تعرضها إلى ما يثير أعصابها وخشي أليكس أن يحدث مكروه لوالدته إذا سمعت أن ألمانيا استعادت وحدتها.
هذا هو جوهر فيلم المخرج الألماني ولفغانغ بيكر الذي يحمل عنوان «وداعا يا لينين» والذي حصل على اهتمام كبير من قبل النقاد وجموع الزائرين وكذلك ضيوف المهرجان من كل صوب وحدب، وخصوصا الذين أتوا إلى برلين خصيصا من هوليوود، ليسهموا في تعزيز الرأي بأن مهرجان برلين السينمائي أصبح قطعة من هوليوود، على رغم أن الرأي الغالب يرى أنه عبارة عن موقع في وسط أوروبا يعطي الأفلام الألمانية فرصة للظهور، ويعطي الأفلام الأوروبية بصورة عامة فرصة لمنافسة الأفلام الأميركية.
أصبح مهرجان برلين السينمائي في دورته الـ 53 بأي حال أكبر مهرجان للسينما يقام في ألمانيا ومن أهم مهرجانات السينما في العالم وعلى مدى أسبوعين كاملين تحولت برلين إلى حفلة صاخبة، إذ تجول شوارعها سيارات المسئولين السياسيين والدبلوماسيين في النهار ويحل مكانهم نجوم السينما والفن في المساء، وفي مناسبات كثيرة حصل اختلاط بين شخصيات سياسية وشخصيات سينمائية فقد وعد كلاوس فوفرايت، عمدة برلين الحاكم، أن يشاهد مجموعة من أفلام المهرجان فيما شوهد عدد من أعضاء الحكومة الألمانية في دور العرض. مهرجان برلين عبارة عن معرض للسينما، تجري على هامشه اتصالات وتعقد صداقات وتنشأ أفكار لمشروعات سينمائية جديدة، وللتذكير فقد برز مخرجون كبار من خلال فعاليات مهرجان برلين السينمائي ومنهم على سبيل المثال ميشال أنجيلو أنتونيوني وراينر فاسبيندر وإنغمار بيرغمان ورومان بولانسكي وكارلوس ساورا وروبرت ألتمان وغيرهم.
تم افتتاح المهرجان بعرض الفيلم الاستعراضي الأميركي(شيكاجو) بطولة ريتشارد جير وكاثرين تسيتا جونز وتم ترشيح هذا الفيلم - الذي قامت فكرته على مسرحية استعراضية مازالت تعرض على أحد مسارح مدينة نيويورك - للفوز بجائزة الدب الذهبي، الجائزة الرئيسية التي تمنح لأبرز فيلم يدخل مسابقة مهرجان برلين السينمائي. وقد تساءل النقاد ما إذا نجح مدير المهرجان ديتر كوسليك في رفع مستوى المهرجان من خلال الإقبال الهوليوودي الكبير الذي تمثل في نجوم السينما العالمية منهم ريتشارد جير وداستين هوفمان وستيفان سبيلبيرج والنجم الشاب دي كابريو ونيكول كيدمان وجورج كولني وغيرهم، ولم يعتذر أحد من المدعوين عن الحضور إلى برلين، بسبب الأوضاع السياسية المتوترة في العالم والخوف من وقوع حرب جديدة في منطقة الخليج. ويبدو أن بعض نجوم هوليوود تأثروا إلى حد كبير بموقف ألمانيا المناهض لعمل عسكري ضد العراق، إذ ألقى الممثل الأميركي الشهير داستين هوفمان كلمة مناهضة للحرب وذلك خلال حفل عشاء رسمي أقامته لجنة المهرجان على شرف المشاركين.
الفيلم الألماني يستعين بمهرجان برلين السينمائي ليثبت وجوده ويلقى كل تأييد من مدير المهرجان كوسليك الذي استلم منصبه قبل وقت قصير على بدء فعاليات المهرجان في العام 2002 تعمد وقتها إلى افتتاح المهرجان بفيلم ألماني. في مهرجان العام 2003 تم إدراج ثلاثة أفلام ألمانية بين 22 من الأفلام التي دخلت المسابقة للفوز بواحدة من جوائزها، الدب الذهبي أو الدب الفضي أو الدب البرونزي. وأعضاء لجنة التحكيم من كندا وألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا ومالي. كما أن هناك مسابقة للأفلام القصيرة ومسابقة لأفلام الأطفال، وتتألف لجنة تحكيم من الأطفال لاختيار أفضل أفلام مسابقة أفلام الأطفال، وهذا تقليد متبع في مهرجان برلين السينمائي. وقال كوسليك إن 59 فيلما من أصل 360 فيلما عرضت على مدى عشرة أيام، كانت أفلاما ألمانية، وهذا رقم قياسي، أكد ذلك كوسليك الذي شغل في السابق منصب مدير جمعية السينما في ولاية شمال الراين وستفاليا.
غير أن مفاجأة المهرجان هذا العام كانت منح جائزة «الدب الذهبي» إلى فيلم لا يقوم ببطولته ممثلون محترفون وإنما أناس عاديون. وحصل المخرج البريطاني مايكل ونتربوتوم على الجائزة الرئيسية للمهرجان، على فيلم «في هذا العالم In this World» ويحكي قصة شابين من أفغانستان، جمال وعناية الله، كلاهما من مواليد منطقة بيشاور على الحدود الباكستانية، ويسجل الفيلم المسعى الذي قام به الشابان الأفغانيان للوصول بطرق غير مشروعة إلى بريطانيا لهدف الحصول على حق اللجوء السياسي والإقامة في ربوعها. ينقل الفيلم صور الرحلة الطويلة إلى لندن عبر إيران وتركيا وإيطاليا.
يحكي الفيلم قصة لم تعد من وحي الخيال، ففي عالم الهجرة اليوم يعرف كثيرون هذه التجربة وكان هدف مخرج الفيلم عرض قضية على العالم وهي قضية اللجوء من عالم الفقر إلى عالم الرفاهية، واعتبر منذ البداية أن جمال وعناية الله ينوبان في تقديم هذه المشكلة نيابة عن ملايين اللاجئين في دول العالم الثالث الذين يصبون إلى الهجرة للغرب للحصول على لقمة العيش، وقال ونتربوتوم إنه يأمل أن ينشأ من وراء عرض الفيلم نقاش صحي حول مشكلة الفقر واللجوء.
بينما يتوقع المراقبون حصول فيلم «وداعا يا لينين» على نجاح كبير على الأقل في ألمانيا. هذا الفيلم يعيد النشاط إلى السينمائيين في الشطر الشرقي ويعيدهم إلى العمل السينمائي من خلال تقديم أفكار خاصة بطبائع الألمان الشرقيين لكنها تلقى استحسانا كبيرا عند أقرانهم في الشطر الغربي. فيلم ألماني آخر يحمل اسم «أضواء Lichter» وحصل على جائزة تشجيعية من لجنة المهرجان ويدور حول مجموعة من الأشخاص الذين يعيشون على الحدود الألمانية البولندية. كما عرض فيلم «الخوف» الذي برع فيه الممثلان أندريه هينيكي وماري بويمر. لم يدخل أي من الأفلام الألمانية المسابقة لكن مدير المهرجان واثق بأن مستوى الفيلم الألماني سيزداد أهمية في المهرجانات المقبلة
العدد 170 - السبت 22 فبراير 2003م الموافق 20 ذي الحجة 1423هـ