العدد 170 - السبت 22 فبراير 2003م الموافق 20 ذي الحجة 1423هـ

إنهم يغيّرون نهجنا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حين وقعت ضربة 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في نيويورك وواشنطن، قيل الكثير من «الأفكار المجنونة» عن تداعياتها الأميركية والدولية.

من الآراء التي طرحت انها ستدخل الولايات المتحدة في حال عزلة وانفكاك عن الآخر. وقيل إن الذي خطط للضربة يقصد إجبار أميركا على الرد فتضطر إلى الخروج من دارها وتنتشر عالميا، الأمر الذي يسهل إمكانات مواجهتها جزئيا في هذا المكان أو ذاك. ورأت بعض القوى أن العالم تغيَّر وكذلك الولايات المتحدة والعصر المقبل أميركي بالضرورة.

ورأى البعض الآخر ان الضربة نهاية فترة وبداية فترة، وأن عهد القطب الواحد لم تعد له من مبررات، فالعالم يتجه نحو تعدد الأقطاب.

كل هذه التحليلات والآراء والفرضيات قيلت في لحظة انبهار العالم بمشهد لم يسبق له مثيل جمع بين صور حسية تكررت وتفسيرات هي أقرب إلى قراءة «مؤامراتية» للحدث، نظرا إلى النقص في المعلومات.

اشترك العالم كله في متابعة المشهد وقراءة تداعياته باستثناء فكرة واحدة كررها أكثر من مسئول أميركي ولكنها لم تصدر عن أية جهة خارج الولايات المتحدة. كانت الفكرة غير مفهومة ومفاجئة ولم يعرف أحد معناها إلا بعد مرور أسابيع عدة على ضربة 11 سبتمبر.

الفكرة التي تمت مداولتها وطرحها كانت بسيطة وجاءت نتائجها سريعة وهي: إنهم يحاولون تغيير نهجنا في الحياة.

محاولة تغيير الأسلوب الأميركي في الحياة لم ترد... حتى انها لم تخطر على بال أي مسئول أو مفكر غير أميركي. ما علاقة الضربة بمحاولة تغيير النهج الأميركي في الحياة؟ وما المقصود بفكرة الأسلوب الأميركي؟ وما صلة الحدث المأسوي بذاك القول «محاولة لتغيير نهجنا في الحياة»؟.

هذا الكلام الأميركي رُدّ عليه أميركيا. فصدرت عن أكثر من مسئول وغير مسئول في الولايات المتحدة كلمات تعترض على مجرد التفكير في تغيير النهج الأميركي في الحياة باعتباره اسلوب احتواء لتداعيات الحدث.

دخلت الأطراف الأميركية في نقاش داخلي تركز على فكرة «تغيير نهج الحياة». الموافقون قالوا إن الرد على الضربة لا يكتمل من دون إحداث التغيير. المعارضون قالوا إن تغيير النهج يعني ان «الارهابيين» انتصروا في معركتهم ونجحوا في جرِّ الولايات المتحدة إلى معسكر الاستبداد. فقوة أميركا هي في كونها «واحة الحرية» وستتقوض داخليا إذا خرجت عن نهج الحرية والثقة بالمواطنين. فالمجتمع الأميركي متعدد الأصول وقوته في تنوعه، وهامش الحرية معطى لمختلف الفئات في العيش بسلام، وممارسة كل فئة معتقداتها وشعائرها من دون ضغط أو إكراه أو مراقبة. كان صوت الفئات المعترضة على التغيير أقل عددا بينما الهياج العام كان يدفع نحو تغيير النهج في الحياة والتضحية بالحرية من أجل سيادة الأمن.

وتحت شعار «الأمن أولا» بدأت الولايات المتحدة تتغير. وأدرك كل العالم، بعد فوات الأوان، معنى كلام «انهم يريدون تغيير نهجنا في الحياة» أو ما المقصود من «انهم يريدون تغيير الأسلوب الأميركي في الحياة»؟.

تغيَّرت أميركا خلال أسابيع. وما كان يحتاج إلى سنوات وربما عقود لإقراره في الكونغرس اتُّخذت التدابير بشأنه في أيام بذريعة حماية الشعب الأميركي من حرب ارهابية يتعرض لها من عالم مجهول يدعى «شبكات» أسامة بن لادن وتنظيم غير معروف اسمه «القاعدة».

فجأة ظهرت فكرة التغيير. وبسرعة البرق اتُّخذت التدابير القانونية بشأنها فاستحدثت وزارة الداخلية وأُعطيت صلاحيات استثنائية وسلحت بقرارات رئاسية ترخص لها فعل ما تريد في الداخل (الجامعات، المدارس) والمداخل (مطارات، محطات القطار) وفي الولايات (المدن، التجمعات) وفي المؤسسات (الإدارة، الشركات) وصولا إلى المساجد والجوامع والصحف والمجلات ومراكز البحث والمعاهد.

استهدفت القوانين كل الناس إلا انها تركزت على التجمعات العربية والمسلمة والكثير من الجاليات الآسيوية والإفريقية بذريعة ان هناك شبكات ممتدة محليا وأميركيا ودوليا ولابد من تفكيكها وملاحقتها حتى لا تتكرر ضربة 11 سبتمبر.

وفي ظل القوانين الاستثنائية (تغيير الحياة الأميركية) اتُّخذت تدابير غير مسبوقة فانتهكت الحريات وجرت حملات تفتيش ومداهمات من دون إنذار أو من دون عودة إلى القضاء وتم عزل الكثير من الطلبة والتشهير بالأساتذة في الجامعات. وطاولت الانتهاكات الجمعيات والأندية والجاليات من دون أن تتوافر الأدلة ومن دون غطاء قانوني يبرر شرعية تلك الحملات البوليسية.

الآن، وبعد مرور قرابة 18 شهرا على ضربة 11 سبتمبر، أدرك الأميركيون معنى كلام «انهم يريدون تغيير نهجنا في الحياة». والهجمة التي وقعت أخيرا ضد مجموعة أكاديمية فلسطينية مضى على وجودها في أميركا أكثر من ربع قرن تؤكد ان تغيير النهج لا يعني تطويره وإنما إحداث انتكاسة كبرى في الولايات المتحدة ونقلها من معسكر يحترم حقوق الإنسان إلى معسكر ينتهك حقوقه.

أليست الولايات المتحدة الدولة الأولى في العالم في معظم القطاعات فلماذا لا تكون كذلك في الاستبداد؟... أميركا فعلا تغيّرت... كذلك العالم

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 170 - السبت 22 فبراير 2003م الموافق 20 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً