العدد 170 - السبت 22 فبراير 2003م الموافق 20 ذي الحجة 1423هـ

الجولان وحزب الله في مرحلة ما بعد الحرب على العراق

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لم يأت المدير الإداري للمعهد العربي الأميركي جين ابي نادر، بجديد في حديثه لـ «الوسط»، حين أشار إلى أن الكويت لن يكون لها دور أو تأثير في مرحلة ما بعد صدام حسين، وقد سبقه الى ذلك المفكر السياسي والباحث الاستراتيجي الكويتي المعروف عبدالله فهد النفيسي، حين أشار الى أن مركز الثقل والوجود العسكري في دولة الكويت سينتقل الى العراق ولن يكون للكويت شأن يذكر ضمن مسار التأثير على الخيارات والسياسات الأميركية في منطقة الخليج في مرحلة ما بعد صدام حسين.

تمركز الثقل والوجود العسكري الأميركي في العراق يمهد للمرحلة الثانية من (احتلال العراق) ضمن الأجندة الأميركية، ويمهد للاشتغال على ملفين طالت مراوغة تناولهما وحسمهما ضمن أولويات أميركا لإحداث تغيير وقلب معادلات وخلخلة ثوابت في منطقة الشرق الأوسط.

الأول يتمثل في الأراضي السورية المحتلة في الجولان والثاني يتمثل في تفكيك وإنهاء دور حزب الله بوصفه لاعبا رئيسيا وحيويا في مواجهة ومجابهة التهديدات والاستفزازات «الإسرائيلية» لكل من لبنان وسورية، وما لم تنه أميركا هذين الملفين فلن تكون تعبئتها وحشودها في المنطقة قد سجلت أي نصر يذكر... لماذا؟.

لنبدأ بوجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي الأميركي روجر ثومبسون، الذي أشار في مقال له في ( يو إس توداي ): «ان أي نجاح يتحقق في الملف العراقي سينعكس من دون ريب وسيمهد لتيسير تناول عدد من الملفات المعلقة والصعبة، من بينها الملفان السوري واللبناني، وهو تناول سيمس بالضرورة عمق السياسات والعلاقات في منطقة الشرق الأوسط، وتكاد سيناريوهات التناول والتعاطي مع الملفين تصب في صالح «اسرائيل» وتصعيد دورها وتأثيرها ليس فقط في محيط الدول المتاخمة لها، بل سيمتد ليشمل دولا تكاد تكون في الجهة التي يعتقد انها بمنأى عن مثل ذلك الدور والتأثير».

فيما يتعلق بالملف السوري وتحديدا هضبة الجولان، سيصار إلى تسوية تعمل على تحويلها الى نسخة من شمال العراق بإقامة حكم ذاتي تحتفظ فيها «اسرائيل» بمؤساساتها الأمنية والعسكرية الى جانب توسيع قوة المراقبة الدولية التابعة للأمم المتحدة. بعض السيناريوهات تذهب إلى تقاسم الإشراف على منطقة الحكم الذاتي، بحيث تتولى اسرائيل جانبها الأمني والعسكري فيما تتولى سورية جانبها المدني، ما يعني انتهاء الدور السوري وتحوله الى طيف ضمن حدوده المحتلة، ما يعني ثانية تكريس واقع الاحتلال، وهو سيناريو وصيغة ستملى في ظل ضغوط وتلويح سيتحول الى واقع باستخدام الخيار العسكري، ما يضعها بين كماشة الوجود العسكري الأميركي في العراق ومتاخمة حدودها مع الدولة العبرية. والتهديد المحتمل باستخدام القوة لطي هذا الملف يأتي في ظل تعقيدات ملف حزب الله وتداخله مع فسيفساء التكوين السياسي والطائفي، وهو ملف لن يتم الاقتراب منه ومن ثم حسمه قبل تحقيق تقدم ملموس في الملف السوري.

ملف المياه هو الآخر سيشكل ورقة ضغط على سورية وهو مرتبط ارتباطا وثيقا بملف الجولان، فبوجود تركيا باعتبارها حليفا استراتيجيا من جهة واستتباب الأمر لأميركا في العراق من جهة ثانية، وترشح «اسرائيل» لجني ثمار مرحلة ما بعد العراق من جهة ثالثة، إذ تشكل الدول الثلاث جزءا من مصادر المياه السورية، وستعمد أميركا لاستخدامه طلقة أولى في الحرب المتوقعة على سورية لإرغامها على الجلوس الى مائدة المفاوضات. فتركيا من جهتها لم تتردد قبل التحولات التي شهدها العالم بعد حوادث 11 سبتمبر/أيلول، في استنزاف وسرقة المياه السورية ببناء عدد من السدود العملاقة، و«اسرائيل» من جهتها مستمرة في استنزافها وسرقتها للمياه، ويبقى العراق في ظل هيمنة أميركية وحكومة ظل تابعة، ستتمكن هي الأخرى من ممارسة الابتزاز بالتحكم في منافذ المياه اليها.

في حال تم الشروع في تنفيذ تلك السيناريوهات... هل ستحتفظ سورية بصلابتها التاريخية التي عرفت بها في ظل حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد ونجله الرئيس الحالي؟.

فيما يتعلق بملف حزب الله تبدو ظروف تناوله والتعاطي معه لا تقل صعوبة وتعقيدا عن الملف السوري، على رغم التداخل والارتباط الوثيق بين الملفين، فالتركيبة السياسية والطائفية في لبنان تبدو مرشحة لتأخير حسم الملف، ولكنه في نهاية المطاف سيتم حسمه لاعتبارات عدة منها:

أن الفشل في التعاطي مع ملف حزب الله يعني فشلا ذريعا في النتائج المتوخاة من حسم الملف السوري، وإن تحققت نتائج على الأرض في ظل استخدام أميركا لورقة الابتزاز والضغط، بحكم تلازم المسارين السوري واللبناني. كما أن الوجود السوري في لبنان لا يشكل عائقا في طي ملف حزب الله وتفكيك كوادره وتحويله الى حزب سياسي مقلم الأظفار وتجريده من ترسانته، فالمشكلة تكمن في ترشح لبنان للعودة الى حرب أهلية تجاوزها، استنزفت إمكاناته وموارده وكوادره. فبحل الحزب في ظل ضغوط وابتزازات وتهديدات ستتعرض لها السلطة اللبنانية، يظل مرشحا لاستئناف الحرب الأهلية بكل محارقها وكوارثها السابقة، فليس من السهل على حزب الله تقبل استبعاده نهائيا من المشهد السياسي المؤثر في ميزان المواجهة مع «اسرائيل» بعد الإنجاز التاريخي الذي حققه ووضع الأنظمة العربية برمتها في موقف جد حرج، في ظل تواضع الإمكانات والوسائل، الأمر الذي لا يستبعد معه كثيرون حدوث مواجهة إن لم تكن مواجهات مع السلطة اللبنانية، على رغم أن كثيرين يستبعدون تماما مثل هذا السيناريو على اعتبار ان النضج السياسي الذي حققه حزب الله سينأى به عن منح تلك الفرصة لإسرائيل لإعادة كارثة الاجتياح في العام 1982.

يبقى جانب غاية في الأهمية مرتبط بالملف اللبناني ممثلا في حزب الله، مرتبط أيضا بالمياه باعتبارها ورقة ابتزاز ستعمد أميركا لاستخدامها لتحريك المسار، من دون أن نغفل إيران باعتبارها قوة إقليمية لابد أن تؤخذ في الحسبان على اعتبار ان حزب الله في تركيبته العسكرية هو «نتاج إيراني» عبر دعم غير محدود حظي به من السلطة الروحية فيها أهلته للعب دور حاسم وكبير في تحرير أراضيه من الاحتلال الصهيوني. وهنا يكمن الجانب المعقد في ملف حزب الله، فأي صدام قد ينشأ في طريق حل الحزب ستكون إيران معنية به في الدرجة الأولى، على رغم التقليل من أهمية رد الفعل الإيراني في ظل إحكام أميركا قبضتها على المنطقة

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 170 - السبت 22 فبراير 2003م الموافق 20 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً