العدد 169 - الجمعة 21 فبراير 2003م الموافق 19 ذي الحجة 1423هـ

«يا حبذا مؤتمر طائف عراقي»

في اتجاه حل بعيدا عن اللحظة الراهنة

ابراهيم شمس الدين comments [at] alwasatnews.com

في حديث للإمام محمد مهدي شمس الدين مطلع العام 2000، قال رحمه الله: «الحركة السياسية المطلبية الموجودة فيه (العراق) ليست في الحقيقة حركة الشيعة، إنما هي حركة الشعب العراقي... أقول للقوى الشيعية العراقية المعارضة التي تبحث عن مخرج، انه لا يجوز أن تجد مخرجا شيعيا... ولا يجوز أن تبحث عن مخرج لا ينسجم مع توجهات المحيط العربي بشأن العراق. كل مخرج من المخارج لإصلاح النظام السياسي في العراق، ولإعادة استقرار العراق ولاستعادة دوره، لابد ان يتم باتفاق بين الجميع... ويا حبذا، ويا حبذا، ويا حبذا، لو أن الدول العربية الفاعلة تمكنت من أن تكوّن رؤية بما يشبه «مؤتمر الطائف» الذي عقد من أجل لبنان. ولعل الله إذا مد في الأجل أن يرشدني إلى خير السبل في هذا الشأن للتداول مع بعض القادة الكبار والمسئولين الكبار من اخواننا الحكام العرب في هذه الفكرة، لعل الله يجعل لنا فرجا ومخرجا مما نعانيه، ويفرج عن العراق وشعبه ويحرر العراق من هذه الوصاية ومن هذه الهيمنة الأجنبية الأميركية التي دمرته، والتي تمتص حياته تحت شعار حصار النظام، بينما الحصار هو للشعب».

منذ سنتين تقريبا وأثناء مرضه، وقبل 11 سبتمبر/ أيلول، وقبل طغيان طبول الحرب الأميركية، نبت لدى الإمام شمس الدين مشروع حل - مخرج للأزمة في العراق. كان العراق بالنسبة إليه هما يوميا، وثابتا دائما على جدول أعماله واهتماماته، وهو العراقي بامتياز، العارف والمطلع والمدرك لكل تفاصيل ودقائق مشكلاته الاجتماعية - السياسية وحال نظامه السياسي. كما كان على صلة دائمة ثابتة بمعظم جهات المعارضة العراقية المنتشرة والمشتتة في أركان الدنيا.

إذا، فكرة مبادرة عربية من الدول الفاعلة تقود إلى ما يشبه مؤتمر الطائف الذي عقد من أجل لبنان، كانت قد تبلورت لدى الإمام شمس الدين وصارت من الوضوح الأولي بحيث انه كان يخطط للمباشرة في التشاور مع عدد من القادة والحكام العرب إذا مدّ الله في عمره وهذا ما لم يحدث، رحمة الله عليه.

والآن، أمام احتمال يعتد به لحرب حقيقية تدمر العراق وشعبه تشنها أميركا، لابد من إيجاد مخرج، يجنب ليس العراق وشعبه فحسب، الحرب وويلاتها، بل يجنبنا نحن دول المنطقة وشعوبها ويلات هذه الحرب ومخاطرها ونهاياتها الغامضة ونتائجها المجهولة التي لا يدركها - ربما - حتى بعض الذين يعملون لها ويلحّون لحصولها. وهذه الحرب لم تعد حربا على العراق فقط، بل على كل المنطقة مع تفاعلات تطول كل العالم، وهذا هو المعنى الحقيقي لخروج الملايين من الناس في مدن العالم معارضة للحرب.

إن الفكرة - المخرج التي طرحها الإمام شمس الدين - وهو لم يذكر أية تفاصيل ولم يشر إلى آية آليات كما هو واضح من النص - ليست صوغ اتفاق طائف لبناني من أجل العراق، بل المقصود مبادرة عربية قوية من الدول الفاعلة تحديدا، وبمشورة ودعم من الدول المحيطة المعنية بالموضوع العراقي، وتوافق دولي وخصوصا أوروبي، تؤدي إلى مؤتمر طائف عراقي يشارك فيه الجميع، ويقدمون له وفيه التنازلات الضرورية لإنجاحه وللوصول إلى صيغة جديدة للنظام تشارك فيها جميع فئات الشعب العراقي، بحيث تتكرس هذه المشاركة ميثاقيا ودستوريا بكيفية تمنع أحدا بعينه أن ينفرد أو أن يستحوذ على كل شيء، ولا تستثير مخاوف أحد في محيط العراق لجهة وحدته أو لونه أو هويته في المستقبل.

إن روح الطائف اللبناني، بالإضافة إلى إنهاء الحرب الأهلية، هي المشاركة، وهي أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه كما نصت عليه مقدمة دستور 1990 وكما ورد في وثيقة المجلس الشيعي العام 1977، وبالتالي يجب أن تكون فكرة مؤتمر طائف عراقي مجبولة بهذه الروح، إن العراق هو وطن نهائي لجميع أبنائه، لا مشروع انفصال عنه أو تقسيم له، وهو ليس لأحد دون آخر أو للبعض دون غيرهم، كما انه لا مفاضلة بين العراقيين في الوطنية وفي المشاركة وفي تحمل المسئولية، وبالتالي في استعادة دور العراق وصنع مستقبله.

إن أوجه التشابه بين أزمة العراق وأزمة لبنان الماضية كثيرة، واحدة منها التنوع الطائفي - المذهبي؛ ويمكن عمليا وواقعيا الاستفادة من التجربة اللبنانية من حيث مستلزمات وآليات الوصول إلى مؤتمر الطائف أولا ومن ثم عناصر وحيثيات صوغ اتفاق يشترك فيه الجميع ملائم للعراق ونابع من حقائقه ومن تجربته الخاصة.

إن من الضرورات أن يكون السعي الأساس لإيجاد الحل عربيا، انه ينزع فتائل توترات كثيرة، وربما انفجارات كثيرة قد تنتج عن تدخل أجنبي سيثير حفيظة كثيرين، دولا وشعوبا.

إن دعما أوروبيا وفرنسيا - ألمانيا تحديدا لمسعى الحل العربي المنشود هو على جانب كبير من الأهمية لحاجتنا إلى حضور أوروبي فاعل وقوي يوازن قدر الإمكان طغيان الحضور الأميركي واحتكاره لكل المبادرات السياسية لحل أزمات المنطقة، وهو شريك في صنعها، هذه المبادرات التي لاتزال دائما تطرح علينا إما بصيغة الإرغام وإما بصيغ متعارضة مع مصالحنا وتطلعاتنا.

إن فكرة مؤتمر طائف عراقي التي طرحها الإمام شمس الدين منذ سنتين لم تكن وليدة لحظة راهنة ضاغطة، كما مشروع الحرب المعلن الآن، بل هي مدخل لحل حقيقي ونهائي لأزمة العراق وشعبه، وهي فكرة تستحق أن تدرس بهدوء من الجهات العراقية وخصوصا المعارضة، ومن الدول المعنية أيضا

العدد 169 - الجمعة 21 فبراير 2003م الموافق 19 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً