الحرب التي تحضر لها الولايات المتحدة الأميركية ضد العراق، ستفتح خندقا جديدا في ساحة السياسة الدولية، وستعيد ترتيب الأوراق في منطقة مهمة من العالم تنتج كميات غزيرة من النفط. هذه الحرب ستنبت ظفرا جديدا لشرطي العالم الذي يحب أن يجرب ويخوض المغامرات في الغابات والصحارى على طريقة الأفلام الأميركية ومغامرات (رامبو).
واذا كانت نتائج الحرب بالنظر إلى ميزان القوى العسكرية يتجه إلى غلبة ونصرة أميركية ساحقة، فإن نتائج ما بعد الحرب وتأثيراتها السلبية في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية على الدول المحيطة بالعراق، ودول العالم كافة، هي التي تدفع الباحثين والمهتمين إلى تقصيها ومعرفتها، ومحاولة رصد التأثيرات التي قد تضر بالاقتصاد العالمي، وحجم وقوى الدول الأخرى التي تسير في فلك الصعود ومجابهة العولمة الأميركية.
الاحتمالات كثيرة في هذا السياق، وتوجد هنا عدة سيناريوهات إذا ما كانت أميركا ستطيل من احتلالها للعراق، أم ستسلم السلطة مباشرة إلى حكم مدني، مع احتمال مواجهة مقاومة داخلية قد تستمر شهورا أو سنوات. ويقدر معظم الخبراء الكلفة المبدئية لحرب قصيرة على العراق بما يترواح بين خمسين ومئة مليار دولار أميركي، ويقولون إن مبلغا كهذا يمكن للولايات المتحدة تدبيره من دون مواجهة مشكلة اقتصادية كبيرة. أما الفاتورة الأكبر فتتمثل في إعادة بناء العراق بعد الحرب، ويتوقع أن تكلف الولايات المتحدة وحلفاءها ما يصل إلى 75 مليار دولار على مدى ست سنوات بحسب دراسة أعدها البروفيسور ويليام وورداوس من جامعة ييل الأميركية.
هذه الأرقام الكبيرة المخيفة، تهون اذا قمنا بتقدير الخسائر المعنوية وتأثيرات الحرب الأخرى التي ستنتج بعد ذلك. فالاخلال الذي سيلحق بأسعار النفط، زيادة (أثناء الحرب)، وهبوطا (بعد الحرب) كما يتوقع الخبراء، سيخل بالتركيبة الاقتصادية، والقوى المسيطرة في السوق، وسيؤثر ذلك سلبا على الدول النفطية التي تعتمد نسبة كبيرة من ايراداتها على النفط، ولابد أن تجد خيارا اقتصاديا آخر ينقذها من هذه الورطة. لا شك في أن احتلال العراق ومصادرة ثرواته الطبيعية ومن بينها النفط والغاز، سينعكس على أداء السوق العالمية، ويزيد من هيمنة المنتج الأميركي، إذ يعتبر العراق ثالث أعلى دولة منتجة للنفط بجانب روسيا والنرويج.
آثار ما بعد الحرب ليست اقتصادية فقط، بل تأثيراتها الثقافية أشد عنفا وسلبا على البنى التحتية للدول المجاورة. ماذا يعني أن تنتقل أميركا إلى قعر دارنا؟ إنه استيطان مادي، وعواقبه وخيمة، ويجر إلى أكبر من ذلك. صحيح أن الأفراد لا يتأثرون بالمؤثرات البيئية المحيطة إلا في حال وجود استعداد وقابلية، وأن ثقافتنا العربية والاسلامية مصونة اذا كانت القواعد المبتنى عليها قوية، ولكن ذلك لا يعني عدم حدوث تغير في الاتجاهات الثقافية والعقائدية، وحفظ التراث. فبينما كانت أميركا تغازلنا في السابق بتأثيرات العولمة التي تقودها، والتبضع بمنتجاتها، وشراء وجبات الماكدونالدز السريعة، هي اليوم ستصنع هذه المنتوجات في أوطاننا، وستزاحمنا الأفكار الأميركية في السوق والشارع والبيت. واذا كان المصنع الأميركي يبعد عنا ألف ميل، فهو اليوم يبعد خطوة واحدة. والبعد الثقافي هنا ليس مقصورا على اتجاهات اقتصادية فقط، بل يتعدى ويشمل نمط الحياة للافراد وكيفية تلقيهم عناصر جديدة.
وسؤال (ماذا بعد الحرب؟) سؤال معقد، وستمتد تـأثيراته لسنوات كثيرة. ستقوم أميركا بتجربة أسلحة جديدة فتاكة، بعضها جربته في أفغانستان، وبعضها الآخر يستعد الرئيس العراقي صدام حسين الآن لتلقيه. ولا أحد يعلم حجم الأضرار البيئية التي ستحدثها عاصفة غبار الحرب التي ستنقل ذرات مواد الصواريخ والقنابل الكيماوية، وتتسبب في احداث أمراض وأوبئة صحية وتشويهات جينية للأجيال القادمة.
ومن ناحية سياسية، ستبني أميركا قاعدة عريضة طويلة في العراق، وستتواجه وجها لوجه مع دول مشرقية ومغربية، ولانعلم اذا ما كانت ستفرز حروب اخرى جديدة في المنطقة
العدد 168 - الخميس 20 فبراير 2003م الموافق 18 ذي الحجة 1423هـ