يرى خبراء في واشنطن أن جذور سياسة ادارة الرئيس جورج بوش إزاء العراق يمكن تتبعها في الاستراتيجيات التي شكلتها مجموعة صغيرة من فترة الحرب الباردة في مطلع التسعينات من القرن الماضي عقب انهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي في أوروبا الشرقية.
وتمتد هذه الشبكة السرية وعبر البيت الأبيض بادارته الحالية والسابقة، ووزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) ومجلس الأمن القومي ومراكز المعلومات والأبحاث اليمينية المحافظة، ومجالس إدارات الشركات الأميركية الكبرى بما في ذلك شركات الطاقة وتكنولوجيا الحرب المرتبطين بواشنطن. وفعلا فإن كل اللاعبين هم أعضاء في هيئات التخطيط مثل مجلس العلاقات الخارجية وأميركان انتربرايز. وكثير منهم مذنبون مدانون، فخمسة أشخاص كانوا مشاركين مباشرة في عملية إيران-كونترا، وكلهم تبنوا خلال مجرى حياتهم المتشابكة سياسات إمبريالية تتعلق بحروب وقائية وغزو العراق وإيران وتجزئة السعودية ودعم الكيان الصهيوني وتطويق روسيا واحتواء الصين.
وبالنسبة لهذه الشبكة التي تستهدف ملاحقة العراق بهدف تغيير نظامه فإنها تعتمد على بيان التوجيه للتخطيط الدفاعي لعام 1992 الذي أعده وزير الدفاع الأميركي آنذاك ديك تشيني بمشاركة مساعديه بول وولفويتز، ولويس ليبي. وطبقا لما يقوله جو تاغليري من منظمة أصوات في البرية- كان ذلك أول الخطط الرسمية الأميركية للإطاحة بنظام الحكم في العراق في أعقاب انتهاء الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في 1991.
وفي العام 1998 بعث أربعون أميركيا بارزا من المحسوبين على «اليمين المسيحي» المحافظ واليمين الصهيوني و«المحافظين الجدد» برسالة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون شكلت الأساس لقانون تحرير العراق الذي صدر في أكتوبر/تشرين الاول 1998. وتدعو هذه الرسالة إلى تمرد في العراق والاعتراف بالمؤتمر الوطني العراقي المعارض الذي يتشكل من ستة تنظيمات مدعومة من وكالة المخابرات والبنتاغون ووزارة الخارجية، باعتبارها حكومة رسمية للعراق. وكانت تلك الرسالة مرتكزة إلى خطط المعارض العراقي أحمد الجلبي السابقة بشأن انقلاب في العراق.
وموقعو الرسالة آنذاك من الذين يحتلون المواقع القيادية الأولى في حكومة بوش، هم (نائب وزير الدفاع حاليا) بول وولفويتز و(رئيس مجلس سياسة الدفاع حاليا) ريتشارد بيرل و(نائب الرئيس الأميركي حاليا) ريتشارد تشيني و(وزير الدفاع حاليا) دونالد رامسفيلد، و (وكيل وزارة الدفاع للشئون السياسية) دغلاس فيث و (نائب وزير الخارجية حاليا) ريتشارد أرميتاج، و(مدير الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي حاليا ومتهم في فضيحة إيران- كونترا) إليوت أبرامز، و(المبعوث الخاص لأفغانستان والمعارضة العراقية) زالمي خليلزاد. إلى جانب، (رئيس مركز سياسات الأمن وهو صهيوني) فرانك غافني و(من مجلس الأمن القومي) دوان كلاريج، و(وزير دفاع سابق متهم في إيران-كونترا) كاسبار واينبيرغر و(وزير دفاع سابق ورئيس مجموعة كارليل للاستثمارات والشئون الدفاعية) وفرانك كارلوتشي، و(مستشار الأمن السابق للرئيس رونالد ريغان ومتهم في إيران كونترا) روبرت ماكفارن. ومدير وكالة المخابرات المركزية السباق جيمس وولسي.
وحثت الرسالة كلينتون على البدء بـ «تطبيق استراتيجية للإطاحة بنظام حكم الرئيس صدام حسين». مشيرين إلى تشككهم بإمكان احتواء الرئيس العراقي إلى ما لا نهاية حتى ولو بتكرار عمليات التفتيش عن الأسلحة، واحتمال امتلاكه لبرامج تسلح من شأنه أن يؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة. وهم يعتبرون نظرا لتأييدهم لـ «اسرائيل» أن الإطاحة بالرئيس العراقي مفتاحا لتغيير الديناميكية السياسية في المنطقة كلها.
وقبل 5 سنوات حمل غلاف العدد الأول من ديسمبر/ كانون الاول 1998 من مجلة «ذي ويكلي ستاندرد» مانشيتا بخط كبير يحمل توجيها يقول «صدام يجب أن يذهب: كيفية التوجه لذلك» ومقالين كتب أحدهما زالمي خليلزاد، والثاني كتبه وولفويتز.
و«قانون تحرير العراق» الذي روج له في الكونغرس وولسي وكلاريج ونائب مستشار بوش للأمن القومي السابق لشئون مكافحة الإرهاب وين داونينيغ أصدره الكونغرس ووقعه كلينتون والذين تبنوا مشروع القانون هم وولفويتز، تشيني، رامسفيلد، فيث، وولزي، كلاريج، داونينيغ، كارلوتشي، أرميتاج، نيوت والرئيس السابق لمجلس النواب الأميركي غينغريش.
ولدى الإعداد لحملة بوش لانتخابات الرئاسة في العام 1998، تم في اجتماعات كينيبونكبورت في ولاية مين نظمها الرئيس جورج بوش الأب وترأستها كوندوليسا رايس تم اختيار فريق بوش للسياسة الخارجية والأمن القومي ممن أسماهم المعلق الأميركي البارز روبرت نوفاك «آلهة النار» المتشددون وقال: «إذا انتخب بوش رئيسا فإن حكومته ستكون من اليمين مثل حكومة ريغان». ومن بينهم بيرل، وولفويتز. ونجد أن هذه الشبكة هي التي تدفع بوش وسياسة حكومته من داخل البنتاغون ومن خارجه».
وخلال حملة الانتخابات الرئاسية عمل بوش وتشيني على عدم توضيح موقفهما بشكل قاطع، وقبل نحو عام من هجمات 11 سبتمبر/ ايلول دافع تشيني عن قرار حكومة بوش الأب بعدم الزحف على بغداد بدعوى أن الولايات المتحدة يجب ألا تتصرف و«كأننا دولة إمبريالية» والتحرك طوعا أو كرها إلى العواصم في ذلك الجزء من العالم للإطاحة بالحكومات. وركز بوش أثناء حملته أكثر على أخطار انتشار الأسلحة النووية من التركيز على إزاحة الرئيس العراقي. وفي ديسمبر 1999 وأثناء نقاش بين مرشحي الحزب الجمهوري عندما قال إنه سيزيحه إن كان لدى الرئيس العراقي أسلحة دمار شامل، وعندما سئل إن كان قال إنه سيزيحه أجاب بوش «سأزيح أسلحة الدمار الشامل».
ويقوم مجلس سياسة الدفاع الذي يترأسه بيرل بالعمل كهيئة استشارية لوزير الدفاع رامسفيلد لوضع توصيات. ومن بين أعضائه وولسي وغافني وأبرامز ورئيس مجلس السياسات العلمية إليوت كوهين، وهنري كيسنجر ومدير الـ سي آي إيه السابق جيمس شليسنجر وغينغريش.
وتعمل هذه الشبكة في سياستها ضد العراق من خلال عدد من مراكز البحث اليمينية من بينها:
* كلية بول إتش نيتز للدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكينز، التي كان يترأسها وولفويتز، وهي معروفة جيدا بصوغ سياسات ترتكز على العدوانية والمرتبطون بها هم بيرل وولفويتز وولسي وزبيغنيو بريزينسكي وغافني وكوهين وتوماس دونيلي.
* مشروع القرن الأميركي الجديد الذي كان نشر خطة الإطاحة بالرئيس العراقي في سبتمبر 2000 تعتمد على توجيهات وولفويتز وتشيني وليبي للتخطيط الدفاعي لعام 1992. والمرتبطين بهذا المعهد وولفويتز وتشيني ورامسفيلد وغافني وونيلي وأبرامز وجيب بوش (شقيق الرئيس الأميركي).
* مركز سياسة الأمن برئاسة غافني ومعه بيرل وولسي وكان نائب الرئيس فيه دوغلاس فيث. ويتلقى هذا المركز تمويلا من موسكوفيتش المتمول اليهودي الأميركي في فلوريدا الذي مول مشروع الاستيطان في جبل أبو غنيم في القدس المحتلة، ومن شركات الأسلحة الإسرائيلية.
* مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ويشمل مركزا للمعلومات ويعمل فيه خليط من أكثر الأعضاء تطرفا من الصقور الداعين إلى الحرب على العراق وبعض الأشخاص الذين يميلون إلى الدبلوماسية من المسئولين الأميركيين السابقين مثل مستشار بوش الأب للأمن القومي برنت سكوكروفت. وكان يضم تشيني، ويضم أيضا كيسنجر وشبليسنجر وراي لي هنت (شركة هنت النفطية في تكساس).
* المجلس الاستشاري للاستخبارات الخارجية التابع للبيت الأبيض، ورئيسه سكوكروفت ويضم مدير الـ (سي آي إيه) السابق جون دويتش وهو يهودي أميركي موال لـ «إسرائيل»، وهنت.
* معهد أميركان انترابرايز وهو من أبرز مراكز البحث اليمينية المعادية للقضايا العربية ويضم بيرل ومستشار الأمن القومي للرئيس السابق ريغان مايكل ليدين ومدير العمليات السابق في الـ (سي آي إيه) مارك غيريتش.
* المعهد اليهودي لشئون الأمن القومي (جينزا) الذي يتبنى الحرب الشاملة في المنطقة العربية ومن بين أبرز أعضائه ليدين وبيرل وولسي وغافني وأبرامز
* غرفة التجارة الأميركية - الأذربيجانية، ويضم الحلف الذي شكله الناتو من جورجيا وأوكرانيا وأوزباكستان وأذربيجان ومولدافيا في العام 1999 وهو يهيمن على ثروة النفط والغاز في منطقة بحر قزوين. وتقع أذربيجان في مركز الحلف وترتبط مع الولايات المتحدة. وإن غرفتها التجارية أشبه بنموذج التخطيط لما بعد 11 سبتمبر.
* «لجنة تحرير العراق» وهي مجموعة في واشنطن متفرعة عن مشروع القرن الأميركي الجديد وتضم بروس جاكسون وهو (نائب رئيس سابق لشركة لوكهيد مارتن لصناعة الأسلحة)، وراندي سيشنمان (كان مستشارا للرئيس السابق للغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي)، وترينت لوت وبيرل ورايس ونائبها ستيفن هادلي، غافني، داونينيغ والعضو الجمهوري البارز في مجلس الشيوخ جون ماكين والعضو السابق في المجلس بوب كيري، ووزير الخارجية الأميركي السابق جورج شولتز.
ويلاحظ أن ما يجمع معظم الأسماء التي تشكل «لوبي الحرب» على العراق في واشنطن هو أنهم درسوا أو قاموا بالتدريس في كلية بول نيتز للدراسات المتقدمة في جامعة جون هوبكينز
العدد 167 - الأربعاء 19 فبراير 2003م الموافق 17 ذي الحجة 1423هـ