العدد 167 - الأربعاء 19 فبراير 2003م الموافق 17 ذي الحجة 1423هـ

حروب الولايات المتحدة الأميركية أزهقت أرواح مئة مليون إنسان

المفكر الأميركي «وليام بيكر» رئيس جمعية «مسلمون ومسيحيون من أجل السلام»:

هل يمكننا تصنيف الاميركيين جميعا تحت عنوان من يقرعون طبول الحروب الذين يعلنون العالم بستانا لهم؟ وهل يرددون ما يعلنه الرئيس الاميركي «جورج دبليو بوش» من مخططات واستراتيجيات لا ترى في الآخر الا عدوا؟ هل هذا هو الطابع الذي يغلب على المجتمع الاميركي؟ وبسؤال آخر أين لغة العقل والحوار؟ وأين الحكمة التي ترسخت لدى الكثير من المفكرين الاميركيين؟

أسئلة كثيرة يطرحها المرء على نفسه ويعتقد ألا جواب لها، وسرعان ما تتكشف الاجابات وتأتي سريعة، فمن الظلم ان نعتقد ان الاميركيين كلهم يقرعون طبول الحرب، وانهم يدعمون العدوان الاسرائيلي المستمر على شعبنا العربي الفلسطيني. في صفوف الشعب الاميركي من يدعم قضايانا ويدافع عنها، في صفوفه من يقدر ويثمن عاليا الدور الحضاري لأمتنا، ويرى ان الامة العربية مثال يحتذى عبر التاريخ في التعايش والتجاور الحضاري، وهي ايضا صاحبة قضية عادلة، والعدالة تقتضي انصاف الشعب العربي.

في هذا الاطار جاءت محاضرة البرفيسور «وليام بيكر» رئيس جمعية (مسلمون ومسيحيون من أجل السلام) التي ألقاها في رحاب مكتبة الاسد الوطنية بدمشق وحضرها رجال دين مسلمون ومسيحيون... تناول المحاضر «وليام بيكر» مجموعة من نقاط اساسية تركزت في البداية على الواقع السياسي الراهن الذي يعيشه العالم، فالعالم الآن متوتر مضطرب، يعيش ازمات حادة وخانقة، الولايات المتحدة الاميركية تهدد بشن حرب مدمرة على الشعب العربي العراقي، وهذه الحرب ليست جديدة، برأي «وليام بيكر»، بل هي البداية لما سمي (نظاما عالميا جديدا) بشّر به الرئيس «جورج بوش - الاب» وها هو الابن يستكمل الآن الحال، وهذه الحال تحد للمسلمين والمسيحيين الذين يؤمنون بالامن والسلام، فالنظام العالمي الجديد الذي يتحدث عنه الاميركيون، بل الذي يعمل الآن الاميركيون على تنفيذه يستعدى وجود خرائط جديدة في هذه المنطقة من العالم، والخرائط الجديدة ترتسم ملامحها بحسب وجود الطاقة (غاز ونفط).

وما لم يشهد هذا الجزء من العالم، الشرق الاوسط، استقرارا وهدوءا فلن يكون هناك سلام في العالم، ومن هنا كان المدخل للحديث عن مدينة القدس وعروبتها، فالقدس كما اشار المحاضر، هي مدينة الله على الارض، وقد كانت ولاتزال مدينة عربية، وستبقى، ولن تستطيع الصهيونية التي استغلت اليهودية، ان تشوّه او ان تطمس معالم المدينة العربية، ويشير «وليام بيكر» إلى أن كتابه (سرقة أمة) المترجم إلى اللغة العربية قد تناول هذه القضية واشار إلى دور الامة العربية في الثقافة الانسانية.

من هم أعداء اليوم؟!

وتوقف «بيكر» في محاضرته عند فكرة (العدو) التي يخترعها الاميركيون للمحافظة على حال التوتر في العالم، فسابقا كانت (الشيوعية) بحسب ادعاءاتهم، وهنا يبرز السؤال (من هم أعداء اليوم)؟

اعداء اليوم الأميركيين يظهرون في آسيا، في تكتلاتها الاقتصادية ومحاولاتها الانطلاق نحو عالم اكثر رخاء، ومن المفارقات التي يشير اليها «بيكر» ان الاميركيين عقدوا تحالفات مع اعداء الامس، وها هم اليوم يبحثون عن اعداء بدائل، وحال العداء هذه التي يسعى الساسة الاميركيون إلى بقائها كلفت البشرية تاريخا مليئا بالحروب والجرائم، فقد سفك الاميركيون في حروبهم دماء اكثر من (100 مليون) انسان خلال مئة سنة، اي مليون انسان قتلوا سنويا في حروب خاضها الاميركيون او تسببوا في خوضها، وتأسيسا على ذلك فإن القرن الحادي والعشرين سيبقى قرنا لخوض الحروب والمعارك، وطبعا هي حروب ومعارك اميركية، وهذا يعني ان الرقم السابق، رقم القرن العشرين (100 مليون) قتيل سيكون رقما ضئيلا امام ارقام القرن الحادي والعشرين.

وتوقف «وليام بيكر» في محاضرته عند الحروب الصليبية التي كانت نتيجة جهل واطماع تدل على جهل بكل معالم الحضارة، ورأى الباحث ان الذين يزرعون الكراهية ويعيدون الآن في الغرب استخدام افكار تتحدث عن حروب صليبية هم اكثر الناس جهلا بالدين وقيمه، ولا يملكون افقا حضاريا ولا انسانيا، بل انهم لا يعرفون دلالات ومعاني ما يرددونه، وهنا اعلن المحاضر «وليام بيكر» انه يقدم الاعتذار عن الحملات الصليبية ويعتذر عن الاسى والآلام اللذين حدثا نتيجة ذلك، واضاف قائلا ان من يسيئ إلى الاسلام ليس مسيحيا، ومن يسيئ إلى المسيحيين ليس مسلما.

والمسيحيون والمسلمون يشكلون 50 في المئة من سكان العالم، ومن غير المعقول ألا يقفوا ضد ما يجري الاعداد له من مؤامرات ستفجر حروبا ودماء وكوارث، والديانة الحقيقية هي التي تبحث عن العدالة، والعدالة هي جوهر الاسلام والمسيحية، والعدالة برؤية اخرى هي السلام، والسلام لن يكون اذا لم تتحقق العدالة، وعالمنا المعاصر اليوم يشهد انحرافا في العدالة، وهذا يعني ان السلام لن يكون قريب المنال لأن «القدس» التي هي محور الصراع لاتزال تحت الاحتلال.

والعدالة تعني حريتها وتعني عودة الشعب العربي الفلسطيني إلى دياره وتعني ضمان مستقبله، والعدالة تعني ايضا ان يترك هؤلاء المستوطنون الارض التي اغتصبوها وان يعودوا من حيث أتوا.

شاهد عيان على همجية ووحشية العدو

وقدم المحاضر شهادة حيّة على همجية ووحشية العدو الصهيوني، فتحدث عن واقعة جرت امامه، اذ كان صباح احد الايام يمشي في شوارع القدس ورأى تلميذتين فلسطينيتين ترددان اغنية (فلسطين بلدي) فإذا بجنود الاحتلال يتدخلون، ويقدم احدهم على ضرب التلميذة بعقب بندقيته فيسقطها على الارض والدماء تسيل منها، وعندما تدخل «بيكر» لانقاذ الطفلة وضع الجندي بندقيته في عنقه وهدده باطلاق النار ان لم يتحرك من المكان.

ولم تكن هذه واقعة التهديد الوحيدة التي تهدد حياة البرفيسور، بل اشار إلى ان ناشطَين في اللوبي الصهيوني حاولا اغتياله اكثر من مرة وهو يلقي محاضراته في الولايات المتحدة الاميركية، وتلقت اسرته رسائل ملغومة، ولكن ذلك لم يثنه عن قول الحقيقة مهما كانت النتائج، والحقيقة التي يجب ان تصل إلى العالم الغربي مفادها ان الفلسطينيين مظلومون وقد شردتهم آلة القتل والتدمير، ولم يخرجوا من ديارهم بارادتهم كما يحاول الصهاينة ان يصوروا ذلك، والحقيقة ان القدس محتلة، وكذلك الجولان، والعدالة التي تحقق السلام هي ان تعود حقوق العرب وان يعيش ابناؤهم بأمان وسلام، وتوقف ايضا ديماغوجية الاعلام الصهيوني، فعندما تشن قوات الاحتلال هجوما دمويا تتناقله وسائل الاعلام الصهيوني على انه (توغل) اي انه امر عابر لا قيمة له، واشار إلى حصار آلة الدمار التي يقودها الجنرال الجزار «آراييل شارون»، الذي سماه (جزار بيروت).

ودعا المجتمع الدولي للعمل من اجل ازالة المستوطنات الاسرائيلية التي يصر «شارون» وامثاله على ان تكون سرطانا يأكل ما بقي من الارض العربية.

وختم محاضرته بالقول انكم في هذه الارض مثال للتعايض الحضاري، فهنا تعانقت الديانات السماوية، وهنا تبدو الانسانية التي يجب ان نحافظ عليه. ومن اجل السلام في هذه البقعة من العالم هناك من يعمل، والملايين من الاميركيين يعارضون سياسة الولايات المتحدة الاميركية العدوانية، وهم مناصرون حقيقيون لنضالكم العادل، وهذا يستدعي ان نعمل يدا بيد من اجل تحقيق السلام العادل، السلام الذي يعيد الحقوق كاملة غير منقوصة.

هذا هو السلام الذي دعت اليه سورية العربية وقائدها الرئيس بشار الاسد الذي التقيته، انه قائد استراتيجي يتابع المسيرة ويمتلك رؤية شاملة وضعت سورية في مرحلة متقدمة ومتطورة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً