العدد 167 - الأربعاء 19 فبراير 2003م الموافق 17 ذي الحجة 1423هـ

خلدون النقيب يتساءل: هل يستطيع العرب التفكير؟!

من عبدالله العروي في «الايديولوجيا العربية المعاصرة، 1970» إلى خلدون حسن النقيب في كتابه الصادر في بيروت تحت عنوان «آراء في فقه التخلف، دار الساقي، 2002، والهاجس هو نفسه: كيف يمكن تجاوز ثقافة التخلف باتجاه الحداثة الكونية؟ وعلى طول المسافة الممتدة من بداية عقد السبعينات من القرن الماضي إلى بداية الألفية الجديدة، ظل المثقف العربي يهجس بالتخلف ويهاجم التقليد، وفي هذا السياق قام العروي بتوصيف ثقافة المجتمع العربي التقليدي، واصفا إياها بأنها ثقافة مجتمع ميت وانها ثقافة الانشطار الداخلي وثقافة استهلاك وتمتع.

كان هجوم العروي على القيم التقليدية قد لاقى ترحابا في اوساط المثقفين العرب الثوريين، فقد وفر لهم هذا الهجوم غطاء وبرر لهم هجمتهم الشرسة على التراث وكذلك نزعتهم الذاتية والانتقائية في التعامل معه. ولكنه - أي هذا الهجوم - لم يحل بيننا وبين الوقوع في براثن ايديولوجيا الإحباط التي تعشش في أروقة الخطاب العربي المعاصر والتي يشتكي منها محمد عابد الجابري في بحثه عن آفاق المشروع النهضوي العربي، وكذلك محمد جابر الانصاري في نقده للهزيمة ومساءلته إياها، وهذا ما يعترف به خلدون حسن النقيب على استحياء في تقريره عن ثقافة التخلف فهناك إقرار واضح بأن ايديولوجيا الاحباط تحايت الخطاب العربي المعاصر دافعة إياه باستمرار إلى عنق الزجاجة، وإلى الهروب إلى الامام بإيثار الشتيمة بدلا من التفكير، والاستسلام لارادة عدم المعرفة بدلا من الركود إلى إرادة المعرفة.

في كتابه «آراء في فقه التخلف» يعترف خلدون حسن النقيب بأن عمله في نقد ظاهرة التخلف وثقافة التخلف بوجه اخص، يترافق مع شيء من ايديولوجيا الاحباط، ولكنه يعترف بأن ذلك بمثابة نتيجة لظاهرة التخلف التي باتت عصية على الاختراق وكأنها وسما يسم ثقافتنا المعاصرة التي تدين بمرجعيتها لا إلى الحداثة، بل إلى التقليد.

يميز النقيب بين تخلف الثقافة وثقافة التخلف، الاولى يمكن استدراكها من خلال اللحاق بركب الحداثة والثقافة الانسانية إذا ما توافرت لذلك الإرادة والرؤية المستقبلية. أما ثقافة التخلف فهي مراوحة في المكان والزمان وكأننا خارج التاريخ وخارج عصر العولمة. فمع ثقافة التخلف يسود الجهل والاستبداد والقبول بالذل ويغيب العلم والحرية، وهذا ما يفسر من وجهة نظر النقيب هذا العداء للديمقراطية في أوساط ثقافة التخلف والقبول بالاستبداد باعتباره العلامة الفارقة للمجتمعات المنطوية على نفسها. من هنا يمكن القول إن العلامة الفارقة لثقافة التخلف هي تخلف الفكر الذي يظهر على مستويين. الاول: غياب الإرادة السياسية والثاني: انعدام رؤية مستقبلية. يؤكد النقيب ان التخلف ليس ضعفا في جهود التنمية وإنما هو تأخر وارتكاس، وهنا يحلو له وصف التخلف العربي بـ «التخلف الخالص المحض» الذي يكاد أن يكون بمثابة العلامة الفارقة التي تعاني منها الدولة والمجتمع العربيان. هذا التخلف الخالص المحض يظهر عند النقيب وكأنه مصادرة لكل مشروع نهضوي. فما يقلقه هي تلك الخاصية الذاتية للتخلف العربي والتي تتمثل في كونه «ظاهرة متصلة» وهذا ما يفزع في بداية الالفية الجديدة، بحيث نظهر وكأننا - أي العرب - نسير في الاتجاه المعاكس، أي من النهضة إلى الردة.

لا نهضة من دون عقل ناهض، هذا ما يقودنا إليه الجابري والانصاري والنقيب. من هنا نستطيع ان نفسر هذا الهجوم على القيم التقليدية التي تشكل متنا في ثقافة التخلف من قبل النقيب، ونفسر اعتماده على العروي في توصيفه لثقافة المجتمع العربي بأنها ثقافة مجتمع ميت، وثناؤه على جهود التنويريين العرب المعاصرين الذين تحدوا التقليد العربي في عقر داره.

على رغم ثناء النقيب على المثقفين العرب التنويريين فإنه لا يبدو متفائلا ولا مؤمنا بدورهم. فهو يقر بأن «المثقف العربي مثقف قبلي» يمارس قبيلته الفكرية في كل مكان، وأن العرب فقدوا حيويتهم الثقافية وهذا ما يعبر عنه في سؤالين اثنين: هل فقد العرب حيويتهم الثقافية؟ وهل يستطيع العرب التفكير؟

يلحظ القارئ ان السؤال الثاني هو بمثابة مصادرة للسؤال الاول، وأنه - اي الثاني - يغرف من ايديولوجيا الاحباط التي اصابت عند النقيب مقتلا في توصيفه للتخلف الخالص المحض.

لا يترك لنا النقيب ملجأ آمنا نلجأ إليه، فالمثقفون قبليون، وثقافة التخلف تقودنا وتدفعنا إلى ثقافة الذل، وعصر العولمة يتوعدنا كما يرى بمزيد من الانسحاق والعبودية الجديدة فإلى أين المفر. إلى شعارات المجتمع المدني التي يرفعها عدد كبير من المثقفين العرب، فهذه من وجهة نظره ليست إلا وهما إذ لا وجود لمجتمع مدني من وجهة نظره، بل مجتمع أهلي تخترقه ثقافة الذل والتخلف.

وفي رأيي ان النقيب لا يأتي بالجديد في توصيفه لثقافة المجتمع العربي بأنها ثقافة تخلف وأنها ثقافة مجتمع ميت، فهذه التوصيفات على وجاهتها في العقود الماضية من القرن الماضي لم تساعد على انتشالنا من وهدة التخلف، ومن ايديولوجيا الاحباط التي باتت قاسما مشتركا للكثير من الكتابات النخبوية - وفي رأيي ان السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل مازال يكفي اهتداؤنا إلى تخلفنا ليكون بمثابة طوق نجاة لنا؟ إن ما يقلق بحق هو طغيان مبدأ الشتيمة على الكتابات التي تقوم بتوصيف حال المجتمع العربي، وهذا يظل شاهدا على استقالة العقل وغياب الارادة وغياب الحفريات الدقيقة في قيمنا وتراثنا التقليدي والتي من شأنها ان تكشف عن جذور عطالتنا التاريخية أضف إلى ذلك ان النقيب يجعل من القيم التقليدية جرثومة تخلف ابدي تمنع ولوجنا إلى سقف التاريخ أو إلى ممره الضيق بحسب توصيف فوكوياما لممرات سقف التاريخ.

نعم، ان وعي التخلف هو شرط التجاوز، التخلف كما يرى الانصاري في «مساءلة الهزيمة، 2001» وبالتالي الانفتاح على آفاق الحداثة، ولكن النقيب يجعل من التخلف العربي الخالص والمحض جدارا وسورا تتحطم عليه كل ارادة وبذلك يدفعنا باستمرار إلى عنق الزجاجة من دون ان نتمكن من الخروج منها؟





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً