على رغم التقارب الكبير بين الولايات المتحدة وباكستان في هذه الفترة فإن هناك مخاوف من استهداف قوة باكستان النووية بعد الدعاية المحمومة ضد برنامجها النووي. وجاءت تصريحات الرئيس برويز مشرف التي قال فيها: «إن باكستان تعد العدة حتى لا تواجه وضعا شبيها بوضع العراق بعد أن تنتهي الولايات المتحدة منه». مشددا على أن باكستان يجب ألا تنتظر المساعدة من أحد إذا ما واجهت مثل هذا الموقف وأن تعتمد على نفسها وقدراتها الذاتية في مواجهة الموقف لتعكس المخاوف التي دخلت كل بيت في باكستان. وتنتاب المحللين السياسيين فكرة أن «باكستان» ستكون الهدف المقبل للولايات المتحدة، وكان المحللون السياسيون يختلفون على الطريقة التي ستسلكها واشنطن في التعامل مع باكستان بعد أن أثبتت العقوبات الاقتصادية والعسكرية عدم جدواها في حقبة التسعينات عندما لم تبال إسلام آباد بالقلق الأميركي والدولي ومضت في برنامجها النووي مجاراة للهند وفجرت قنبلتها النووية في الثامن من يونيو/ حزيران العام 1998م بعد أسبوعين فقط من التجارب النووية الهندية، ويرى محللون أن سلوك واشنطن مع باكستان سيكون على غرار كوريا الشمالية وخصوصا مع تكرار التسريبات الأميركية بوجود علاقات نووية بين إسلام آباد وبيونغ يانغ، وكما أن الصين واليابان تحولان الآن دون وقوع حرب في محيطهما فإن دورهما سيكون شبيها في الحال الباكستانية لأن الصين تدرك أن انهيار باكستان هو نهاية لدورها الإقليمي وحتى الدولي. إذ تقف باكستان بوابة للصين التي تدعمها بشكل مباشر وغير مباشر ودخلت علاقاتهما مراحل استراتيجية واجتازت اختبارات تاريخية حين أثبت البلدان قدرتهما على الحفاظ على تحالفهما على رغم التقلبات الدولية وانتهاء الحرب الباردة ويعزز هذا الرأي الشعور بأن هدف واشنطن من باكستان هو استخدامها عند الحاجة ثم إهمالها إلى أن تبرز حاجة أخرى والتاريخ يشهد على ذلك في مثل علاقة أميركا بالصين إذ كانت باكستان الجسر الذي أوصل الصين بالغرب وخصوصا الولايات المتحدة التي لم تكن تعترف بالصين ولعبت إسلام آباد دور الوسيط في رحلات هنري كيسنجر المكوكية إلى بكين في بداية السبعينات إلى أن وصلت علاقات الصين بالغرب إلى مرحلة التطبيع الكامل بل الأولوية في الرعاية التجارية مع الولايات المتحدة، كما استفادت أميركا من باكستان في مواجهة الاتحاد السوفياتي في حقبة الحرب الباردة واستخدامها في مواجهات أفغانستان، ثم مرة أخرى للإطاحة بنظام طالبان في أفغانستان أو ما يطلق عليه الحرب على الإرهاب. ولولا تعاون باكستان لما كان للولايات المتحدة أن تسلك طريق الحرب لتحقيق انتصار على طالبان انتقاما لحوادث 11 سبتمبر/ ايلول، وإلى جانب ذلك هناك إدراك بأن باكستان تختلف عن العراق من حيث ان الأخير لا يتمتع بتأييد ومناصرة الدول المحيطة به كما أن العامل السكاني والاقتصادي يلعبان دورا في صالح باكستان إذ ان النفط يعتبر أهم أهداف الحملة على العراق وهو ما لا تمتلكه باكستان.
قسم آخر من المحللين السياسيين، ويكاد يكون الغالب يرى أن المواجهة مع الولايات المتحدة قادمة لا محالة وبدأت إرهاصاتها بأول مواجهة عسكرية بين القوات الأميركية في أفغانستان ودورية من القوات الباكستانية على الحدود نهاية ديسمبر/ كانون الثاني الماضي حين استدعت تدخل الطيران الأميركي لكي يقصف مدرسة دينية داخل الأراضي الباكستانية للمرة الاولى منذ بدء الحملة العسكرية على أفغانستان وبعد أن كانت باكستان قاعدة لوجستية للحرب على أفغانستان بدأت تنقلب المعادلة لتصبح أفغانستان قاعدة لوجستية للقوات الأميركية في الحرب على باكستان، ويربط هؤلاء المحللون تصاعد الموقف مع الولايات المتحدة بالتطورات الداخلية الباكستانية على رأسها الانتخابات التي أوصلت الأحزاب الدينية المؤيدة لطالبان قوة ثالثة في البرلمان وهيمنتها على حكومة إقليم الحدود الشمالي الغربي ومشاركتها القوية في حكومة بلوشستان، وهما الإقليمان المحاذيان لأفغانستان. وعززت هذه الأحزاب من موقفها السياسي في الانتخابات الفرعية عندما تفوقت على الحزب الحاكم في أكثر من دائرة انتخابية ما أثار المخاوف الغربية من أن هذه الأحزاب قد تحقق فوزا كاسحا في الانتخابات المقبلة متى عقدت، وكما أن النفط في الخليج أصبح حلقة ضعف باستهداف الولايات المتحدة والقوى العظمى للمنطقة من أجله فإن السلاح النووي في باكستان أصبح مصدر ضعف لأنه بات مستهدفا بعينه، وإذا كانت القضية الفلسطينية والنوايا الإسرائيلية مصدر عدم الاستقرار في المنطقة العربية فإن القضية الكشميرية والنوايا الهندية التي تختفي وراءها والوصول إلى دول وسط آسيا التي ليست لها إطلالة على البحر والغنية بالثروات مصدر عدم الاستقرار في منطقة جنوب آسيا. أما المبررات التي يمكن اتخاذها ذريعة لتصعيد الموقف، فعلاوة على السلاح النووي فإن مسألة الإرهاب تعتبر مرتعا خصبا لإثارة أي حرب على أي بلد وخصوصا باكستان المتهمة أصلا بدعم طالبان وتمكينها في أفغانستان. وتنامي الأحزاب الأصولية في باكستان يعزز تلك التقارير الغربية بين الحين والآخر بوجود أسامة بن لادن وغيره من قيادات القاعدة داخل الأراضي الباكستانية واعتبار هذه الأراضي معبرا لتجارة المخدرات للغرب. ويذكر ان زراعة المخدرات قفزت بشكل جنوني في أفغانستان بعد الإطاحة بنظام طالبان.
تصريحات الرئيس مشرف المثيرة تزامنت مع نشر تقرير في صحيفة دون (الفجر) الباكستانية باللغة الإنجليزية على الصفحة الأولى عن انتشار السلاح غير المرخص به في باكستان. وقدرت مصادر وزارة الداخلية عدد قطع السلاح المختلفة الأنواع غير المرخص بها بأكثر من 18 مليون قطعة إضافة إلى حوالي مليوني قطعة مرخص بها في إشارة إلى الاستعداد الشعبي للمواجهة على رغم تقليل وزير الداخلية في اليوم التالي من شأن التقرير وانعكاسه سلبا على المجتمع الداخلي بما يفهم منه أن الرسالة التي يحملها خارجية وليست داخلية، ويدلل أصحاب الرأي المتشائم على أن باكستان لن تكون طعما سهلا للأميركان ليس فقط بسبب قوتها الصاروخية والنووية المعلنة ولا بسبب انتشار السلاح فحسب وإنما كذلك الحركات والأحزاب الدينية التي تعتبر رديفا للجيش عند الحاجة في اعتبارها مليشيا خاضت أكثر من تجربة في أفغانستان وكشمير
العدد 166 - الثلثاء 18 فبراير 2003م الموافق 16 ذي الحجة 1423هـ