العدد 166 - الثلثاء 18 فبراير 2003م الموافق 16 ذي الحجة 1423هـ

التعددية والأحادية: مشكلة عالمية ومحلية في آن واحد

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

منذ الثمانينات والثقافة العالمية المنتصرة في مختلف انحاء العالم تدعو إلى القبول بالآخر وتدعو إلى الابتعاد عن الاحادية في القرار السياسي والاقتصادي على المستويات المحلية والاقليمية.

أما على المستوى الدولي فاللاعبون بدأوا يقلون كثيرا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وبروز قوة عالمية واحدة تسيطر على أكبر اقتصاد في العالم. الناتج القومي للولايات المتحدة الاميركية لهذا العام يقدر بقرابة 11 تريليون (11 مليون مليون دولار)، وهذا يفوق بكثير اقتصاد ثاني اكبر اقتصاد (اليابان) الذي يقدر بقرابة 4 تريليون دولار. ولا يوجد اقتصاد بحجم اقتصاد اميركا إلا اقتصاد الاتحاد الاوروبي بصورة مجتمعة (الاتحاد الاوروبي يتكون حاليا من 15 دولة وقريبا سيتوسع).

الحجم الاقتصادي لأوروبا بدأ ينمو أخيرا ما يعتبر تهديدا مستقبليا لأميركا على المستوى الاقتصادي. فالاتحاد الاوروبي قائم على توحيد السياسة الاقتصادية، واضيف خلال السنوات توحيد السياسات الخاصة بالعمل والعمال والمهاجرين والهجرة والجوازات والشرطة وحقوق الانسان وبعض الامور الاخرى المتعلقة بالجوانب الاجتماعية. ولكن الاتحاد الاوروبي مازال غير متوحد بشأن السياسة الخارجية والدفاع، اذ ترفض بريطانيا محاولات فرنسا والمانيا توحيد اوروبا على هذين المستويين، بل ان بريطانيا تعلن مرارا وتكرارا انها تعارض اي توحد لاوروبا على حساب علاقاتها مع الولايات المتحدة أو على حساب الناتو. وعلى هذا الأساس فإن الاتحاد الاوروبي لا يستطيع منافسة اميركا على المستوى السياسي العالمي لانه ليس قوة سياسية واحدة، بينما يستطيع منافسة اميركا على المستوى الاقتصادي العالمي لانه قوة اقتصادية موحدة.

اما اليابان فانه لا يمكن ان ينافس اميركا سياسيا لأنه يركز ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، على الجوانب الاقتصادية فقط. وحتى الجوانب الثقافية اليابانية فإنها لم تظهر على المستوى العالمي إلا حديثا من خلال عدد من مسلسلات وافلام الكارتون التي استهوت اطفال العالم وأحبوها، مثل: (البوكي - مون، ديجي - مون، دراغون بول زي، وغيرها).

وعلى هذا الاساس فإن اميركا تنفرد بأحادية في القرار السياسي (والعسكري) على المستوى الدولي بشكل لم يشهده التاريخ. بل ان انموذج الناتو، الذي من خلاله استطاعت اميركا وحلفاؤها الاوروبيون ردع الاتحاد السوفياتي خلال سنوات الحرب الباردة، لم يعد مناسبا للتوجه الاميركي الذي لا يقبل بمناقشة احد. فأميركا لا تحب اي طرف يناقشها في اية سياسة، ولذلك فإن المانيا وفرنسا وبلجيكا انما هي اتباع «اوروبا القديمة». أما «اوروبا الجديدة» فهي التي تعلن الولاء والموافقة على كل خطوة سياسية وعسكرية تنوي اميركا القيام بها على المستوى العالمي.

هذا التوجه الأحادي على المستوى العالمي يناقض التوجه التعددي على المستويين الاقليمي والمحلي. فالدول المتقاربة بدأت تجتمع في شرق آسيا وفي اوروبا وفي اميركا اللاتينية وحتى في افريقيا أخيرا على اساس مشروعية تعدد المصالح ومسئولية تلك الدول عن الدفاع عن مصالح بعضها بعضا من خلال تجمع «مناطقي».

اما على المستوى المحلي فقد اقترن استقرار البلدان ونموها اقتصاديا بتعددية العمل السياسي والسماح بالحريات وتنشيط قوى المجتمع المدني وعدم قمع الرأي الآخر.

وعليه فإن الولايات المتحدة تتجه في الاتجاه المعاكس لحركة التاريخ، والمظاهرات المليونية التي خرجت ضد قرار الحرب الاميركية على العراق هي من دول غير عربية. بل ان الدول العربية هي آخر من يهتم بما سيحصل لها لأنها أصبحت معدومة القيمة امام المارد الاميركي. إلا ان هذا المارد لا يواجه الدول العربية الضعيفة على كل المستويات، وإنما يواجه ارادة الشعوب في كل مكان. والنصر لارادة الشعوب، بإذن الله

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 166 - الثلثاء 18 فبراير 2003م الموافق 16 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً