كيف يمكن قراءة المشهد العربي عشيّة استعداد الولايات المتحدة لخوض حربها الخاصة والمحتملة على العراق؟ انه اكثر من مشهد.
هناك فريق مقاطع لا يعنيه ما يجري على الساحة الدولية ويعتبر نفسه خارج السياق العام فهو موجود ضمن الجامعة الا أن حضوره او غيابه لا يضيف ولا ينقص من المشهد العام الشيء الكثير.
هناك فريق نصف مقاطع يحضر اللقاءات والاجتماعات من باب الواجب الأدبي الا أنه يعتبر نفسه مجرد رقم اضافي، فحضوره او عدم حضوره مسألة شكلية لا يزيد من اهمية المجموع ولا ينقص.
هناك فريق نصف حاضر يستمع إلى الخطاب والمناقشات ولا يدلي برأيه، فهو مع اي قرار او بيان يوقّع ولا يلتزم، ويجد في نفسه مجرد اضافة اسمية لا فعلية وليس مهما اذا نفذ المطلوب او خالف الاجماع.
بقي الفريق الرابع وهو الحاضر الدائم والفاعل في تقرير اتجاهات الموقف العربي سلبا ام ايجابا. ويرى الفريق المذكور ان المسئوليات الواقعة عليه أكبر من قدرته على حملها او تلبية شروطها. فالقرارات على ضعفها لا يقوى على تنفيذها او تحقيق بعض بنودها.
الفريق الرابع وهو الثقل الرئيسي في المجموعة العربية بات في وضع لا يحسد عليه يرى في المهمات مجرد أعباء. يتمنى لو استطاع الاستغناء عن بعضها والاكتفاء بالحدود الدنيا منها حتى يستمر في تحمل المسئوليات الواقعة على عاتقه.
إجمالا تأخرت الدول العربية في الرد على الاسئلة والاستجابة للتحديات المرفوعة ضدها او المطلوبة منها. فالدول العربية تربطها «جامعة» الا ان تلك الجامعة خاضعة لمجموعة مصالح لم تعد موحدة في مصيرها واهدافها. فالدول المغاربية تمر في حال من العزلة العربية وكل دولة تبحث عن حلول خاصة لمشاكلها وتعيش في ظروف انقسامية أهلية وحدودية وخلافات طارئة مع صراع النفوذ بين فرنسا والولايات المتحدة. القذافي يغني على «ليلاه». السودان قلق على هويته الممزقة بين الافريقية والعربية والاسلامية ودولته غير قادرة على ضبط حدوده الجغرافية الممتدة إلى قلب افريقيا (أكبر دولة في القارة) التي تتقاذفها المشاكل ويمكن حصرها وعدها ومن الصعب حلها في تسويات ومساومات.
مصر لم تعد كما كانت. فقدت القاهرة قابلية القيادة والكلفة المضافة التي ينبغي ان تدفعها لقيادة القاطرة العربية والتحكم في مسارها. فمصر لم تعد وحدها في المقدمة الا أنها باتت في وضع يمنعها من التوفيق بين التعارضات وجمعها في سياق مشترك يعطيها زمام المبادرة. اختلف وضع مصر الا ان الرهان العربي على دورها ومكانتها وقيادتها لم يتغير. وهي تريد القيادة الا أنها غير قادرة على تلبية شروطها وكلفتها في مرحلة شهدت المنطقة منذ السبعينات صعود تكتلات عربية اقليمية لا تقل في موقعها اهمية عن وزن أرض الكنانة.
دول بلاد الشام في حال لا تحسد عليه. فقد كتب على هذه المنطقة العربية القتال والصمود إلى ما لا نهاية. قدر هذه المنطقة التاريخي انها ضحية موقعها الجغرافي الحساس من فلسطين إلى الفرات وعليها ان تكافح من اجل الاستقرار في وقت تحتاج إلى لقمة العيش. والعيش يتطلب التغذية المستمرة والدعم البشري لوقف النزف والتفكك.
دول الخليج العربية منذ الثمانينات تمر في فترة انقلاب الاولويات فلم تعد القضايا المشتركة هي بالضرورة مشتركة وتتمتع بالأفضلية نفسها التي كانت قائمة في الستينات والسبعينات. فوجود العراق (نصف مشرقي - نصف خليجي) في نظامه الحالي دفع المنطقة الى حقل ألغام من المشاكل والمسئوليات والتحديات في فترة لم تكن دول الخليج مستعدة لمواجهة كل هذه الاعباء والاثقال.
المشهد العربي يمر في لحظات انقلاب نظام الاولويات وتراتب القضايا الذي وحد سابقا الدول العربية في جامعة لا دور لها سوى الاستماع إلى الهموم وتكرار الفشل في القدرة على معالجتها. هذا المشهد بدأ يتغير. حتى الوحدة الشكلية التي كانت تجمع العرب تحت لافتة «الجامعة» تراجعت الى اقل من جامعة في وقت تضخمت المشاكل والمسئوليات واخذت تضغط باتجاه رفع العلاقات العربية من جامعة الى وحدة. انه مشهد تراجيدي.
ففي وقت تكبر فيه الاهداف تتراجع الروابط. وفي فترة تتطلب من الدول العربية أن تكون قوية وواثقة من نفسها وامكاناتها وقدراتها تتجه العواصم إلى استضعاف نفسها والاستكانة إلى قوى غيرها لا قواها... تاركة شئونها للقوى الكبرى التي تتنافس على النفوذ وتوزيع الحصص.
هذا المشهد العربي الممزق التقى الأحد الماضي في القاهرة على مستوى وزراء الخارجية للجواب عن تحديات فظيعة وللرد على سؤال: ماذا نفعل؟
الجواب ليس بحاجة إلى مخيلة وتفصيل
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 165 - الإثنين 17 فبراير 2003م الموافق 15 ذي الحجة 1423هـ