العدد 165 - الإثنين 17 فبراير 2003م الموافق 15 ذي الحجة 1423هـ

الديمقراطية بحاجة إلى محفزات وليس شعارات

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الشعارات الجميلة عن الديمقراطية وحقوق الانسان والبحرنة والنمو الاقتصادي وتشجيع هذا النمط من السياحة على غيره من الأنماط الاخرى، وغيرها من التصريحات التي تنطلق على ألسنة المسئولين وغير المسئولين، لها أثرها النفسي الجميل، اذ انها تبشر بالخير الذي يأمل الجميع فيه. ولكن تكرار الشعارات من دون وجود مؤشرات ومحفزات تدفع باتجاه تلك الشعارات قد يؤدي إلى إحباط المواطنين.

الشعارات الجميلة التي أطلقتها كثير من الدول الاشتراكية (قبل انقلاب أكثريتها على نظمها الشمولية خلال التسعينات) ربما كانت افضل ما جاءت به عقلية الانسان، ولكن لأنها كانت مجرد شعارات لم يكن يصدقها المواطن الذي مل منها وأصبح ينفر حتى من سماعها. فبعض بلدان أوروبا الشرقية التي كانت تتحدث عن الاكتفاء الذاتي وكرامة المواطن كان شبابها يلاحقون أي شخص أجنبي يزور بلادهم وهو يرتدي ملابس مصنوعة في غير بلدهم طالبين الحصول عليها ... هكذا كان الأمر على ارض الواقع. بينما من كان يفتح التلفاز ويقرأ الصحف لا يرى إلا صورة الزعيم الوحيد الأوحد الذي يؤكد لشعبه ان كل شيء على ما يرام وأن نظامه افضل نظام ديمقراطي وتنموي عرفته البشرية. وهكذا هي كثير من البلدان المحكومة بالحديد والنار أو المحكومة بالنظم الشمولية، اذ يغرق المواطن في بحر من الشعارات التي لا معنى لها ولا يفهمها حتى من يطلقها في الراديو والتلفزيون. والشعار النظري الذي لا يحمل دلالة واضحة على الارض ينتج فراغا في النفس، وهذا الفراغ ينتج إحباطا، والإحباط ينتج تسيبا، والتسيب ينتج فسادا وظلما على مختلف الاصعدة.

ومنذ بدء الانفتاح السياسي سمع الشعب الكثير من التصريحات والشعارات، تحقق عدد منها، وهو ما يتعلق باحترام حقوق المواطن وعدم اعتقاله والسماح له بالتنظيم السلمي وحرية التعبير. لكن هناك «محبطات»، ربما حصلت بسبب عدم الخبرة في مجال السياسة والإدارة عبر الوسائل الديمقراطية... فما حدث في شارع المعارض كان سيئا ومدانا لأن التخريب والاعتداء على الغير ليس من أخلاق البحرين. ولكن رد فعل الاجهزة الامنية وردود فعل البعض، الذين اطلقوا الاتهامات من كل حدب وصوب، ذكّر الجميع بأيام قانون أمن الدولة عندما كانت الاجهزة الأمنية تنشر الاسماء والصور وتتهم الناس كما شاءت. وهكذا تكرر الأمر ذاته عندما نشرت السلطات الأمنية في البلاد صور وأسماء من اطلق عليهم «الخلية» قبل عدة ايام وهذا مخالف لكل مواثيق حقوق الانسان.

ماذا لو أسفرت المحاكمة عن ان احد هؤلاء أو ان جميعهم أبرياء؟ ماذا ستفعل السلطات الأمنية التي شهرت بأسمائهم؟ وهل سترجع إليهم كل ما فقدوه من سمعة وأمن؟ وهل ستتدخل لدى الاميركان (ولا أحد يستطيع التدخل لدى الاميركان على اية حال) لثنيهم عن التعرض لأمن هؤلاء المواطنين؟ ألا يكفي ان لدينا شبابا في «غوانتنامو» أفقدتهم الولايات المتحدة الاميركية كل حقوقهم الانسانية؟

الديمقراطية والتنمية وأي شيء في هذه الدنيا يجب ان يكون محوره «الانسان» ولا يجوز التضحية بكرامة اي شخص تحت اي عذر من الأعذار. وحتى المذنب، فإن بني البشر اختلفوا عن غيرهم من المخلوقات في انهم يلتزمون بـ «قانون» يحدد الطريقة الفضلى للتعامل مع المشكلات من دون الاخلال بحقوق «المذنب». ورسولنا الكريم (ص) علمنا كيف نتعامل مع الاسرى (الاعداء في الحرب) قبل ان تصدر وثيقة جنيف للتعامل مع الاسرى بأربعة عشر قرنا، وعلمنا الاسلام كيف نتعامل مع الآخرين قبل الاعلان العالمي لحقوق الانسان. فالإمام علي يقول: «اياكم والمثلة (التعذيب والاهانة) ولو بالكلب العقور». فإذا كان الاسلام يحرم تعذيب حتى الكلب فلماذا نحن المسلمين لا نعرف كيف نتعامل مع بعضنا بعضا إلا من خلال الاهانة والاساليب غير الحضارية؟ لماذا نجعل انفسنا مضرب مثلٍ لدى الاخرين في طريقة اهانة بعضنا الآخر؟

ان حقوق الانسان قضايا جوهرية وهي غير قابلة للمساومة وغير قابلة للنقاش. وهذه الحقوق وافقت عليها دول العالم في «الاعلان العالمي لحقوق الانسان». وهذا الاعلان - على رغم ما اعتقده البعض - ليس حصيلة إرادة الحكومات، ذلك لأن ما أرادته الحكومات مدون في «ميثاق الامم المتحدة» الصادر في 1945، لكن وبعد اصدار ذلك الميثاق التفت الكثير من الانسانيين إلى أن ذلك الميثاق اهتم فقط بحقوق «الدولة» العضو في الامم المتحدة، واعلن انه لا يجوز التدخل في شئون الدول الاخرى، ما يعني ان حكومات تلك الدول بإمكانها اضطهاد مواطنيها او من يعيشون على اراضيها. ولذلك، كإجراء تصحيحي صدر «الاعلان العالمي لحقوق الانسان» للتحدث عن حقوق «المواطن» داخل تلك «الدولة» التي لها سيادتها الكاملة على أراضيها.

ولعل اسخف تصريح هو ما قاله أحد المسئولين العرب عندما سُئل عن معاملة السجناء في بلاده: «إن الولايات المتحدة لا تحترم حقوق الانسان في غوانتنامو، فلماذا تطالبوننا بذلك؟». فمن قال إن الولايات المتحدة هي التي تدافع عن راية حقوق الانسان خارج اراضيها؟ بل على العكس فإن الغالبية العظمى للأنظمة التي اضطهدت شعوبها وحرمتها من حقوقها الانسانية انما هي من الدول «الصديقة» للولايات المتحدة...

ولذلك فإننا لكي نحمي التجربة الديمقراطية البحرينية من «فراغ الشعارات»، يجب علينا ان نسارع إلى تصليح الخلل الذي حدث مرتين هذا العام من انتهاك لحقوق الانسان، وهذا يتطلب الاعتراف بالخطأ الذي حصل، فـ «الاعتراف بالذنب فضيلة»

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 165 - الإثنين 17 فبراير 2003م الموافق 15 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً