العدد 2235 - السبت 18 أكتوبر 2008م الموافق 17 شوال 1429هـ

كل من يّه ونير... وما ظَل في الوادي شيَر! (1-2)

مريم الشروقي maryam.alsherooqi [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

أصبح تقديم المشورة الأسرية والاجتماعية هذه الأيام مثل فتح صنبور المياه، اذ ما ان تفتح احدى المجلات المجانية، حتى تقرأ اعلان تقديم المشورة عن طريق الهاتف لأم فلان وأبو علاّن، وما ان تقرأ بعض الأوراق التعريفية بمؤسسة ما تقدمّ خدمات استشارية، حتى تدخل مهنة تقديم المشورة على رأسها.

ومن هذا المنطلق قمنا بالاتصال ببعض أصحاب هذه الاعلانات، للتأكد من الحرفنة والمهنية في تقديم المشورة للأسر البحرينية، ولكن وجدنا أنّ كل الذين اتصلنا بهم عن طريق الاعلانات، أناس يعانون أصلا من مشكلات في التواصل والتعامل مع الطرف المتصل والاصغاء الجيد له، وانهم ليسوا على علم بخطورة ما يقومون به في توجيه الناس.

من جانبٍ آخر وجدنا أنَّ مكاتب الاستشارات تكاد تخلو من وجود الشخص المناسب لتقديم المشورة الأسرية، كما انها تستخدم أساليب خاطئة في علاج المشكلات الاجتماعية التي تطرأ على حياة الفرد وأسرته، وهذا كله بسبب التخبط وسيطرة المادة على ايجاد الشخص المناسب في علاج التصدّع الأسري، اذ ان الاشخاص الذين يعلنون في المجلات المجانية للعامة يلاقون اقبالا قويا، وذلك لسهولة التحدّث وغموض الشخصية المتحدّثة، فلا أحد يعرف أحدا وبالتالي تسقط الحواجز ويتم التحدّث في خطوط حمراء، يجب ألا يتحدّث بها الا متخصصون يعالجون ويبنون.

واليكم احدى الاخوات التي اتصلنا بها لحل مشكلة اختلقناها، لنعرف مدى قدرتها على حل المشكلة واحتواء الموضوع، وللأسف كانت توقعاتنا في محلّها، بفشل الأخت في حل المشكلة عن طريق القنوات الصحيحة لذلك:

في بداية المكالمة طلبنا منها اعطاءنا معلومات عن دراستها في هذا الحقل، فقالت بأنّ الله وهبها موهبة حل مشكلات الناس، فطلبنا منها اسمها فقالت إنّها تصر على أن تكون غامضة وأن نكون غامضين - أي لا نعرف بعضنا بعضا -، ثم استعجلتنا لمعرفة المشكلة، فبدأنا سرد المشكلة «الوهمية « عن ابنتنا المراهقة، وتعمّدنا اعطاءها مشكلة مبهمة ومعقّدة لحلّها والظهور بنتائج منها، فقلنا الآتي:

ان ابنتي ذات 14 ربيعا تستخدم موس الحلاقة لتقطّع فيه جسدها حتى يدمي، وعندما صرخنا عليها أنا ووالدها قالت إن الكل يقوم بذلك... الخ. وأخذ منا سرد القصة الخيالية مدى لا تقل عن الساعة بين أخذ ورد، أي سؤال وجواب.

أتعلمون يا اخوتي ما كان أوّل سؤال سألته الأخت؟ هل تراكِ ابنتكِ وانتِ في الغرفة مع زوجك في وضع حميمي؟! واسئلة كثيرة وغريبة ومقززة يقشعرّ لها البدن من طريقة السؤال!

ان هذا السؤال في حد ذاته بيّن المأساة التي تعيشها الأخت مع موهبتها، اذ انها لا تعرف فن طرح الأسئلة، وربطها بالمشكلة الرئيسية للاتصال بها، وبرهنت أن خراب البيوت البحرينية سيكون على يدها.

أختٌ ثانية وصفها لنا أحد الإخوة المتردّدين على مكاتب الاستشارات، وأخذنا رقمها وكلّمناها للاجتماع بها، فقالت انّها في «قعدة بنات»، ولكننا نستطيع التحدّث عن المشكلة، وكنا نذكر المشكلة ما يقارب 4 أو 5 مرات لصعوبة سماعها صوتنا في «قعدة البنات»، وبعد انتهائنا من عرض المشكلة تفاجأنا بأنّ أم الخير تحل المشاكل بما يسمى «الرقية الشرعية»، اذ أخبرتنا أنها يجب أن تقرأ على ابنتنا الوهمية لدخول الجان فيها، وقد أخبرها قرينها بوجوب رؤيتنا في أسرع وقت ممكن... الخ. والحقيقة اننا لسنا ضد «الرقية الشرعية» بل أوّل من يُطالب بها، ولكننا ضد من يستغل «الرقية الشرعية» في الوصول الى المال بطريقة سهلة، أو استخدامها في أمور خاطئة.

أما ذلك الشاب العجيب الذي اتصلنا به لنخبره المشكلة التي نواجهها، أخذ قرابة الساعة يتكلم عن نفسه وانجازاته وعن مشكلات الناس الذين يتصلون به، وضاع الوقت ونحن لم نعرف الى الآن من هو وما شهاداته في تقديم المشورة، ولا خبراته في علاج المشكلات الاجتماعية والاسرية.

وبعد تناقل الاتصالات بين الاعلانات الموجودة في المجلات المجانية، وبين مكاتب الاستشارات الوهمية بصورة رسمية - وهذه المكاتب لها مقالات أخرى -، تبيّن لنا أن عنصر المادة التي يطلبونها مقابل التحدّث في الهاتف أو الذهاب الى المكتب، هو الذي يسيطر على جميع أطراف مقدّمي المشورة، ويا ليتها كانت على الأقل بالمهنيّة المرجوة في علاج المشكلات!

ان فن تقديم المشورة من الفنون الجميلة التي تحتاج الى عنصري الدراسة والخبرة، اذ لا يمكننا أن نعتمد على الموهبة والحدس فقط، وانما نحتاج الى عملية حسابية وحرفنة لعلاج التصدع الأسري وغيره من المشكلات الاجتماعية.

ويحضرنا في ذلك أن يكون مقدّم المشورة مُنهيا برنامج البكالوريس على الأقل، ومتدربا تدريبا متقنا للتصرف في المواقف، وأن يكون ذا خبرة حتى يستطيع مساعدة الآخرين: (دراسة + تدريب + عمل + خبرة = مقدّم مشورة مهني).

فتقديم المشورة يختلف اختلافا تاما عن تقديم النصح، فالأول عميق وأكاديمي وله خطة متكاملة تُناقَش في بعض الأحيان مع من هم أكثر خبرة منه في هذا المجال، ويبدأ بالدراسة والتشخيص والعلاج، أما النصح فإنه لا يمتد طويلا وفي بعض الأحيان ينتهي عند فض اللقاء، ولا يكون النصح متبوعا بخطة علاج متقنة لحل المشكلات، وانما رأي الطرف الناصح من موقف معين يمر به الطرف المنصوح. وكذلك فإن تقديم المشورة متشعّب ويقوم على أسس علمية، تبدأ بمبادئ بسيطة ورئيسية، أوّلها العلاقة المهنية والسرّية والتقبّل والانصات التام والتعاطف مع المشكلة لا المشاركة فيها، وتتبعها فنون كفن الأسئلة ولحظات الصمت في بعض المواقف، والمقابلات وتحديد الهدف، وغيرها من الفنون التي يجب أن تؤخذ في الحسبان.

«وانتبهوا يا اخوان»... إذا «كل من يّه ونير... لن يظل في الوادي شيَر»! وللحديث بقيّة..

إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"

العدد 2235 - السبت 18 أكتوبر 2008م الموافق 17 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً