العدد 164 - الأحد 16 فبراير 2003م الموافق 14 ذي الحجة 1423هـ

من «قطوع» التقرير إلى معركة القرار

فكتور شلهوب comments [at] alwasatnews.com

مرَّ قطوع تقرير التفتيش بسلام. خلافا للتوجسات جاء مخيبا لآمال ادارة بوش. وربما فاجأها وزاد من غضبها على المتمردين من حلفائها. وبذلك تمكنت الأمم المتحدة بفريق تفتيشها وبمجلس امنها، من الصمود بوجه الضغوط والتهديدات الاميركية، ومن تفويت فرصة اخرى كانت واشنطن تتطلع إليها لتوظيفها بهدف توفير الغطاء المطلوب او حتى الهش لحربها المرتقبة ضد العراق.

مع ذلك مازالت ادارة بوش عازمة على توجيه ضربتها العسكرية، التي حشدت لها. وكل الدلائل تشير إلى انها عائدة، بعد ايام قليلة إلى مجلس الأمن، في محاولة لاستصدار قرار جديد يعطيها الضوء الأخضر، او على الاقل يكون من الصنف الضبابي الذي يمكن استخدامه مطية لهذا الغرض. ومن المتوقع ان تلجأ، خلال هذه الجولة، إلى توظيف كل ما من تملكه اوراق ضغط وترغيب وترهيب للحصول على مرادها.

وهنا تكمن المعركة المقبلة وضرورة حشد كل الامكانات والدعم لجبهة الرفض داخل المجلس، من اجل احباط هذا المسعى الاميركي. وما يدعو إلى التفاؤل ان المعترضين فيه - فرنسا والمانيا والى حد بعيد روسيا والصين - بلغوا على الارجح، نقطة اللارجوع في مجابهتهم لموقف الادارة الاميركية.

قد لا يؤدي منع صدور قرار إلى منع وقوع الحرب. فواشنطن ربما تثار، في آخر المطاف، فتلجأ إلى سحب مشروع قرارها من امام المجلس، اذا رأت انه من المتعذر تمريره. ومن ثم تعود إلى الاستنجاد المتعسف بالقرار 1441 لتزعم بأنه يخولها استخدام القوة، وبالتالي تمضي إلى الحرب على اساسه. لكن مع ذلك يبقى حرمانها من قرار جديد، من الاهمية بمكان بحيث يعطل عليها امتلاك اجازة مرور تتغطى بها، وبالتالي يتركها في حال ارتكاب عدوان مفضوح، لا يستند إلى قرار ولا إلى مسوغ ولا إلى رأي عام. وهذا اضعف الايمان.

كانت واشنطن تنتظر ان يأتيها كل من بليكس والبرادعي او على الاقل احدهما، بما يعزز مزاعمها عن اسلحة العراق وعدم تعاونه مع التفتيش بحسب المطلوب، او عن خرقه القرار 1441 بصورة من الصور. فهي جاهزة للحرب وتبحث فقط عن المدخل الذي يحجب ذرائعها المفتعلة والمضخمة.

لكن الرياح لم تجر كما اشتهت سفن ادارة بوش وصقورها.

البرادعي قال بصراحة لا لبس فيها إن المراقبين لم يعثروا حتى الآن على اي دليل يشير إلى ان العراق قام بأنشطة نووية او لها علاقة بالسلاح النووي.

بليكس اوضح هو الآخر بأن استئناف عمليات التفتيش «يساهم فعلا» في كشف ما اذا كان العراق قام بأي عمل في برامج تسليحه بعد رحيل المفتشين اواخر 1998. كذلك شكك رئيس انموفيك في الخلاصة التي طلعت بها واشنطن للصور الملتقطة بالاقمار الصناعية، التي كان الوزير باول عرضها امام مجلس الأمن يوم 5 فبراير/ شباط الجاري. كما اشار إلى تحقيق تقدم في تعاون بغداد ازاء امور تتعلق بالجوهر، مثل مقابلة العلماء العراقيين من دون رقابة، ومثل الموافقة على استخدام طائرات (يو - 2) التجسسية. صحيح انه عدَّد بعض المآخذ مثل اكتشاف ان صاروخ الصمود - 2 العراقي يتجاوز مداه المدى المسموح به - 150 كم - بمسافة قليلة وان هناك مواد كيماوية غير معروف مصيرها مثل الانثراكس وغيره من الغازات، إلا ان ذلك لم يحمل على حصول اي تغيير في مواقف الدول الكبرى الثلاث - فرنسا وروسيا والصين - علاوة على موقف المانيا الصلب، في الاعتراض على حرب اميركا وتعليلاتها. فالمجلس مقسوم كما كان وأكثر. ذلك ان جبهة الرفض فيه اشتد عودها ويدعمها رأي عام دولي - وحتى اميركي - متعاظم الحجم والدور، الامر الذي لابد وان يؤدي إلى مفاقمة مأزق المؤيدين لواشنطن - وخصوصا طوني بلير وغيره من الاوروبيين - بل مأزق الادارة الاميركية ذاتها وتهافت منطق حربها وزيادة عزلته.

والتصعيد المضاد اخذ عدة اشكال، منها على صعيد مجلس الأمن - المقترحات الفرنسية المدعومة من المانيا وروسيا التي عرضت عليه لمناقشة المشروع الاميركي المتوقع وارباكه اذا لم يكن قطع الطريق عليه - ومنها على صعيد التحرك العام الذي ضرب الرقم القياسي اليوم - مظاهرات في عدة مئات من المدن في ارجاء المعمورة كافة - والمرشح للمزيد من التزخيم في الايام والاسابيع المقبلة.

واذا كان من مدلول عميق لتنامي تيار معارضة الحرب وشموليته فهو يتمثل في نقطتين اساسيتين : 1- ان الحيثيات التي حاولت ادارة بوش الترويج لها باعتبارها مبررا يسوغ الحرب، فشلت في ان تحظى بالحد الادنى من الاقناع. التوجس في خطابها هو السمة الغالبة لردود الفعل في الساحات كافة وحتى في الساحة الاميركية، التي تكشف الاستطلاعات المتلاحقة بأن الرأي العام الاميركي «يفضل» 57 في المئة ان يأتي قرار الحرب من خلال الامم المتحدة، وكأنه بذلك يعبر عن ارتياب في نوايا ادارة بوش والذرائع التي تسوقها.

2- ان لدى واشنطن مشروع ابعد بكثير من العراق، الذي لا يشكل في المحطة الراهنة سوى جسر العبور إلى المخطط الاستراتيجي الجديد المعتمد بعد 11 سبتمبر/أيلول، فالجسر العام الشائع في كل مكان بأنه حتى لو كان لدى العراق بقايا من اسلحة ومواد ومعدات، فإنها لا تستحق الحرب لأنها لا تشكل تهديدا لأحد، ناهيك بتهديد الأمن القومي الاميركي، كما يزعم صقور واشنطن. وهذا كلام يقال حتى في واشنطن ومن جهات ودوائر مختلفة. وردد هؤلاء مرارا وتكرارا بأن العراق في هذه الحال يمكن احتواؤه ولا حاجة إلى اجتياحه. ليس حرصا على النظام العراقي، لكن هذا الكلام يقال من باب التحذير والسعي إلى كبح اندفاع ادارة مهووسة بأوهام وأحلام ومأخوذة بمزاج ثأري قد يدفع العالم إلى هاوية جهنمية. وإلا ما معنى هذا الاصرار على الوقوف بوجه واشنطن من جانب حلفاء اصليين قدامى مثل فرنسا والمانيا وبلجيكا؟ هل يعقل ان تكون الكعكة العراقية مهما كبرت مغرياتها، وراء هذا الانشقاق والتوتر بين الفريقين؟ واذا كان الامر كذلك وبعد ان وصلت الامور بينهما إلى هذا الحد أليس المطلوب بل المفروض أن ترفد القمة العربية الاستثنائية التي تمت الدعوة اخيرا الى عقدها يوم 22 الجاري، هذا التوجه الدولي الاعتراضي للحرب، باتخاذ قرارات على مستوى الظرف والتحديات المصيرية في الوقت الراهن؟

اذا كانت القمة مصممة على الخروج بقرارات من نوع الاكتفاء بدعوة العراق إلى المزيد من التعاون او من نوع المطالبة بفسحة وقت للوساطة مع العراق او من النوع الذي يركز على ما بعد الحرب، بزعم المشاركة في رسم مصير ومستقبل المنطقة. فمن الافضل عندئذ ألا تعقد، لأنها بذلك تفاقم من الازمة وأضرارها

العدد 164 - الأحد 16 فبراير 2003م الموافق 14 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً