العدد 164 - الأحد 16 فبراير 2003م الموافق 14 ذي الحجة 1423هـ

وزارة البلديات و«الزراعة» أمام المساءلة النقدية!

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

ذات صباح وبالبنط العريض خرجت علينا الصحافة بتصريح وزير «البلديات والزراعة».

إذ كان التصريح أخاذا وجميلا كجمال التصريحات السابقة التي كنا رأيناها قبل 15 عاما لوزراء سابقين إلا أن هذه المرة تختلف كثيرا، فهو متخم بالاعلانات والوعود بالحدائق وبتظاهرات الورود والزهور وذلك بتجميل الشوارع وبتطبيق روح القانون، وستكون هناك اجراءات تفتيش لها جانبان عقابي وتوجيهي، وستكون هناك مراجعة لقوانين البناء، وسيكون هناك تطوير لحدائق - مع العلم بأنه لا توجد حديقة واحدة في المنطقة الشمالية - و«سواحل المنطقة» ولا نعلم هل منها ساحل باربار الذي ابتلعته الارستقراطية أم لا؟ وسيكون هناك اهتمام كما جاء على لسان المدير العام الذي اخذ على عاتقه توضيح التفاصيل «بدراسة المباني التراثية في المنطقة»، والتي ليس منها قلعة البحرين طبعا لأنها أصبحت في رحمة الزحف العمراني الخاص ورحمة القمامة أيضاَ.

طبعا الوعود الجميلة اذا طبقت واخرجت من الاستهلاك الصحافي الى الواقع فليس هناك شك في أن المنطقة الشمالية ستتحول الى «فلوريدا» ثانية ولكن بنكهة بحرينية.

لست في مقام التشكيك، ولكن من يقرأ طبيعة العلاقة بين وزارة البلديات و«الزراعة»، والطريقة التي ولد فيها المدراء العامون الذين جاءوا على خلفية تقويض صلاحيات المجلس البلدي يصل الى قناعة بأن هناك أزمة حقيقية، هي أزمة قفز وتهميش لدور وصلاحيات الأعضاء الشرعيين للمجلس البلدي المنتخب.

وهذا ما نقرأه كل صباح من هموم يبثها أعضاء المجالس البلدية بأنهم «مهمشون» و«ليس لهم دور» وما زالوا في وجع كبير لتهميشهم على رغم أنهم يمثلون السلطة الشرعية في المجلس إلا أن الجهاز التنفيذي «كوّش» على كل شيء، والدليل أننا كمواطنين نكاد لا نرى دورا عمليا لأعضاء المجلس سوى الشكاية في المحاضرات والندوات، وهذه حقيقة الجهاز التنفيذي في كل يوم تلمّع صورته بالمساحيق «الزهرية» القائمة على 50,000 زهرة هنا و17 ألف حديقة موعودة وواعدة هناك واصبح المدراء العامون على حساب الأعضاء الشرعيين.

يا سعادة الوزير، إن اردتها ديمقراطية فيجب أن يكون لهؤلاء المهمشين دور على الأرض وليس في البهرجة الصحافية.

اذا كانت هناك قناعة حقيقية بالديمقراطية فأعطوها قليلا من المنشطات الفاعلة فالشارع البحريني أصبح يشعر بالدور التهميشي الذي يمارس ضد المجلس البلدي، وأصبحنا لا نرى الأعضاء إلا في المناسبات الفلكلورية وحتى هذه نكاد لا نراهم فيها.

ما طرح من وعود في الصحافة المحلية على لسان الوزير والمدير العام شيء جميل نتمنى تحققه، ولكن لنا وقفات أمام بعض ما طرح:

1- شدد الوزير على «أهمية الرقابة والتفتيش»، وهذا أمر جميل لكن سؤالنا: هل ستشمل الرقابة والتفتيش كل مكان أم ستصبح انتقائية؟ بمعنى هل ستشمل التشويه والخطر الداهم لقلعة البحرين، وأنتم على علم بما يحدث لبساتين بني جمرة فلقد اقتلعت النخيل والأشجار، وها هي المنطقة تحرم في أهم مواقع جمالية وزراعية لديها والزحف جارٍ الى المرخ وهي الضحية الثانية بعد بني جمرة.

ويتساءل المرء عن هذه المفارقات كيف يتم كما هي الوعود «ابراز الملامح الجمالية للمنطقة» كما جاء في التصريح وهناك عملية استئصال واضح لأهم بساتينها؟

وما الفائدة من خطة زرع 50,000 زهرة موسمية في الشوارع بعد أن اقتلعت البساتين؟ فهل من المنطق أن نغتال بستانا جميلا لنأتي بعد غد لنزرع وردة على شارع وندس زهرة في تصريح لصحيفة؟

لقد أصبح المواطن بلا بساتين وبلا حدائق وها هو اليوم في طريقه ليكون بلا بحر كما هو حادث في المنطقة الغربية والوسطى.

اذا أية جمالية نستوعبها من التصاريح، ونحن نرى عملية ردم البحار ودفن السواحل، واقتطاع الأراضي الزراعية وبيعها للانتفاع الشخصي؟

هل هذه عملية تطبيق روح القانون؟

هل هذا يعد تحسينا للخدمات؟

- لقد جاء في معرض التصريح أن هناك خطة لتطوير «حدائق وسواحل المنطقة واقامة مشروعات استثمارية تعود بالفائدة على المنطقة والمستثمرين».

أولا: المنطقة الشمالية لا يوجد فيها حديقة حتى تطور إلا إذا عد جذوع النخل الملقاة حديقة فهذا شيء آخر.

ثانيا: خطة تطوير السواحل، فهذا أمر محزن فالسواحل وزعت بالقطعة ومعاناة منطقة باربار شاهد على ذلك والمشكلة بدأت تتكرر في منطقة خليج توبلي ومنطقة دمستان ومنطقة المالكية، وفي كل يوم تباع أراضي البحر والناس تنظر والوزارة نائمة أو في غيبوبة، فلم نر تصريحا مطمئنا أو ناقدا لا من المسئول ولا من المدراء العامين. هناك صمت مخيف من الوزارة ذاتها علما بأن الناس تعاني احباطا شديدا واستياء لما يجري للبساتين وللبحر، فإذن أية سواحل تلك التي يراد تطويرها وهي التي قد نحرم منها لأجل عيون رجال أعمال ارستقراطيين؟

وبعد كل ذلك جاء التصريح الغريب «ندعو المواطنين الى التعاون مع الأجهزة التنفيذية والمجالس البلدية في حين ينبغي للمعادلة أن تبدل فالعكس هو المطلوب، فالمواطن لا حول له ولا قوة فالصيادون في البديع والدراز ودمستان والمالكية وشهركان يطلبون وقفة حقيقية من الوزارة لوضع حد لهذه المهازل البحرية، فالمواطنون لا يمكن أن يعيشوا بلا بحر ولا توجد وزارة حقيقية في العالم تسمح باختطاف البحر أو «التكويش» عليه وما حدث - ولن يحدث في أية بقعة أرضية- أن يأتي يوم يحرم فيه مواطنون من مساحات ممتدة من بحرهم لتباع بعد ذلك لخليجيين ورجال اعمال.

جاء في التصريح أنه سيكون هناك تواصل سيعزز بلقاءات مع أبناء المنطقة بغية التعرف على احتياجاتهم ومتطلباتهم - طبعا ليس في المنطقة الشمالية فقط وانما كل المناطق وهذه خطوة مباركة يدعمها المواطنون، والآن الناس مشتغلة بتحضير مطالبها لسعادة الوزير وهي كالآتي:

- وقف عملية قتل البساتين الزراعية في مناطقها.

- تنظيف السواحل.

- وقف عملية بيع البحر. وهناك شكوى للمنظمات العالمية للبيئة.

طبعا المسئولون في الوزارة يعلمون جيدا الكثير عن المناطق كيف هي محرومة من أقل القليل من الخدمات فمن يدخل سترة يصاب بالذعر لشوارعها المحطمة، لقلة الخدمات بما فيها الحدائق، على رغم أن أهالي سترة هم أكثر الناس عرضة لمرض السرطان نتيجة وجود المصانع وما تبثه من سموم. تعالوا الى القرى ستصابون بالذعر فلقد اختفت العيون، وبدأت مخلفات المصانع تصب في بحارها وخلجانها (خليج توبلي)، تحولت البساتين المثمرة الى قسائم سكنية راقية وصلت الى بعضها خدمات راقية - وهذه هي المفارقة - ولم تصل الى سكان أهل القرية كما حدث لسند وغيرها وأصبحت تفتقر الى ابسط الخدمات.

شوارع مثل هذه القرى يزيد عمرها على 35 سنة طبعا لا يشمل ذلك الدراز لأنها بلا شوارع فالدراز بحد ذاتها تعاني اهمالا رسميا فظيعا.

عدا عن المستنقعات والبلاعات الفائضة، تكاثر الحشرات حول البحيرات والكثير من القرى ما زالت تعاني من عدم وجود شبكة مجاري، وهذه شكاوى تتكرر منذ 15 عاما على لسان الأهالي في الصحافة وفي كل مكان وتقابل بعدها بتصريحات السيد «سوف» الذي يتكرر دائما على لسان كل وزير سابق وكل وزير لاحق.

بقي هناك سؤال بسيط لمدير عام بلدية المحافظة الشمالية هل ستكون منطقة «سار» مشمولة بالوعود وبحديقة أم هي خارجة عن ذلك؟

وهل سيكون هناك حل للبلاعات الفائضة وللأوساخ التي تملأ القرية؟ فبعض التسريبات التي نتمنى عدم صحتها أنه لا يوجد مخطط لحديقة لمنطقة سار وانها خارجة من دائرة الاستحقاق وهذا اجحاف كبير. لأن المنطقة محرومة من كل شيء حتى من ساحة رياضية يلعب فيها الأطفال فأين يهيم الناس على وجوههم؟

وتلك مفارقة كبرى إذ ان الوحدات السكانية للأجانب والحدائق الخاصة في المنطقة ذاتها مليئة بالساحات الرياضية بما فيها التنس الأرضي في حين أن القرية بأكملها لا يوجد فيها مكان للعب الأطفال.

ان المنطقة تعاني من أنقاض البناء والمخلفات الزراعية ومخلفات الأثاث وغيرها. فالناس لا تطمع بـ 20 ألف زهرة موسمية وانما ببنية تحتية ذات عافية وخدمات مثل الناس. وإن الغرب لو علم أن هناك خليجيين مازالت مطالبهم لا تتجاوز حديقة صغيرة وشارعا نظيفا وبحرا يبث له همومه فإنه سيضحك علينا. فليس من المنطق أن نجمّل الميت بزهرة أو نحيط جسده بباقة 50,000 زهرة لأن قلبه الذي مات حزنا لا يمكن أن يعاد برائحة.

إننا نعيش على بحيرة من نفط وما زلنا نطمع بتعديل شارع وبوضع شبكة مجاري وبإبقاء زقاق نحو بحر.... تهانينا

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 164 - الأحد 16 فبراير 2003م الموافق 14 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً