العدد 164 - الأحد 16 فبراير 2003م الموافق 14 ذي الحجة 1423هـ

العراق: قضية عادلة ومحامون فاشلون

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

«والله لو فعلها ابن الاصفر لوضعت يدي بيد معاوية» هذا الكلام منسوب إلى الإمام علي «ع» والذي يقال انه قاله عندما سمع ان حاكم الروم «ابن الاصفر» كان بصدد تهديد الدولة الاسلامية أو غزوها في وقت اشتداد الخلاف بينه وبين معاوية.

وقد ترددت كثيرا في الاستشهاد به، وفيما اذا كان يصلح أصلا على الحال العراقية الراهنة وهي تنتظر احتمال اندلاع الحرب عليها.

لكن سماعي آية الله الشيخ محمد علي التسخيري يقرأ هذا الحديث من على منبر الجنادرية (في الرياض) حديثا مطالبا المسلمين عموما بفك الاشتباك فيما بينهم والتنادي إلى «مصالحات» عامة وشاملة متوجهين إلى التحدي الاكبر الذي يريد الشر والاذى بكل طوائف المسلمين وفئاتهم وطبقاتهم حاكمين ومحكومين، ومن ثم سماعي نبأ دعوة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى ما سماه بـ «طائف العراق» أو «المصالحة» الداخلية العراقية، وأخيرا ما ورد على لسان الشيخ اسامة بن لادن من دعوة إلى نصرة العراق «على رغم ان رايته راية جاهلية وان حزبه حزب اشتراكي... الخ» وان المطلوب هو «نصرة العراق وليس نصرة صدام حسين ونظامه» انما جعلني اقرب إلى تصديق مضمون هذا الحديث على رغم قول البعض بضعفه وربما بُعد صحته. وعلى رغم انني اعرف جيدا بأنه ليس هناك ما يجمع بين الشيخ التسخيري والسيد نصرالله وبن لادن بخصوص القراءة المشتركة لنظام صدام حسين وخريطة المعارضة العراقية، فإن القدر المتيقن من رؤيتهم السياسية المشتركة هو القراءة والملامسة للواقع إلى حد كبير للحظة العقلانية التاريخية التي يمر بها العالم لاسيما منطقتنا الاسلامية والعربية منها خصوصا. وهي النظرة أو بتعبير أدق (تقدير الموقف) الذي يشترك فيه معهم الكثير من العلماء والمفكرين والمثقفين والادباء واصحاب الرأي على امتداد الوطن الاسلامي الكبير. وقد يكون السيد محمد حسين فضل الله والامام الخالصي (العراق) اشهر المعنيين بهذا الملف.

وليعذرني الاخوة السادة والمشايخ العلماء ممن يحرصون بالتأكيد على عدم رغبتهم في ان يُحشروا مع بن لادن بسبب «لعنة الارهاب» التي تلاحقه، لكنني هنا لست بصدد تصنيف الناس لا بالمذهب ولا بالاصول ولا بالفكر بقدر ما انا بصدد الحديث عن «تقدير الموقف» السياسي بشأن اللحظة التاريخية التي نمر بها.

لا بل انهم سيفاجأون هم وكذلك كل من هاجمهم ونعتهم بمختلف النعوت أو صب عليهم جام غضبه ولعناته وأساء اليهم ومعهم الادب عندما يكتشفون ويكتشف معهم معارضوهم بأن من بين من يمكن ان يحشروا معه أو يحشر معهم في «تقدير الموقف» هذا، مطرب ايراني مشهور مثلا يقيم في الولايات المتحدة منذ قيام الثورة الاسلامية وهو معارض شديد لها لكنه اصدر بيانا «على الانترنت» يهاجم فيه جماعة الشاه البائد بكل شدة، ويتهمهم فيما يتهم فيه بأنهم «يفتقرون حتى إلى ذرة من الوطنية الحق أو حب الوطن وإلا لماذا وكيف وما المبرر الذي جعلهم يسكتون عن عسكرة المنطقة برجال القمع الاميركيين والبريطانيين خلافا لارادة اهلها وشعوبها المختلفة التي تريد التنمية والحياة المستقرة والهادئة والسلام ونبذ الحروب والعنف؟!» كما جاء في كلمة المطرب الايراني ابراهيم خامدي المعروف بـ «ابي».

بائسٌ ريتشارد باوتشر هذا عندما يظن أنه «عثر على الحقيقة الضائعة» بقوله: «ألم نقل لكم ان هناك قضية مشتركة بين بن لادن وصدام حسين؟».

لكن ريتشارد باوتشر هذا، ومثله رئيس الدبلوماسية في بلاده نسيا أو يتناسيان بأن هذه القضية المشتركة موجودة بين عشرات الالوف ان لم يكونوا مئات الالوف بل والملايين «وبين صدام حسين» الا وهي «الضدية» لاميركا والسبب سياساتها الهيمنية والإملائية المتغطرسة، وهي بالمناسبة ليست لا من قريب ولا من بعيد مع صدام حسين أو نظامه أو سياساته وبالتأكيد ليست ضد آمال الشعب العراقي الشريف والمظلوم والمضطهد والمقموع من جانب صدام حسين منذ نحو 35 عاما على مرأى ومسمع وبدعم واسناد الادارات الاميركية المتتالية.

من حق المعارضة العراقية الشريفة والمخلصة والصادقة، وأكثرها يحمل هذه الصفات الوطنية معمدة بالدم، ألا تثق بصدام حسين وبنظامه وخصوصا انه لم يقدم حتى الآن اية بادرة حسن نية تجاهها لا من قريب ولا من بعيد.

لكن ليس من حقها ان تخوّن أو تفسّق أو تسفّه كل من خالفها في «تقدير الموقف» ورأى مثلا ان الخطر الاعظم هو في الوجود العسكري الاجنبي الذي هو اخطر من «اسلحة الدمار الشامل» العراقية كما قال هاشمي رفسنجاني مثلا أو من رأى ان من يعين اميركا اليوم انما يعينها على فلسطين وسورية ولبنان وايران ومصر والعالم الاسلامي ومقدرات العراق وليس ضد صدام حسين.

ثمة من يعتقد، ومنهم حسن نصرالله كما اظن - والله اعلم - ان من يقف بعزم وباستراتيجية واضحة ضد اميركا اليوم هو وحده القادر على اسقاط صدام حسين بأقل الكلف على شعب العراق والامة عموما.

وثمة من يعتقد، ومنهم السيد نصرالله كما اظن، بأن اميركا ليست بصدد «اطفاء الحرائق في المنطقة» كما يظن البعض خطأ، بل هي بصدد حروب أخرى متنقلة ولكن من نوع جديد لن تكون ضحاياها وخسائرها اقل مما فعله صدام حسين في الـ 35 سنة الماضية بأهل العراق وغير اهل العراق، بل ان اهل العراق سيكونون اكثر المتضررين منها وقبل غيرهم.

من حق المعارضة العراقية ان تقول إنه لا حول لها ولا قوة في تغيير النظام العراقي الراهن لوحدها وبأسلوب ديمقراطي وسلمي وحضاري بسبب ما تقول انه نتاج تركها لوحدها تعاني الامرين على مدى 35 عاما من دون نصير عربي ولا اسلامي.

ولكن ليس من حقها ان تجعل من ذلك سببا لاستدعاء الاجنبي ليفعل ما يشاء بالعراق والمنطقة. المهم برأيها ان يسقط نظام صدام حسين وبأي ثمن كان.

تصوروا لو ان كل معارضات المنطقة، وغالبيتها تعاني من المنطق «العاج» نفسه، قررت استدعاء الحلفاء لاسقاط انظمتها! هل يبقى حجر على حجر في المنطقة؟ ثم الاهم من ذلك هل سيتم تسليم أي منها زمام امور بلادها بعد «التحرير»؟

ثمة من يذكر هنا ايضا بأن هناك فرقا شاسعا وجليا بين مقاتلة الاجنبي الغازي المحتل والغاصب للاراضي وقواعد العمل والممارسة السياسية كما هي الحال في فلسطين وبين مقاتلة الحاكم الظالم والمستبد. والفرق هنا لا يتعلق بتقييم شخصية الحاكم كما يحاول اخواننا العراقيون دوما عندما نسمعهم يصرخون بأنه اسوأ من شارون... الخ، بل ان الامر يخص مجموعة من قواعد العمل السياسي والكفاحي تتطلب فيما تتطلب بأنك في حال الكفاح ضد الحاكم الظالم غير مسموح لك بالاضرار لا بالبنية التحتية لبلادك ولا ازهاق ارواح الجنود والضباط ورجال الأمن و... الخ، وهو ما كان يرفضه بتاتا رجل مثل الامام الخميني. بينما القاعدة مع الغازي المحتل هي: «اقتلوهم حيث ثقفتموهم» وهي بالمناسبة بنذ من بنود الحلف الاطلسي في حربه ضد اعدائه ايضا.

وعود على بدء اقول: «إذا كان من حق ابناء العراق ان يقرروا مصير بلادهم بأنفسهم، وانهم احرار في هذا الخيار باعتبار ان كلمة الفصل لهم وحدهم في النهاية، رضي بذلك ام لم يرضَ من قد يختلف معهم في الرؤى حول الخيارات، إلا انه ليس من حقهم، والاهم من ذلك ليس من مصلحتهم، ولا صالح قضيتهم حتى لو اعتبرناها «عراقوية» محضة لا تريد فلسطين ولا العروبة ولا الاسلام، ان يعادوا ويسبوا ويلعنوا ويفسّقوا ويخوّنوا كل من يختلف معهم، والاهم من كل ذلك ان يضعوه في صف صدام حسين فقط، وفقط لانه لا يقبل بالخيار الاميركي للعراق.

ان اخوانكم في الدين أو العروبة أو الانسانية والذين باتوا يشكلون جبهة عالمية ضد الحرب انما يبحثون عن طريق ثالث للخلاص ليس فيه «فرعنة» بوش ولا «طغيان» صدام. والنوايا الطيبة والقضية العادلة هنا لا تكفي. المطلوب محام قدير وكفء يحمل اكبر قدر من اجماع اهل الأرض الذين تهددهم الحرب القذرة على الموارد

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 164 - الأحد 16 فبراير 2003م الموافق 14 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً