دستور البحرين وجميع الدساتير الحديثة تؤكد في نصوصها كل مادة اساسية مستمدة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان. المادة 11 التي تنص على «كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى ان تثبت ادانته قانونا بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه»، هذه المادة الحقوقية غير قابلة للنقاش والكسر تحت اي ظرف من الظروف...
ولا يمكن تبرير عدم الاعتبار بهذه المادة بحجة الامن القومي لأن الامن القومي اساسا هو أمن الناس وامن الدولة ولا يمكن التضحية بحقوق بعض الناس، ولا يمكن تجاوز سير المحكمة المخولة اصدار الاحكام ضد اي متهم بعد محاكمة علانية مكتملة الشروط بحيث يستطيع المتهم الدفاع عن نفسه عبر محام يختاره بمحض ارادته...
هذه هي الضوابط التي كنا نتوقعها بعد الانفتاح السياسي وخصوصا بعد عام واحد من اعلان مملكة البحرين «الدستورية»... فكل نشاط حكومي يجب ان يخضع لضوابط الدستور ويجب ان يخضع لمحاسبة المجلس النيابي... غير انه، وللمرة الثانية خلال هذا العام 2003، تخيب السلطات الامنية ظننا في ما تقوم به من اعلان اسماء مواطنين تتهمهم بقضايا امنية خطيرة معرضة بذلك استقلالية القضاء ومستقبل المواطنين الذين قد يكونون ابرياء إلى الخطر...
هذا من جانب، ومن جانب آخر ليس واضحا إلى حد الآن القانون الذي تستند إليه اجهزة الأمن والمخابرات في ممارسة عملها وهل لديها ترخيص قضائي بما تقوم به من تنصت على الهواتف وملاحقات ومداهمات ثم اعتقالات؟... كما انه ليس واضحا طبيعة التنسيق بين الاجهزة المختلفة اذ ان عائلة احد الذين تم اعتقالهم قبل عدة ايام أبلغت الشرطة بأن منزلها تعرض لتخريب وحضرت الشرطة وأجرت تحقيقا من دون ان يكون هناك - على ما يبدو - تنسيق في الامر...
ومرة اخرى هنا نعاود الرجوع إلى الممارسات الحسنة لدى الدول المتقدمة... ففي حال عزم جهاز المخابرات اعتقال احد الافراد يتم اخبار مركز الشرطة التابع للمنطقة، ومركز الشرطة تكون له علاقة مباشرة بالمجلس البلدي وبالتالي فإن هناك ضوابط معينة يجب مراعاتها، مع علم الجميع بأهمية السرية في مثل هذه الحالات...
ان ما جرى في مطلع العام الجاري من نشر اسماء وصور المواطنين ثم نشر اسماء وصور خمسة متهمين بخلية «ارهابية» (ربما في اشارة غير مباشرة إلى تنظيم القاعدة) يعتبر تجاوزا للحقوق الانسانية التي نص عليها دستور مملكة البحرين، وهذه التجاوزات تلزم مناقشتها من قبل اعضاء البرلمان (بغرفتيه الشورى والنواب) لكي يطمئن الجميع بأن عهد الاصلاح يعني ايضا الشفافية في التعامل بين الحكومة والمواطنين، ولاسيما في مثل هذه القضايا...
في مرحلة قانون أمن الدولة كان الجميع يخاف من التحدث بصورة علنية عما يجري في سجون البحرين وعن اساليب اجهزة الامن والمخابرات، لأن قانون أمن الدولة كانت لديه مواد غير انسانية تعطي الصلاحية للمسئولين باعتقال من يشكون في انهم خطر على أمن الدولة، والنتيجة التي وصلنا اليها جميعا غير حسنة على جميع المستويات. فقد كان احد مبررات قانون أمن الدولة، الذي حُلَّ المجلس الوطني في العام 1975 من اجله، هو رغبة البحرين في استقطاب المصارف والمؤسسات المالية وان هذه المؤسسات بحاجة إلى الأمن والاستقرار. ولكن البحرين التي كانت تتصدر دول الخليج في مجال الخدمات ليست كذلك الآن. فلدينا دول خليجية اخرى استفادت كثيرا من اخطائنا وتحينت الفرصة واستقطبت عددا من الصناعات المهمة للاقتصاد الذي يعتمد على الخدمات، بينما بقينا نحن على ما نحن عليه.
ان احترام حقوق المواطن ورعايته هو ما تسعى اليه كل الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة الاميركية التي لا تحترم حقوق العرب والمسلمين والتي حرمت جميع معتقلي غوانتنامو من حقوقهم الانسانية فيما عدا شخص واحد لأن لونه «ابيض» ولأنه «اميركي»... هذا الشخص (المواطن الاميركي) اعطيت له حقوق ولم يوضع في أقفاص غوانتنامو. وعلينا نحن المسلمين ان نحترم قدسية بعضنا بعضا واذا كان هناك من أخطأ فلدينا أكثر من وسيلة للتعامل مع ذلك من دون الاخلال بحقوق الانسان
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 164 - الأحد 16 فبراير 2003م الموافق 14 ذي الحجة 1423هـ