العدد 163 - السبت 15 فبراير 2003م الموافق 13 ذي الحجة 1423هـ

ملاحظات على هامش الانتخابات الإسرائيلية

نجاة شرف الدين comments [at] alwasatnews.com

لم يعد مهما (لانه لا يمثل فارقا) سقوط حزب العمل ونجاح الليكود، ولن تفيد كثيرا حسابات بعض العرب عن ماذا لو ربح العمل؟ كما لن تفيد أمنيات الكثيرين خسارة الليكود. أضاع بعض العرب سنوات كثيرة في حسابات أيهما سيعمل لصالحنا: العمل ام الليكود ؟! وغرق في رصد الفوارق بين الحزبين، وحتى في هذا الرصد تذكر بعض العرب ما يريد تذكره ونسي ما يريد نسيانه، فهو تذكر الليكود وصبرا وشاتيلا، ونسي لحزب العمل قانا وعناقيد الغضب.

في أي حال فان المفاجأة التي صدمت المراقبين قبيل الانتخابات هي نتائج استطلاعات الرأي التي أوضحت ان الشارع الاسرائيلي بغالبيته مؤيد لليكود كما ان استطلاعات الرأي أظهرت أن ثقة الجمهور بأن سلاما مع الفلسطينيين يعني نهاية الحرب والنزاع تراجعت من 60 في المئة قبل عامين الى 20 في المئة في الوقت الحالي. ومن هنا فمما لا شك فيه ان نتائج الحملة الانتخابية أسفرت عن عدة ملاحظات تستوجب التوقف عندها:

أولا، إن الشارع الاسرائيلي لم يتحول الى الحال المدنية وانه مازال مستقرا في وعي كل مواطن إسرائيلي أنه يؤسس دولة قائمة على موروث ديني وهواجس ومخاوف وأساطير وبالتالي فان اعتبار الأمن والقوة لهما الأولوية، وأنه مستقر في الثقافة اليهودية أن كل ما حدث لليهود عبر التاريخ - بافتراض صحته - حدث لأنهم كانوا يفتقدون القوة. ولذلك لم يتوقف الاسرائيليون أمام الاثار الاقتصادية للانتفاضة وتراجع أداء قطاعات التشييد والسياحة وتدهور سعر الشيكل (العملة الاسرائيلية). واختار الاسرائيليون القوة والعنف ومطاردة الفلسطينيين والتصفية الجسدية ونفي الآخر.

القراءة الهادئة لنتائج الانتخابات والاصوات التي مُنحت لليكود وأحزاب اليمين تؤكد أن مقولات الرهان على أحلام السلام ورغبة الاسرائيليين في العيش مع جيرانهم وجماعات السلام، كل هذه المقولات أثبتت التجارب أنها أوهام وان الظرف الموضوعي في الصراع لم ينضج بعد الى الحد الذي يقبل فيه الاسرائيليون بالتنازل الحقيقي عن بناء «إسرائيل الكبرى».

ثانيا، المشروع الاسرائيلي لم يكتمل بعد ولم يتحقق تماما والذين ينادون بثقافة التسوية قياسا على اتفاق السلام الاسرائيلي مع مصر يفوتهم الجانب الآخر من القياس وهو ان السلام مع مصر كان جزءا من إدارة الصراع واستمراره في اعتباره تحييدا لمصر وإبعادها عن الجهد العسكري. ولذلك فعندما تولى شارون الحكم قال: «إنه سيمزق اتفاق أوسلو» الذي كان مدخلا لسلام هزيل. وقال «إنه سيفكك السلطة ولا حديث عن دولة»... قال ذلك بوضوح (ولم نصدقه معتبرين أنه يرفع سقف كلامه السياسي) ونفذ ما قاله وصوّت له الشارع الاسرائيلي ومنحه ثقته. هذا التفويض منحه الاسرائيليون لشارون الذي فعل ما فعل، وقبيل الانتخابات قال: إن خطة خريطة الطريق (الاميركية) واللجنة الرباعية كلها لا تعني له شيئا. ومنع الفلسطينيين من حضور اجتماع لندن، في أداء سياسي واضح ومدرك لما يريد. وهذا ما حصل عليه ومن أجله الأصوات التي جمعها.

ثالثا، العالم بعد 11 سبتمبر/ايلول مغاير تماما لما قبله فقد انطلقت الاصوليات من المسيحية الى اليهودية وصولا الى الاصولية السياسية للفكر الرأسمالي في أوضح صورها. والسؤال هو ماذا يستطيع العرب ان يفعلوا بعد ان حصل شارون على تفويض من الشارع الاسرائيلي لينتهز العمل العسكري المحتمل ضد العراق ليقوم بعملية تهجير قسري للسلطة متماديا في العنف تجاه الفلسطينيين مستثمرا تفويض شعبه وموافقته على سياساته.

هذه الملاحظات أثارتها الانتخابات الاسرائيلية وهي تستوجب التوقف عندها، للبحث والحوار في أشكال إدارة هذا الصراع الذي نواجهه مدركين أن الصراعات الكبرى في التاريخ تتم إدارتها بأشكال متعددة

العدد 163 - السبت 15 فبراير 2003م الموافق 13 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً