العدد 163 - السبت 15 فبراير 2003م الموافق 13 ذي الحجة 1423هـ

هل يستطيع صدّام قلب الطاولة؟

لحظات قبل حرب الخليج الثالثة

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

لا أفق للحل السياسي في العالم الآن. سُدّت الأبواب أمام الدبلوماسية. وتقدمت الخطط العسكرية لتحتل مركز الصدارة. يشهد العالم الآن هلعا سياسيا. الكل يسعى لطرح المبادرات السياسية، لمنع أميركا من خوض حربها. الكل يخاف من مرحلة ما بعد الضربة العسكرية. فمرحلة ما بعد الضربة، إذا كانت ناجحة، سترسم الأحجام بدقة على الساحة العالمية. فالموافقون على الحرب، هم الذين سلموا مسبقا بالقيادة الأميركية للعالم. وهم الذين يشعرون حاليا أن «العين لا تقاوم المخرز»، ولابد من السير في التيار الأميركي والاستفادة منه قدر الإمكان. أما الممانعون، فهم الذين لم يقتنعوا بالريادة الأميركية. وهم الذين يعتبرون أن الخسائر من التسليم بالدور الأميركي، هي أكثر بكثير من مسايرة أميركا. فالممانعة تميّزهم، خصوصا إذا كانوا لم يعوا بعد أن العالم تغيّر، وانهم هم تغيروا أيضا. تندرج فرنسا بامتياز في هذا التوصيف.

إن مؤشرات اقتراب الحرب على العراق ظاهرة جدا.

أولا: العرب عاجزون عن تغيير الوضع، ووقف الحرب. هكذا صرح الرئيس حسني مبارك. وهو الذي صرّح سابقا انه لا يريد الذهاب إلى الحرب ضد «إسرائيل». إذا، ما جدوى انعقاد القمة العربية؟ وإذا ما انعقدت القمة، فإنها ستشهد حتما مشادات خطيرة. وذلك لأن أكثر من نصف الدول الموجودة موافقة على الحرب، لا بل معظمها سمح للقوات الأميركية بالتمركز على أراضيها، ومنها ستنطلق العمليات العسكرية الأساسية. حتى أن تركيا وعلى لسان رئيس حكومتها تقول: إن «لتركيا مصالح قومية، ولابد من العمل على تحقيقها». لذلك صوت المجلس النيابي التركي على السماح لأميركا بتحديث القواعد العسكرية، وسيصوّت لاحقا على السماح للقوات الأميركية بالانتشار على أراضيها التركية. كذلك الأمر، لم توفّق السعودية في أية مبادرة لوقف الحرب على العراق. ولم تستطع أن تُثني المجاورة لها من التعامل مع أميركا.

ثانيا: استشاط الوزير دونالد رامسفيلد غضبا عندما عرف من الصحافة خبر المبادرة الفرنسية - الألمانية. فكيف تحضر هذه المبادرة والمعني الأول هو العم سام؟ ألا تستحق أميركا التشاور معها؟ وهل يعتقد المبادرون أن مبادرتهم سترى النور من دون الموافقة الأميركية؟ وهل يعتقد سعاة الخير والسلام، ان «القبعات الزرق» قادر على تخليص العالم من الطاغية صدام وأسلحته المدمرة، وهم الذين - أي القبعات الزرق - تدل تجاربهم على فشلهم في كل مكان حلّوا فيه. إنهم بالفعل يحلمون.

ثالثا: تبقى المعركة النهائية السياسية لأميركا قبل الذهاب إلى الحرب، في مجلس الأمن. فهي تنتظر التقرير الثاني، وتترقب ما قد تنتج المناقشات في المجلس من مواقف. لكن أميركا، لا تأبه لما سيدور في هذا المجلس، لأنها أمّنت الغالبية الدولية من خارج هذا المجلس. وهي استطاعت أن تعزل كل الممانعين لاستراتيجيتها، وعلى رأسهم فرنسا وألمانيا.

انطلاقا من هذا الوضع، ان هناك ما يشبه الهلع السياسي الدولي، أو ما قد يطلق عليه مبادرات الساعة الأخيرة، قبل ساعة الصفر.

ماذا عن الحشود العسكرية؟

إن الدول المهمة لأميركا في حربها على العراق، هي: السعودية، وتركيا، والكويت، والبحرين، وقطر، وسورية، والأردن، وإيران و«إسرائيل». تريد أميركا ابقاء «إسرائيل» خارج الصراع. وتريد من سورية التعاون في اتجاهين: الأول، في عدم مساعدة العراق. الثاني، في العمل على استيعاب اللاجئين إذا وجودا والمساعدة على ضبط الاستقرار في المناطق الكردية. تريد من الأردن ممرا إلى غرب العراق، مع السماح لآلاف من القوات الخاصة بالانتشار على أرضه، مع حق الطيران فوقه. تريد من إيران أن تبقى على الحياد، والمساعدة في عمليات الانقاذ لطيّاريها في حال سقطوا فوق الأرض الإيرانية. كذلك الأمر، تريد منها دورا تجاه الاستقرار في المناطق الكردية. أما ما تبقى من الدول فلكل منها دوره، باستثناء السعودية التي لا تريد الاشتراك والمساعدة مهما كان الوضع، بل طلبت من القوات الأميركية مغادرة الأراضي السعودية، بعد الانتهاء من العراق. فبعد إزاحة الخطر العراقي، لا يعد هناك من سبب جوهري لبقاء القوات الأميركية في السعودية. وفي البحرين يوجد مركز الاسطول الخامس. في قطر، يوجد مركز القيادة الأساسي للقوات الأميركية. فماذا عن الكويت وتركيا؟

يوجد حاليا في الكويت حوالي 17000 جندي أميركي. وأعطيت أوامر لاحقة لـ 11000 جندي متخصصين في قتال الصحراء للقدوم إلى الكويت، ولـ 12000 جندي من المشاة المؤللة، ولـ 2100 من المارينز المتخصصين في حرب المدن والحروب الكيماوية والبيولوجية. يضاف إلى كل هذا انتشار حوالي 26000 جندي بريطاني.

يقال أيضا إن تركيا وافقت أميركا على نشر ما يقارب 38 ألف جندي على أراضيها، واستعمال حوالي ست قواعد جوية، وذلك بحسب ما أذاعته محطة (ان. تي. في) التركية. يضاف إلى هذه القوات البرية بالتأكيد الأبعاد الآتية: البحر والجو. في الجو من المقدر أن تحشد أميركا أربع حاملات للطائرات، أي ما يقارب مجموع 500 طائرة حربية.

سيناريو الحرب

على ماذا تدل هذه المعطيات، وكيف تفسر عملانيا على الأرض؟

أولا، وكيلا نسترسل في السيناريوهات المتعددة، التي كثر الحديث عنها، نستعرض باختصار المراحل الرئيسية للحرب الأميركية، لنصل في النهاية إلى إمكانات الرئيس صدام في قلب الطاولة، وهل هو قادر؟

تعتبر الحملة الجوية عماد الحرب الأميركية على العراق، هي كانت قبل العراق، وستبقى بعده. يقدر الخبراء ان الطيران سيقوم بحوالي 1500 طلعة يوميا، أي بمعدل 3 طلعات لكل طيار. تحقق الحملة الجوية الشلل الاستراتيجي للعراق. وذلك بعد ضرب مراكز ثقله. خصوصا مراكز القيادة والسيطرة. تحقق أميركا في هذه المرحلة ما يسمى التفوق الجوي (Air Superiority) فوق المسرح العراقي، والسيطرة الجوية (Air Supremacy) فوق كل المناطق المحيطة بالعراق. في هذا الوضع لا يمكن لأي طيران غريب الدخول إلى المجالين من دون كلمة التعريف (Friend or Foe).

تؤمّن أميركا أيضا السيطرة المعلوماتية (Information Dominance) وذلك إلى جانب السيطرة البحرية. تبدأ بعد ذلك الحملة الأرضية لحسم الأمر. كيف ستدور الحملة الأرضية بحسب المعطيات المذكورة؟

من خلال الانتشار العسكري المرتقب، وبسبب الموانع أمام الحملة الأميركية يمكننا ترقب المعركة الأرضية على الشكل الآتي:

لأن الجغرافيا تتحكم في مصير المعركة، ولأن الوضع السياسي لبعض الدول يمنعها من المشاركة الفعلية، فإننا نقول إن محاور الهجوم هي طولية. من الجنوب والشمال باتجاه القلب، أي من تركيا، والكويت نحو بغداد.

سيكون المحور الجنوبي من الكويت باتجاه البصرة - بغداد، محور الجهد الرئيسي للحملة الأرضية الأميركية. فالانتشار العسكري الكثيف في الكويت ونوعيته يدلان على ذلك.

ستتبع أميركا استراتيجية الخنق - للمنع. ستحاول أخذ واحتلال كل الأماكن الممكن إطلاق الصواريخ العراقية منها إلى الدول المجاورة، وذلك عبر إنزالات للقوات الخاصة بطريقة مبكرة على هذه الأماكن. ويقول البعض إن هذه القوات أصبحت متمركزة في هذه الأماكن. غرب العراق هو أحد الأماكن المرشحة للاحتلال المبكر. إذا استطاعت أميركا الخنق مبكرا بهذه الطريقة، فإنها ستمنع اطلاق الصواريخ العراقية.

يرتكز النجاح الأميركي على الأمور الآتية:

- الاحتلال المبكر والسرعة في السيطرة على كركوك والموصل في الشمال، وبالتالي البصرة في الجنوب. الانتهاء السريع هنا يسرّع الوصول إلى بغداد، هذا عدا تأثير العامل النفسي.

- الاحتلال المبكر لآبار النفط لمنع تفجيرها. فالآبار مهمة لمرحلة ما بعد صدام.

- الاحتلال المبكر لمخازن أسلحة الدمار الشامل إذا وجدت، وتدمير منصات إطلاق الصواريخ البالستية.

- العمل على تفكيك المصادر التي يستمد منها الرئيس صدام قوته، الحرس الجمهوري مثلا والمخابرات.

هل يستطيع الرئيس حسين قلب الطاولة؟

من المؤكد أن هدف الرئيس صدام يقوم على منع الحرب أولا. وإذا وقعت، إطالتها قدر الإمكان، ورفع ثمن الحرب على الأميركيين إلى أقصاه إذا أمكن. لكن كيف؟

يجب على الرئيس حسين العمل على الآتي:

معرفة مراكز ثقل القوات الأميركية، باعتبارها مراكز القيادة، وأماكن تجمع الحشود العسكرية مثلا.

إذا عرف أن السياسة والدبلوماسية فشلتا، فإنه من المنطقي أن يبدأ استباقيا ضربته. فهو قد يدعي الدفاع عن النفس تجاه ما يعد له من حشد. حتى انه يجب عليه الاستمرار في ضرب مراكز الثقل الأميركية بعد البدء بالحرب، بالطبع إذا كان بإمكانه ذلك.

لأن موازين القوى التقليدية وحتى غير التقليدية تميل نحو الجانب الأميركي، يجب عليه ألا يقاتل تقليديا. فتجربته مريرة مع الأميركيين في العام 1991 ولا يريد تكرارها بالتأكيد.

ما هي مراكز الثقل الأميركية المحيطة بالعراق؟

بحسب الوصف أعلاه، وبحسب التحليل لمحاور الهجوم يمكننا القول إن مراكز الثقل الأميركية هي:

1- الحشد العسكري الكبير في الكويت.

2- الحشد العسكري أيضا في تركيا.

3- مركز القيادة الأهم في قطر.

4- انتشار قطع الاسطول الخامس في مياه الخليج.

هل يستطيع العراق ضرب هذه المراكز؟

بحسب ما قاله كولن باول في مجلس الأمن، نعم يمكن للعراق ان ينفذ وعيده. فحسب الاتهام، يملك العراق صواريخ بالستية يفوق مداها الـ 900 كلم (صاروخ العبّاس). كذلك الأمر لدى العراق طيارات من دون طيار يبلغ مداها الـ 500 كلم. لذلك نستعرض بعض المسافات انطلاقات من البصرة (وهي تقريبية). البصرة - المنامة 550 كلم، البصرة - الدوحة 696 كلم، البصرة - الكويت 167 كلم، بغداد - طهران 712 كلم. إذا وانطلاقا من الخريطة الصاروخية المتهم بها العراق، وإذا ما أخذنا البصرة نقطة الاطلاق لهذه الصواريخ، فإننا نقول الآتي:

الكويت، والسعودية، والبحرين، وقطر والإمارات كلها ضمن مجال صاروخ العباس (560 ميلا) إذا توافر.

الكويت، وقطر، والبحرين والقسم الشمالي من السعودية هي ضمن مجال صاروخ الحسين (400 ميل) إذا توافر.

الكويت، والشاطئ العراقي، وقسم صغي

العدد 163 - السبت 15 فبراير 2003م الموافق 13 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً