العدد 163 - السبت 15 فبراير 2003م الموافق 13 ذي الحجة 1423هـ

14 فبراير: عالم مختلف

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

وصلت الحرب الدبلوماسية إلى شفير الهاوية. وسياسة شفير الهاوية من أخطر المعارك الدبلوماسية التي يمكن خوضها في وقت تواصل فيه الولايات المتحدة (القطب الواحد) استعراض قوتها العسكرية في مواجهة ضغوط دولية (الأقطاب المتعددة) في مجلس الأمن.

يوم 14 فبراير/ شباط 2003 دخل التاريخ من باب مجلس الأمن. إنه يوم الحرب الدبلوماسية. وهي من أصعب الحروب العقلانية، إذ تصل فيها تعقيدات السياسة إلى قمة التفكير في قراءة واقع يراد تفكيكه إلى عناصر سلبية وإيجابية ومن ثم الخروج بموقف يقول نعم «للحرب» أو لا «للحرب».

حرب 14 فبراير الدبلوماسية وصلت إلى شفير هاوية وخرجت بتعادل الأدلة ولم تتوصل الدول الكبرى إضافة إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن إلى حسم خيارات الحرب أو السلم. قالت «لعم». و«لعم» لفظة سياسية اخترعها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وهي تعكس موقف الحيرة بين اللا والنعم.

كان مجلس الأمن يوم 14 فبراير في حيرة من أمره. هل قال كبير فرق المفتشين هانز بليكس إن نظام العراق يخالف القرار الدولي، وبالتالي يتوجب على الدول الأعضاء أخذ قرار الحرب لأن سياسة الدبلوماسية وصلت مع بغداد إلى حائط مسدود. أم قال كبير المفتشين إن نظام العراق يتجاوب مع القرار الدولي وبالتالي على الدول الأعضاء إعطاء فرصة جديدة للحل السلمي. وقف كلام بليكس بين نصفين، واحدة تقول «لا» وأخرى «نعم». وهذه «اللعم» أعطت حرب الدبلوماسية المزيد من القوة للاندفاع مجددا في طريقين: الأول يريد الحرب من دون أن يتلفظ بتلك الكلمة. والآخر يريد السلم من دون أن يستبعد احتمال الحرب. والنتيجة كانت استمرار سياسة الضغط خارج مجلس الأمن، ومن ثم العودة مجددا إلى إعادة قراءة الموقف من زوايا مختلفة عن السابق.

كلام المندوب الفرنسي (وزير الخارجية) كان الأوضح في صوغ الموقف الجديد. لا صلة بين نظام بغداد وتنظيم القاعدة، لا ضرورة لقرار جديد يصدر عن مجلس الأمن، وإعطاء فرصة لفرق التفتيش تنتهي في 14 مارس/ آذار المقبل.

مندوب الولايات المتحدة كان الأكثر ارتباكا. فهو يريد الحرب ولكنه لا يستطيع الدعوة إليها في قاعة مجلس الأمن. وأملى عليه الارتباك الدبلوماسي تكرار سلسلة مواقف مملة سبق له قولها في جلسات سابقة حين كانت واشنطن تضغط على دول مجلس الأمن باتجاه قرار الحرب.

في 14 فبراير انقلب الموقف وباتت الضغوط تأتي من الدول الأعضاء ضد الولايات المتحدة لمنع اتخاذ قرار الحرب. الضغطان أوصلا حرب الدبلوماسية إلى شفير الهاوية. فأميركا لا تستطيع الدفع خطوة واحدة، وإلا خرجت على إجماع معظم دول العالم. والدول الأعضاء لا تستطيع التراجع خطوة واحدة وإلا سقطت مع الولايات المتحدة في هاوية الحرب.

انه فعلا من الأيام التاريخية. الولايات المتحدة اكتشفت انها لم تعد وحدها في هذا العالم، تتصرف كما تريد وتفعل ما تمليه مصلحتها من دون اعتبار لغيرها من الدول والأمم. والدول الأعضاء اكتشفت انها ليست ضعيفة، وليست وحدها في عالم تقوده دولة واحدة بل ان العالم يتغير بعد عشر سنوات من سيطرة نظام القطب الواحد.

العالم تغير فعلا والولايات المتحدة لا تريده أن يتغير. لذلك فهي تقاتل في معاركها الأخيرة مستخدمة استعراضات القوة والخطابات النارية (بوش ورامسفيلد) في الخارج للضغط النفسي (الارهاب السياسي) على دول مجلس الأمن. بوش يتحدث عن حرب طويلة يطارد فيها الخصوم «واحدا بعد آخر». ورامسفيلد لا يستبعد «الخيار النووي» إذا اضطرت واشنطن إلى استخدامه. فأسلحة الدمار الشامل تحولت في عهد أشرار الحزب الجمهوري إلى لعب أطفال يهددون باستخدامها في مناسبة ومن دون مناسبة ومن ثم يعتبون على رئيس النظام العراقي ويقولون إنه أفرط في استخدام هذا النوع من السلاح في حروبه.

إلا أن سياسة استعراض القوة لم تفعل فعلها وبالاتجاه الذي أرادته منها الولايات المتحدة. فالعالم في فبراير 2003 لم يعد كما كان في العام 1991 وليس كما تم تصويره في 11 سبتمبر/ أيلول 2001. العالم بدأ يتغير ونحن الآن نشهد معركة عنوانها «العراق»، إلا ان ميدانها هو بداية انتقال العالم من القطب الواحد إلى الأقطاب المتعددة. البداية صعبة وطويلة وربما تمتد قرابة عشر سنوات من الشد والجذب والمعارك الدبلوماسية، وربما الحروب الدموية... إلا أن البداية بدأت خطواتها الأولى في شق طريقها نحو عالم مختلف ليست فيه الولايات المتحدة سيدة العالم.

نحن الآن في انتظار موعد جديد: 14 مارس. ومن الآن إلى ذلك الموعد سنشهد الكثير من العناصر المدهشة في الحرب الدبلوماسية. مناقشات مجلس الأمن. القمة الأوروبية في 18 فبراير. القمة العربية (إذا انعقدت). القمة الفرنسية - الإفريقية. والأهم من ذلك استعراضات القوة العسكرية الأميركية في مقابل المظاهرات المليونية في معظم بقاع العالم ومدنه. إنه عالم مختلف نحن نشهد بداياته

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 163 - السبت 15 فبراير 2003م الموافق 13 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً