تعتزم الحكومة افتتاح معهد تدريب مهني (معهد الشيخ خليفة بن سلمان للتكنولوجيا) في المحرق في العام الدراسي 2003 - 2004. ولكن بعكس معهد البحرين للتدريب، فقد سلمت إدارة المعهد الجديد لوزارة التربية والتعليم بدلا من وزارة العمل والشئون الاجتماعية مما طرح السؤال نفسه الذي يتركز دائما في فحوى التضارب في المهمات. فلماذا يسلم معهد التدريب الجديد لوزارة التربية بينما يبقى معهد التدريب الحالي لدى وزارة العمل؟! وهل ستعترف وزارة التربية بشهادات المعهد الجديد وتستمر في عدم اعترافها بشهادات المعهد القديم؟ وهل سيكون المعهدان الجديد والقديم ضمن خطة واحدة، أم ستكون هناك برامج متفرقة من دون خطة وطنية واحدة؟ ولماذا لم نسمع من وزارة العمل أي شيء عن المعهد الجديد؟ ونسمعه فقط من وزارة التربية؟ وهل تسليم المعهد الجديد لوزارة التربية سيتبعه تسليم المعهد القديم لوزارة التربية؟ أم أن الأمور ستبقى على ما هي عليه، كم تعودنا على وجود تداخل وتضارب وتناقض بين مختلف الوزارات والإدارات الحكومية؟
أسئلة كثيرة ومشروعة تنطلق بصورة عفوية عندما يلاحظ المرء استمرار الأنظمة المختلفة بالعمل كل على حدة، وكأنما نعيش في بلاد مترامية الأطراف كالاتحاد الأوروبي أو الصين... على رغم ان البرامج في تلك البلدان الكبيرة جدا لا يوجد فيها تداخل كما هو موجود لدينا نحن الدولة الصغيرة التي لا يزيد عدد مواطنيها (لو استثنينا غير المواطنين) نصف المليون. وهذا العدد السكاني أقل من عدد سكان مدينة واحدة في البلدان الكبرى، ومع كل ذلك لا نرى من وزاراتنا إلا النشاط «الامبراطوري» الساعي لإقامة «امبراطورية» مستقلة عن الامبراطورية (الوزارة) الأخرى...
بل ان المثير للدهشة هو اننا وبعد الانفتاح السياسي ازدادت عدد الأجهزة المتضاربة والتي لا تعمل حتى خطة تنموية واحدة. فوزارة الصحة لديها معركة حامية مع الاستشاريين، ووزارة العمل لديها معركة مع القطاع الخاص، ولدينا عدة وزارات ينبغي أن تكون وزارة واحدة... ولدينا برنامج واحد، ولكن هذا البرنامج يتم توزيعه (وتضييع جهوده) بين عدة وزارات من دون حكمة واضحة...
وعلى رغم فرحتنا بتأسيس معهد تدريب مهني جديد في المحرق، إلا أننا نتساءل مرة أخرى - عن حكمة فصل هذا المعهد الجديد عن المعهد الحالي إداريا واستراتيجيا؟ وكما أشرنا فإن مثل هذا الأمر لا يحدث حتى في البلدان الكبيرة، فلماذا يحدث لدينا؟؟
وعندما نتحدث عن التدريب المهني، فإننا لا نتحدث عن «الذهاب إلى المريخ»، فكل البلدان لديها هذه البرامج ويمكننا الاستفادة من واحدة من تلك التجارب لإصلاح أوضاع معهد البحرين للتدريب المهني ولربط المعهد الجديد والمعهد الحالي ببرنامج تنموي واحد لخدمة نصف مليون إنسان يعيشون في منطقة جغرافية صغيرة ومتقاربة.
يمكننا الذهاب إلى كوريا الجنوبية ودراسة برامج التدريب المهني... فالكوريون كانوا يعملون لدينا في البحرين في الأعمال الإنشائية الصعبة تماما كما يعمل لدينا حاليا الهنود والباكستانيون، ولكنهم الآن من الدول النامية بصورة متسارعة وقريبا سيلحقون بالدول المتقدمة في أوروبا وأميركا الشمالية... البرنامج الحكومي لكوريا الجنوبية يعتمد على دراسة مستفيضة للسوق الكورية، للأسباب التي من الممكن أن تخلق مشكلات في الأيدي العاملة، وتخطط برنامجها للتدريب المهني من خلال سياسة واحدة وإدارة واحدة لكل كوريا. هذا مع العلم بأن كوريا الجنوبية لديها عدد من المواطنين أكثر من البحرين بمئة مرة على الأقل...
أما الهدف الأساسي للبرنامج الكوري (الموحد) فهو «خلق الوظائف ودعم القطاع الخاص»... والحكومة الكورية لا ترفض الاعتراف بشهادات معاهد التدريب لديها ولا تسلم هذه المعاهد لعدة وزارات لإدارتها... فهل لدينا حكمة أفضل من حكمة الكوريين؟ وإذا كانت هناك حكمة، فنرجو أخبارنا بها (أو أخبار البرلمان على أقل تقدير)
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 163 - السبت 15 فبراير 2003م الموافق 13 ذي الحجة 1423هـ