العدد 163 - السبت 15 فبراير 2003م الموافق 13 ذي الحجة 1423هـ

مرادي: لا نقص في النصوص... والخلل في العقول

ورقة نوقشت في مؤتمر الوفاق عن قانون الأحوال الشخصية

كانت ملفتة في مؤتمر الوفاق الأخير الورقة التي قدمتها عضوة الجمعية زهراء مرادي، وكانت ملفتة دعوتها إلى إصدار قانون موحد للأحوال الشخصية يكون موافقا للشريعة الإسلامية شرط أن يحتوي على ثلاثة أبواب بحيث يكون الباب الأول مخصصا للأحكام العامة المشتركة بين المذهبين السني والجعفري وأن يخصص الباب الثاني لأحكام المحكمة السنية والثالث لأحكام المحكمة الجعفرية وذلك حلا لإشكالية الفصل والتوحيد في قانون الأحوال الشخصية، إذ يتخوف بعض الرموز الإسلامية من ضياع الخصوصيات المذهبية في حال دمج المذهبين في قانون واحد.

ورأت مرادي أن قانون الأحوال الشخصية صادر لا محالة، ولامت مرادي الإسلاميين لعدم تبنيهم حركة النهوض بالمرأة لئلا يتركوا المجتمع هدفا لكل داعية غربي.

استهلت مرادي ورقتها بالقول: «لم يكرّم دين المرأة كما كرّمها الإسلام، فهي في الإنسانية كالرجل سواء بسواء ومع ذلك مازال وضع المرأة في عالمنا الإسلامي يصنف ضمن أسوأ أوضاع النساء في العالم، فالمرأة أضحت ضحية للمجتمع مرات ومرات، مرة حينما استبعدوها ومرة حينما أرادوا حمايتها، وثالثة ادعوا تحريرها فحرروها من كل قيد حتى من الشرف والأخلاق».

وأردفت: «نحن بصفتنا مسلمين لم تكن لدينا مشكلة نقص في النصوص المتعلقة بالمرأة، بل إن معظم مشكلاتنا تنبثق من ترك الأمور مرهونة بالنوايا الحسنة ودونما تفعيل للآليات المنظمة أو تطبيق للعقوبات على منتهكي تلك القوانين والأنظمة ولأن سنة الحياة هي التغير ولأن سير العدالة في محاكمنا الشرعية كان بطيئا حينا أو عاجزا عن تحديد اتجاهه حينا آخر كان لابد من المطالبة بالتغيير».

ما هو هذا القانون ولماذا الآن؟

وعرّفت زهراء قانون الأحوال الشخصية بأنه مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم من حيث صلة النسب والزواج والمصاهرة والحقوق والواجبات التي تنشأ عن هذه العلاقة في جميع مراحلها وتكمن أهمية هذا القانون أنه لا يتعلق بالمرأة وحدها بل يرتبط بشكل و بآخر بكل فرد في المجتمع».

وتساءلت زهراء: لماذا المطالبة بقانون الأحوال الشخصية؟ وأجابت بدورها: «جاءت المطالبة على إثر اللاتنظيم الحاصل في بعض الأحكام الصادرة عن محاكمنا الشرعية للأسف الشديد، ومنها على سبيل المثال تعدد الأحكام واختلافها في الوقائع المتشابهة وطول أمد مراجعة المحكمة والزواج بأخرى من دون علم الزوجة الأولى وطلاق الزوجة من دون معرفة السبب والتشديد في منح المرأة حق الطلاق».

وعددت مرادي الكثير من الأخطاء التي تسجل على المحاكم الشرعية، لتستعرض بعد ذلك جملة من المطامح التي يسعى إليها المطالبون بقانون الأحوال الشخصية، مثل: تحقيق المساواة للمتقاضين بخضوعهم لأحكام متماثلة من دون تمييز ومن دون إضرار بأحدهم، وتقصير أمد مراجعة المحكمة وتمكين المرأة من الدفاع عن نفسها في قاعات المحكمة وإنشاء صندوق للنفقة يتم تحصيلها من الأزواج وتحديد اختصاص المحكمتين الشرعيتين السنية والجعفرية عند تنازع الاختصاص وذلك في حال انتماء المتخاصمين إلى مذهبين مختلفين بحيث لا تفرض أحكام مغايرة لمذهب الفرد.

وقالت: «هناك سؤال غالبا ما تردده الشعوب المحافظة، لماذا الآن؟ فدائما هناك خطر محدق، فهناك قوى متربصة تريد بنا الشر!!». وتابعت: «إن رياح التغيير قادمة لا محالة والقانون سيصدر إن آجلا أو عاجلا... وإذا أدركنا في لحظة أننا خارج الزمن وأنه لا يمكننا مواكبته فلنتيقن أن الخلل يكمن فينا... وليس في شرعنا. أوليس هذا الدين ينضوي تحته الثابت والمتغيّر؟ فلماذا ظل كل شيء ثابتا من حولنا حتى تدخل الآخرون في شئوننا وفرضوا علينا ما يرونه صائبا؟ فقد كان الأولى والأجدى أن تكون مثل هذه المبادرات نابعة من رجال الشريعة والذين هم أحرص الناس على إحقاق الحق، لكن ـ للأسف الشديد ـ تبنت قلة منهم هذا المشروع».

القانون بين الرفض والتأييد

وتناولت مرادي مواقف الجهات المختلفة إزاء المطالبة بقانون الأحوال الشخصية والتي افتتحتها لجنة العريضة النسائية أمام وزارة العدل، منددة بعدد من المخالفات التي تراها في المحاكم الشرعية، وفي المقابل أصدر عدد من طلبة العلوم الدينية بيانا طالبوا فيه بتطوير القضاء الشرعي واتهموا المطالبين بالقانون بأنهم يسعون إلى القضاء على التشريع الإسلامي وتحويله إلى قضاء وضعي، واستعرضت كذلك رأي السيد الغريفي الذي أبدى أسبابا وجيهة للموقف المتشدد من كيفية صوغ هذا القانون في حال إعطاء حق صوغ القانون للمجلس التشريعي، لأن الدستور الذي يحكم التشريع في المجلس لا يفرض اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد.

وطرحت مرادي أيضا رأي الشملاوي «محامي» الذي يرى أن كل قوانيننا مستوحاة من قوانين الغرب، فلماذا لم يحرك أحد ساكنا إلا في قانون الأحوال الشخصية؟ وبدورها أجابت عن كل هذه المواقف، بقولها: «إن عدة دول إسلامية مثل لبنان ومصر أخذت بقانون الأحوال الشخصية، وان جمهورية إيران الإسلامية يمنع قانونها الزواج بالثانية من دون علم الزوجة الأولى، وهذا حكم ليس فيه تعارض مع الشريعة. أما بالنسبة إلى إشكالية عدم اعتماد الإسلام مصدرا وحيدا للتشريع فإن مسائل الأحوال الشخصية مرتبطة بالشريعة الإسلامية، ودستورا 1973 و2002 يؤكدان أن دين الدولة الإسلام، لذلك من غير المقبول الخروج عليه. أما عن رأي الشملاوي فإننا هنا نتساءل تساؤلا مشروعا: أوليس من حق فقهائنا أن يتشبثوا بآخر ما نحتكم إليه من الشريعة الإسلامية ألا وهو قانون أحكام الأسرة؟».

وتابعت: «ذهب الشيخ عيسى قاسم إلى أن تحويل الأحكام الشرعية إلى قانون سيحدّ من اجتهاد القاضي». وأردفت: «لكن في الواقع العملي فإن معظم القضاة عندنا لا يدعون الاجتهاد والفقاهة بل يستندون في أحكامهم إلى مجتهدين آخرين، فلا ضير في تقنين الأحوال الشخصية من هذا المنطلق». وأكدت مرادي ضرورة الوقوف ضد التشريعات البشرية التي تتعارض مع أحكام الله تعالى، كما في إلغاء تعدد الزوجات وإباحة الإجهاض وزواج المثل.

قانون واحد

وحددت مرادي قناعتها بـ «ان قيام مشروع واحد للأحوال الشخصية في البحرين يتضمن المسائل الخلافية بين المذهبين السني والجعفري سيعمل حتما على التقريب بين أبناء الطائفتين وتعزيز الوحدة الوطنية». وطالبت بصدور قانون مؤلف من ثلاثة أبواب بحيث يكون الباب الأول للأحكام المشتركة وفصلين للأحكام الخاصة بكل مذهب على حدة. وأكدت مرادي أنها من خلال قراءتها لقانوني الأحوال الشخصية وقانون أحكام الأسرة وجدت أن هناك حوالي 15 مادة من مواد هذين القانونين هي مواد مشتركة بين المذهبين، في حين انفرد المذهب السني بـ 8 مواد خاصة به وانفرد المذهب الجعفري بـ 5 مواد فقط. واختتمت بالقول: «إن الواجب يحتم علينا أن نفرّق بين قانون أحكام الأسرة المستنبطة من الشريعة الإسلامية وبين الممارسات الخاطئة الصادرة من بعض القضاة، كما أنه من الضروري العمل على ردم الهوة الحاصلة بين التشريع والممارسة في محاكمنا الشرعية عبر تعزيز موقف الشريعة وفق رؤى فقهية مقننة منضبطة وفق إشراف الفقهاء، كما تجب محاربة التسيّب واستغلال الحيل الشرعية لدى بعض القضاة

العدد 163 - السبت 15 فبراير 2003م الموافق 13 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً