العدد 162 - الجمعة 14 فبراير 2003م الموافق 12 ذي الحجة 1423هـ

متى يتغيّر حال قرى المحافظة الشمالية؟

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

من يصدق أن شارع البديع بقراه المتناثرة وهي تعد بالعشرات لا توجد فيه حديقة واحدة؟ كان المتنفس الوحيد له هو البحر، وتعال انظر فقط إلى ساحل البديع، تجده ساحلا مليئا بالقاذورات والأتربة والأحجار المبعثرة والأوساخ، هذا عدا عن قراه، مثل: بني جمرة والمرخ والدراز، فهي خارجة عن دائرة اهتمام المسئول، ولعل لعنة السياسة كان لها دور كبير.

آلاف من الشباب الضائع لا يوجد لديهم ناد صحي حقيقي واحد يزيل عنهم همومهم اليومية. فنوادينا تحولت إلى صالات أعراس، وهي كذلك لأنها خالية من أبسط التجهيزات الرياضية.

وليس ذلك غريبا، فعلى هامش قضية شارع المعارض أخذت كل إدارة وكل وزارة تلقي بمسئولية ما حدث على الأخرى، حتى قال المسئول الأول لمؤسسة الشباب والرياضة البحرينية: «إن دور المؤسسة ليس الاعتناء بالثقافة الشبابية وما إلى ذلك». هل تعلمون أن بني جمرة لا يوجد فيها نادٍ واحد، والناس حُرمت من النادي والبحر وحتى الحدائق والبساتين؟

مؤسساتنا ومراكز التثقيف لدينا أصبحت للواجهة الإعلامية والاجتماعية وللاستعراض الصحافي.

ابتسامات كثيرة لوزراء يقدمون إلينا القهوة صباح كل يوم ونتفاءل بها خيرا، غير أننا نكتشف في نهاية المطاف ان الابتسامة كانت مجرد ابتسامة صحافية للاستهلاك المحلي.

قد لا يصدق ذلك أحد، إذ لا توجد حديقة واحدة ولو متواضعة لكل هذه القرى التي يقدر عدد سكانها بالآلاف. ولكن ذلك هو الواقع، وأتحدى من يقول إن هناك مبالغة في التوصيف، ولعل ما بث في الصحافة قبل يومين عن الدراز يكفي مؤنة البحث.

الأطفال يلعبون في أي مساحة أرض ويستبشرون خيرا عندما يرون تعديلا لأرض هنا أو هناك، حتى يفاجأوا بأن كل هذا التنسيق والتأنيق إنما لأجل بناء وحدات سكنية إما للتجارة وإما للسكن الخاص. لذلك تجد أطفالا كثيرين أصبح مأواهم الوحيد للعب هو الشارع المبلط، هذا إذا وجد وإلا فمنطقة الدراز عندما تمر عليها تخال شوارعها سقطت ضحية حرب عالمية. شوارع مكسرة، نتوءات شاذة وغريبة، أتربة يصل طول بعضها مترا كاملا، أوساخ في كل مكان وفي كل شارع، وإذا سقط المطر يهاجمك الوحل من كل مكان. لا منشآت مجار، على رغم ان الوعد خرج منذ العام 1986م والناس موعودة بالتغيير؟! ولكن كانت مجرد «وعود» مسئولين في وزارة الأشغال أو البلديات التي مرت. بعض الأهالي مازال يمتلك قصاصات لتصريحات مسئولين في هذه الوزارات تعد الناس بتغيير هذه المناطق «المنكوبة» لما قبل 20 عاما، وهم يعيشون على استعراض التصريحات وبعد طول سنين ذهبت التصريحات وبقيت المنطقة على حالها.

لا نريد أن نتشاءم، ولكننا نعتقد أن التفاؤل كثيرا ما يخنق الحلم، ويبدد نشوة الأمل، وما يريده أهل المنطقة هو شيء حقيقي على الأرض، فما الذي يمنع من مباشرة العمل في مثل هذه الأيام حتى لا تصبح تصريحاتنا الموسمية تماما مثل ذلك الزهر الموسمي الذي «يراد» زرعه.

يتعجب المواطن، فبلدياتنا المحترمة قادرة على بناء حدائق لوحدات سكن الأجانب وتعجز عن بناء حدائق للمواطن؟ من يصدق أنه لا يوجد ملعب واحد لكرة القدم ولو متوسط التجهيز لأبناء هذه المنطقة؟ الغبن لا يزول بتصريح وإنما بممارسة على الأرض. من يصدق أنه لا يوجد إلا مركز صحي واحد لهؤلاء الآلاف من المواطنين، مليء بالنتوءات كوجه عجوز مصاب بالجذري؟ وماذا لو حدثت كارثة الحرب والقتلى - لا سمح الله - بالعشرات، ما هي استعداداتكم؟ من يصدق أنه لا يوجد إسعاف في هذه المنطقة؟ فإذا وقع حادث لا يأتي الإسعاف إلا بعد وفاة المصاب؟ فأين مستشفى السلمانية وأين هي المنطقة الشمالية؟ علما بأن خطة الطوارئ التي عرضت في الصحافة خطة فاشلة.

لقد وعد الوزير السابق لوزارة الصحة بإنشاء مركز آخر، وإن كان الناس يطمعون في مستشفى، فالمنطقة ذات كثافة سكانية، ولكن الوزير أصبح رئيسا لمجلس الشورى ولا نعلم إلى أين انتهى الأمر بالموضوع؟

الكل يعلم أن هناك موازنات رصدت لإعادة تأهيل هذه المناطق شبه المنكوبة، عرضت من قبل الدولة، ولكن ما العمل إذا كان هناك متنفذون همهم «البلع» و«التكويش» والاستقالة في الوقت ذاته أو الهرب!! ساعة الفضيحة وعلى رغم كل ذلك لا تسمع عن محاكمة.

المشكلة التي يعاني منها المواطن هي المحسوبية والانتقائية حتى في وضع المصابيح وتجميل الشوارع. فالمنطقة التي يسكنها وزير تتحول إلى واحة غناء في حين يبقى الآلاف يعانون الأمرّين من رصف شارع مليء بالحوادث. احتاج أهل بني جمرة إلى إشارة مرور بامتداد شارع بني جمرة - القرية لتنقذهم من شارع الموت، وبعد كل الالتماس تمخض الجبل فولد فأرا في حين وضعت إشارة جهة سكن الأجانب.

في سار مثلا، منطقة بكاملها بها المئات من بني البشر بلا شارع، بلا لافتة عادية تدل على المنطقة. فالمنطقة هذه تتحول إلى قطعة من الظلام وكأنها منطقة تسكنها الأشباح إذا ما عمها الليل.

نحن نؤمن بأن عقال المسئول في بعض هذه الوزارات ما عاد مكانا صالحا لتفريخ الأرانب، وما عاد يجدي الكثير من الكلام ولكن على رغم كل ذلك لم يبقَ لنا إلا الحرف ـ كمجتمع ـ نوصل به همومنا، وإلا فبماذا يفسر الابقاء على مناقصة يعرف مسبقا مدى الأموال المهدورة فيها على رغم كثرة العروضات الأقل كلفة؟ هذه الأموال الضائعة بالإمكان استثمارها في مثل هذه المشروعات.

إنها مأساة كبرى ولا يكاد يصدق ان هناك قرى تفتقر إلى بنى تحتية ومرافق مهمة أصبحت متوافرة في مدن وقرى أكثر الدول فقرا. هل سيعدل الوضع بعيدا عن التصريحات الموسمية التي عادة ما تنبثق ساعة اشتداد المجهول تجاه أي شبح أزمة سياسية أو حرب مقبلة؟ نتمنى ذلك.

مداخيل النفط الضخمة في الخمسينات والستينات وفي كل هذه السنين لم تبنِ لنا حديقة واحدة، لا حديقة زهور ولا حديقة حيوان ولا ناديا مثل بقية الدول، ولو كنت مكان وزير البلديات لأغلقت محمية العرين المليئة بالحيوانات النوعية من كل أنحاء العالم!!. يجب أن ندرك حقيقة واقعية: لا يمكن خلق سياحة عائلية بلا حدائق، بلا جمال مدن وقرى، بلا نظافة شوارع، من دون أندية متميزة. لقد اتخمنا الأراضي بالمباني ولكن الإعمار ليس ناطحات سحاب فقط، لذلك يجب أن نعطي ولو قليلا دورا لمجالس بلدياتنا التي ولدت ميتة لتحمل جزءا من الثقل، فالمجتمع لم يرَ إلا واحدا في المئة من دور هذه البلديات، ليس لها دور وتلك الوعود الانتخابية أصبحت في الأدراج، وخصوصا مع اختلاط الأدوار... هذه البلديات أصبحت مجرد ديكور، فقسم من هؤلاء الأعضاء بلا مؤهل والبعض بمؤهل مهمش، فضعف الطالب والمطلوب. هل يعقل أن يبقى بعض الأهالي يلحون على عضو المجلس البلدي في سار للحصول على مصباح إضاءة أو شارع يبلط أو إشارة توضع فيعجز النائب عن إقناع المسئولين في بلديات الـ 50 ألف زهرة؟ هل تبليط شارع يعد معجزة معرقلة للتنمية؟ إن بلدياتنا تحرج النواب بعدم الاستجابة لمثل هذه الأمور البسيطة. إن المجلس البلدي البحريني ولد ميتا، والدليل مرور كل هذه الأشهر بلا دور. والخطأ ليس فقط خطأ الدولة، وإنما خطأها إضافة إلى «كساح» بعض نوابنا الأفاضل في الأداء، فبعض هؤلاء لا يعرفون كيف يحرجون ويضغطون إعلاميا على الوزارة التي هي الأخرى تعاني من تخبط وعدم دراية. لقد بلغ التهميش وفاض حتى أصبح نكسة سياسية.

النواب محرجون أمام الرأي العام وبعض المتنفذين يهمهم إضعاف وإفراغ أية قيمة ديمقراطية في المؤسسات المجتمعية من عدم قدرة مؤسسات المجتمع المدني على نفع الناس إضافة إلى كل ذلك فإن كعكة البلدية وزعت رسميا وشعبويا بالقفز على قاعدة «الرجل المناسب في المكان المناسب» اللهم إلا من شذ وندر وأصبحنا نبيع الناس أنغام العزف على «أزهار الـ 50 ألف».

ألم أقل لكم ان هناك من يكسب من الجميع وفي كل المراحل؟ وهناك أناس يعرفون كيف تؤكل الكتف، ويمتلكون دقة معرفة «ما يطلبه المشاهدون».

إن هناك أسماء كانت نائمة طيلة كل المرحلة الماضية، وإذا بها تطفح على السطح في لحظة قياسية «عندما يصبح البحر هادئا يصبح قبطان كل سفينة بطلا».

قد يكون ذلك نقدا لاذعا ولكن هذه هي الديمقراطية: في الحرية يجب أن يعرف الناس كل شيء.

قد يعد ذلك خروجا على النص ولكن ذلك لا يمنع من البوح بتُسع الحقيقة إلى الناس، وأصبح لزاما عدم الصمت على هذا الهذيان الحاصل وهذه الحمائمية في تبني القضايا، ويجب ألا يكون الناس ضحايا لأي ارتجال في الخطاب، لأي خطاب.

الناس أوقفوا كالأغنام الحزينة أمام اتهامات (حادث شارع المعارض)، ولم نسمع بيانا واحدا في حين أتخمناهم بمهرجانات فلكلورية.

وقعت المحسوبية في توزيع كعكة المناصب الإدارية في مجلس البرلمان، ولم نرَ مساءلة واحدة!

الجوع يفتك بالناس، الفقر ابتلع عوائل كريمة، الشباب الجديد أصبح ينفر من خطابنا القديم ولم يعد يجد نفسه فيه، وعلى رغم ذلك لم يتغير الكثير. إلى الآن «الخمس» يصنع كروشا في حين آلاف الفقراء من «السادة» يبيتون جوعى ومنهم يتامى، ومازلنا نخاف المساءلة واقتحام هذه المحرمات المهولة. مازلت أذكر نقد المفكر السوداني حسن الترابي عندما كان ينتقد الحركة الإسلامية بقوله: «إن الحركة الإسلامية قادرة على حشد الجماهير، وليست قادرة على بلورتهم إلى برامج عملية». هناك حكمة سسيولوجية مفادها: «الجماهير تكفر بأية حركة تعجز عن حل مشكلاتها المعيشية». لقد انتهى زمن «أنا» وجاء دور المؤسسات

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 162 - الجمعة 14 فبراير 2003م الموافق 12 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً