العدد 162 - الجمعة 14 فبراير 2003م الموافق 12 ذي الحجة 1423هـ

نظام أميركي قديم

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الحديث المتكرر هذه الأيام بشأن عزم الولايات المتحدة اقامة نظام عالمي جديد قائم على التدخل المباشر واستخدام القوة ضد أي طرف لا يخدم المصالح الأميركية انما هو نظام قديم سلكته الولايات المتحدة وجلب إليها الويلات الواحدة تلو الأخرى.

في الماضي كانت الوسائل السرية أو شبه العلنية هي الوسيلة التي تتبعها الولايات المتحدة، أما اليوم فان الوسائل العلنية هي الأساس. فلقد كانت أجهزة المخابرات تتعامل مع القتلة والسفاحين والمجرمين في مختلف البلدان، وكان لهذه الأجهزة موازنة سنوية تتحدث عن عدد الاغتيالات التي سيقومون بها وعدد القتلى (من غير المستهدفين) الذين سيسقطون. وهؤلاء هم الذين يطلق عليهم الأميركان «Collateral Damage»، وهم الأبرياء الذين يرميهم حظهم في موقع (مثل ملجأ العامرية) يستهدفه الأميركان. وبعد فضائح عديدة في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات قررت الإدارة الأميركية تقليل الاغتيالات والقتل وقررت دعم بعض البرامج الداعية إلى الحياة الديمقراطية. وفرض بعض أعضاء الكونغرس على الإدارة أن تنشر تقريرا سنويا يتحدث عن حقوق الإنسان في كل بلد لكي يستطيع الكونغرس التعرف على الوجه الآخر للدول الحاصلة على الدعم الأميركي. وهكذا بدأنا نقرأ تقارير سنوية عن حقوق الإنسان في كل بلد، وشاهدنا كيف أن هذه التقارير ليس لها مفعول على السياسة الخارجية الأميركية، إلا إذا كان البلد الذي يقول عنه التقرير انه ينتهك حقوق الإنسان من البلدان المشمولة بالغضب الأميركي لعرقلتها واحدة من «المصالح الحيوية الأميركية».

في نهاية العام 2000 دعت مؤسسات في الولايات المتحدة إلى عقد مؤتمر في العاصمة البرازيلية تحت عنوان «المؤتمر العالمي للديمقراطية» وحضر هذا المؤتمر أفراد الجمعيات الأهلية من قرابة 120 دولة من أنحاء العالم، بما في ذلك الدول العربية وفلسطين و«إسرائيل». وهكذا بدأت مداولات المؤتمر المملوءة بالحكم الديمقراطية وبالمفاهيم الانسانية وبتجارب ما يقارب 120 بلدا في تطوير الممارسة الديمقراطية أو النضال من أجلها... حتى وصل المؤتمرون إلى موضوع فلسطين. وفي هذا التقاطع ثارت ثائرة المنظمين الأميركان الذين منعوا أي ذكر لفلسطين أو الفلسطينيين. وعندما حاول بعض العرب والمسلمين مقاطعة قارئ البيان الختامي للاشارة إلى الوضع الفلسطيني ونضال الفلسطينيين من أجل الديمقراطية رفض المنظمون ذلك رفضا قاطعا معتبرين ذلك خارج اطار «المؤتمر العالمي للديمقراطية».

وهكذا كانت الرسالة واضحة جدا. فالديمقراطية هي لرومانيا والتشيك وروسيا والدول الأخرى التي لا يتعارض الحديث عن الديمقراطية فيها مع المصالح الأميركية. ومن أهم المصالح الأميركية بالنسبة إلينا نحن الذين ولدنا في مناطق تعتبرها أميركا «مصالح حيوية» وجود مصادر الطاقة في بلداننا ووجود كيان صهيوني معاد لكل المفاهيم الانسانية والديمقراطية، وهذا الكيان هو جزء من «الديانة» الأميركية الحاكمة، وأي اعتراض على هذا الكيان الصهيوني هو اعتداء على «ديانة» الإدارة الأميركية.

وهكذا نعيش هذه الأيام على مشارف بدء الحرب الأميركية على العراق لتبدأ مرحلة التنفيذ المباشر للنظام الأميركي غير الجديد، وهذا ما أخاف الدول الأوروبية الأخرى التي خشيت من آثار السيطرة المباشرة على مصادر الطاقة على مستقبلها الاقتصادي والسياسي. أما نحن فلسنا سوى «Collateral Damage» ضحايا سنقع «قتلى» أو «أسرى» أو «سكان مناطق» ستسيطر عليها الإدارة الأميركية بالقوة وستنفذ سياسات نظامها القديم التي كانت تنفذها بوسائل غير مباشرة.

ولعلنا نسهل على الأميركان عملهم كوننا نعيش في بلدان محكومة بالدكتاتورية وفي بلدان لا تستطيع الاجتماع لاتخاذ قرار حاسم تجاه مصيرها... غير أن كل ذلك لا يمكن أن يقلب الحق باطلا والباطل حقا

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 162 - الجمعة 14 فبراير 2003م الموافق 12 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً