العدد 161 - الخميس 13 فبراير 2003م الموافق 11 ذي الحجة 1423هـ

البطالة والتنمية البشرية

خليل عبدعلي خليل comments [at] alwasatnews.com

صرخة قوية مدوية أطلقها العاطلون عن العمل وهم يعتصمون على مدار أسبوع كامل أمام وزارة العمل والشئون الاجتماعية، وهي بمثابة الاستنجاد وارسال اشارات الخطر المحدق بأوضاعهم المعيشية وقدرتهم على الاستمرار في الحياة. ارتفع نداؤهم إلى السماء وراح يطوف المدن والقرى، يوقظ العقول، ويوصل إلى المسئولين والمعنيين رسالة مفادها أن أوضاع العاطلين في تدهور، ويجب مراعاتها والالتفات اليها قبل أن تزداد سوءا.

ليست البحرين هي الدولة الوحيدة التي تعاني من أزمة البطالة، وهي مشكلة عالمية تختلف نسب البطالة فيها في الدول المتقدمة والنامية، ويبان مدى البون الشاسع بين الدول الغربية التي استطاعت أن تقلل نسبة البطالة إلى أقل من 4 بالمئة (وهي النسبة الآمنة للبطالة)، والدول النامية في آسيا وإفريقيا ودول أميركا اللاتينية التي ترتفع فيها معدلات البطالة بنسب خيالية، يكاد بعدها المرء أن يتخيل أن نصف المجتمع مشلول وتجمدت فيه الحياة.

فقضية البطالة، موضوع شائك ومعقد، ويحتاج إلى دراسة علمية مستفيضة ترصد أعداد العاطلين وتوزيعهم، واحتياجات السوق واستيعابه، وعدد الأفراد العاملين فيه، ومنتجات السوق، وناتج الاقتصاد المحلي، وتأثره باقتصادات الدول الكبرى، وغيرها من العوامل المؤثرة في هيكل القوى العاملة، بحيث تتكون قاعدة بيانات شاملة يمكن على ضوئها بناء برنامج عمل، أو منطلق لاستراتيجية تحوي أعداد المتخرجين من الكليات الجامعية وطلبة المعاهد.

والبطالة هي جزء من نسيج عدة مؤثرات وعوامل في المجتمع، سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية، ولا يمكن فصلها عن الظواهر الأخرى التي تحدث في المجتمع، وهي مرتبطة بشكل مباشر بمفهوم التنمية البشرية الذي يشمل حياة البشر ومختلف الأنشطة التي يقومون بها. ويقوم هذا المفهوم على أن «البشر هم الثروة الحقيقية للأمم، وأن التنمية البشرية هي عملية توسيع خيارات البشر».

فالتنمية البشرية لا تنتهي عند تكوين القدرات البشرية مثل: تحسين الصحة وتطوير المعرفة والمهارات؛ بل تمتد إلى أبعد من ذلك حيث الانتفاع بها سواء في مجال العمل من خلال توفر فرص الإبداع، أو التمتع بوقت الفراغ، أو الاستمتاع باحترام الذات وضمان حقوق الإنسان، أو المساهمة الفاعلة في النشاطات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية ونظرا إلى كل ذلك أصبحت التنمية البشرية توجها إنسانيا للتنمية الشاملة المتكاملة وليست مجرد تنمية موارد بشرية.

وفي حال تحقق أهدف التنمية البشرية، تنعدم البطالة ولا يكون لها وجود أصلا، وهي حال مثالية. والأمم المتقدمة تسعى في اتجاه تحقيق تنمية بشرية عالية، والذي يعني تحقيق موازنات اقتصادية وتطوير أداء الفرد وفعاليته، وبالتالي ازدهار اقتصادي، وانقاص نسبة البطالة.

ومراجعة الأسس التي تسير العملية الديناميكية في الاقتصاد والمجتمع، ستشكف أماكن الخلل والأسباب التي تؤدي إلى اخلال وظيفي للحال الطبيعية لنمو السوق المحلية وقدرتها على استيعاب العاطلين، وهو يرتبط بشكل أو بآخر بمفهوم التنمية البشرية.

ولفتني أثناء إعداد الملف، أن الدول المتقدمة تفرد مساحة كبيرة من الاهتمام والعناية لخريجها، وأن الرؤى والبرامج الموضوعة لمستقبل البلاد الاقتصادي والموجهة لاحتواء العاطلين مبنية على أسس علمية بحتة تخضع لقوة الأرقام والحسابات. وأذكر أنه أثناء الكلمة التي ألقاها مدير معهد بيكر للدراسات في جامعة رايس والسفير الأميركي السابق إدوارد دجيرجيان في مكتبة الأسد بدمشق تعليقا على نتائج حوادث 11 سبتمبر/أيلول، قام بإيجاد صلة بين الذين قاموا بتفجير برجي التجارة الأميركية وموضوع البطالة، مشيرا إلى أهمية التنمية البشرية إذ قال: «أعتقد أننا يجب أن نكون أكثر حذرا في هذا (ما حدث من تفجير) وأن ننظر إلى ما ننجزه على الأرض. وأحد العوامل التي يستغلها المتطرفون هو عدم وجود تقدم اقتصادي واجتماعي وهذا ما أشير إليه بالظلم الاجتماعي عندما يكون هناك بطالة. هناك فجوات كبيرة في مداخيل في بعض البلدان التي لا تقدم الأنظمة التعليمية ولا تنتج الخريجين من مستوى يمكنهم من الإسهام إنتاجيا وإيجابيا في هذه البلدان ما يسبب إحباطا عميقا في المجتمعات ولذلك فإن التنمية الاقتصادية والاجتماعية في نظري هي عوامل مهمة للغاية إذا كان لنا أن تقترب من هذه المشكلات».

وإذا ربط دجيرجيان موضوع البطالة بتفجير برجي التجارة العالمي، فماذا تبقى لنا نحن؟

العدد 161 - الخميس 13 فبراير 2003م الموافق 11 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً