كثيرة هي الجرائم وكثير هم روادها، وقد تتحمل الذاكرة الانسانية وجع ذكرى مؤلمة لمرأةٍ، لرجلٍ، لمجتمع لكنها سرعان ما تنهار عندما تكون الذكرى محمّلة بدمعة طفلٍ راح ضحية ذئب بشري اغتصب طفولته، أو صرخة طفلة انتهك جمال طفولتها وبراءة جسدها وحش بشري كاسر استغل اهمال الأبوين وغياب الأمن ونوم القانون وانشغال المجتمع ليزرع طفلا في بطنها ظلما وعدوانا ليهرب - كما هو أعدّ الخطة سلفا - من سوط القانون - ان كان هناك ثمة سوط - أو ليشوه نفسا بريئة ليخلق فيها عاهة نفسية قد تنهار - إذا لم تعالج علميا وسيكولوجيا - أمام أية تجربة - ولو زواجية - في الحياة.
لأن الأرقام مخفية - ليسلم الشرف السياحي من الأذى - يغيب الوجه الحقيقي لمشكلة «التحرش الجنسي بالأطفال» وعلى رغم الصور المأسوية التي يتناقلها الناس والصحافة من تعرض الأطفال للتحرش الجنسي والتي لا تخلو عادة قائمة أبطال الفاعلين حتى من أقرب المقربين ومن «المحارم» الا انه مازالت الأرقام الحقيقية غير معلنة. ربما لم تصل إلى مرحلة الظاهرة ولكن مؤشراتها أيضا لا تدل على أنها صغيرة ويبقى السؤال المنبثق من كواليس المشكلة ومن عتمة تلك الزوايا المظلمة التي لم تقتحمها الصحافة: «هل ما يصلنا هو كل شيء؟». بالطبع لا فهناك صور مرعبة آثر آباء عدم نشرها أو تناولها خوفا على «السمعة» حاولت أن أحصل على حلول علمية في الكتب النفسية القيمة مثل (الطفولة المنحرفة) أو كتاب (التحليل النفسي للمراهقة) لعبد الغني الديدي. أو كتاب (علم التربية وسيكولوجية الطفل) لعبدالعلي الجسماني أو كتاب ( التحليل النفسي للأطفال) لميلاني كلاين فوجدت بعض الحلول سنأتي إليها لاحقا لكن الجميع يتفق على مسألة مهمة يجب ايصالها إلى الطفل بطريقة تربوية علمية في الحفاظ على خصوصيته فالنصيحة التي تقدم للآباء والأمهات:
«علموا أبناءكم الحفاظ على أنفسهم إذ يجب عليكم ان تُفهموا الطفل كيفية المحافظة على خصوصية جسدة وملابسه الداخلية وعدم الثقة لمن حوله من المراهقين وان كانوا محارم بطريقة متوازنة» هذا اجراء وقائي من عدة اجراءات يمكن لنا من خلالها أن نتوافر على مجتمع آمن ومستقر». لهذا ينبغي أن يهتم الآباء والأمهات بأبنائهم وأن لا تغيب عنهم تلك الأسئلة الاحترازية من وقوع أبنائهم ضحايا للمخدرات أو العبث الجنسي أو الفساد الخلقي أو الضياع من قبيل:
- أين يجلس الطفل؟ من يعاشر؟ من هم أصدقاؤه؟ أين يذهب؟ مع من يسهر ويقضي وقته؟ هل يعاشر مراهقين مشبوهين؟
- مع من يذهب في المدرسة، في الرحلة، في القرية، في المدينة، في النادي؟
- ما هي التغيرات الجديدة على سلوكه وما هي أسبابها؟
تبقى ملاحظة مهمة وهي يجب عدم تهويل الأمر والوقوع في فخ الشك ولكن يجب أن نعي مسألة مهمة أن «ظاهرة التحرش الجنسي» بالأطفال تحتاج إلى حل وعلاج ووقاية تربوية وعلمية ومؤسسية ومنابر جادة وجرأة في العلاج. كثير من الأطفال ذهبوا ضحايا اهمال الأسرة أو جهلها فانتهى مستقبلهم الدراسي والخلقي والمجتمعي بسبب ذلك وبسبب ذئاب يبحثون عن ضحايا وان كانوا أطفالا أبرياء. فتعويد الطفل بالمبيت خارج المنزل يعزز من ضياع خيط المراقبة والاتصال بالطفل وقد يكون بداية لسقوطه في شرك مراهق أو مفترس كبير يعاني من أزمات خلقية.
وظاهرة التحرش بالأطفال ظاهرة آخذة في الازدياد ففي كرواتيا أثبتت دراسة أعدت عن (حالات الاغتصاب والتحرش» أن واحدة من كل 4 فتيات تعرضن للاغتصاب على يد أقاربها وأن كل واحد من 6 شباب يتعرض للاغتصاب.
يجب أن لا يعيش الآباء هوسا جنونيا في ذلك ولكن يجب أيضا أن لا يضعوا بيض الثقة كله في سلة واحدة، فالأفلام الخلاعية والمسلسلات المدبلجة وما يعرض في سوق الجنس أصبحت عوامل منشطة لاقتراف الجرائم الجنسية. فهذه «الأبيوقرية» الشهوانية الحادة تفرض أيضا رقابة حادة حتى نستطيع أن نحفظ أبناءنا من قطّاع الطرق ممن يبحثون عن صيدٍ هنا وهناك وما طقوس جماعات (حزب الشيطان) إلا دليلا على فضائح القرن العشرين. لا شك أن مثل هذه الجرائم الخلقية تترك آثارا سلبية على ذهن الضحية وحتى على نفسيته فبعض الأطفال يكبر فتكبر في نفسيتهم الجريمة وتترك ندوبا غائرة على روحيتهم هذا إذا لم تعبث بها فيتحولون إلى مستقبلين الجرم ذاته وهنا تقع الكارثة الكبرى عندما يقوم الجاني بخلق جرائم جديدة لأبرياء قد يتحولون إلى جناة أيضا في يوم من الأيام. وهنا يأتي دور الأسرة والمصحة النفسية والدولة في علاج مثل هذه القضايا.
بعض الأطفال يصاب بالانزواء والرغبة في العزلة والبعض يبتلى بذات المرض ولكن كل ذلك لا يعني أن نترك الحل وأن نيأس من انتشالهم.
كما وأن بعض الاطفال وبسبب - الترغيب أو الترهيب من الآباء أو المجتمع أو الجاني - كذلك دفنوها في قلبهم مخافة المجهول أو العقاب أو الفضيحة.
ولكن على رغم كل ما يقال يبقى أن الأسرة تتحمل مسئولية كبرى في كل ما يحدث.
بعض الأسر تلقي بأبنائها - وبسبب التفريخ الذي لا يمكن استيعابه - على قارعة الطريق، و«الطريق» أصبح المؤسسة الفعلية التي في عصر العولمة - تمارس فعلها وخطوطها المباشرة على تربية الطفل... في البحرين تمر بالمدن والقرى ترى أطفالا منثورة هنا وهناك بين زوايا البرادات، والمجمعات والمقاهي بطريقة مفزعة وحتى ساعة متأخرة من الليل وتجدهم يسرحون ويمرحون عرضة لأي خطر بشري والآباء والأمهات اما في العمل لإكمال قسط «القرض» أو يسرحون في السوق، والخدامة «الأم الجديدة» هي الأخرى منشغلة «بحبيبها» البائع في برادة القرية ليعوضها عن الغربة والوطن.
والضحية في كل ذلك هم الأطفال عندما يقعون في يد الذئاب الجدد الذين لا يبحثون إلا عن اطفاء مطامعهم وإن كانت منسلخة عن الانسانية.
علماء النفس يقولون إن 90 في المئة من المصابين تترك الجريمة عليهم آثارا نفسية تارة تصل إلى عاهة نفسية.
والمفزع في الأمر أن نسبة كبيرة من المعتدين، لهم صلة قرابة بالطفل. بعض الحالات يكون المجرم فيها وبطل الجريمة هو الخال أو العم أو ابن الخالة أو الجار وهكذا تبدأ السلسلة وخصوصا من المراهقين. هناك مشكلة حقيقية هو أن الكثير من أسرنا تعيش حال من اللامبالاة أو الثقة الزائدة من القريب وتتخذ من المظهر الخارجي حكما على هؤلاء الأشخاص وهذا خطأ. فالتوازن أمر مهم ولكن الحذر والوقاية أهم
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 161 - الخميس 13 فبراير 2003م الموافق 11 ذي الحجة 1423هـ