العدد 161 - الخميس 13 فبراير 2003م الموافق 11 ذي الحجة 1423هـ

أوروبا... والمسألة التركية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في فضاء الانقسامات الدولية على الحرب ضد العراق برزت المسألة التركية من جديد لتطرح مجموعة استقطابات أوروبية ـ أوروبية. فالموضوع التركي ليس جديدا وإنما أعيد تجديده أميركيا في لحظة تريد واشنطن فيها اختبار التضامن الأوروبي في مسألة حساسة جدا وفي ظرف غير مناسب. أميركا تريد تركيا قاعدة انطلاق لقواتها البرية من الشمال وهذا يتطلب حماية أوروبية. أوروبا (أو نصفها) ترى أن طلب الحماية محاولة أميركية لتوريط قارة (الحلف الأطلسي) في معركة ليست معركتها. وتقديم الحماية إلى عضو في الحلف يعني عمليا استدراج دول الأطلسي إلى حرب تخطط واشنطن لخوضها وتحتاج إلى تغطية أوروبية لإضفاء شرعية عليها.

الانقسام الأوروبي ـ الأوروبي ليس سببه العراق فقط وإنما تركيا أيضاَ. فمن يريد الحرب وافق على طلب الحماية ومن يرفضها امتنع عن الموافقة. فالانقسام على طلب الحماية الذي تقدمت به تركيا يعني في أسبابه البعيدة الانقسام على الحرب ضد العراق. وأميركا أرادت من وراء دعمها الطلب التركي استكشاف الولاءات الأوروبية ونوعية الاتجاهات قبل أسبوع من انعقاد مجلس الأمن للاستماع إلى تقرير هانز بليكس النهائي عن مسألة «تعاون» العراق في موضوع القرار 1441 ونزع «أسلحة الدمار الشامل».

أوروبا هي حقل اختبار للقوة الأميركية في العالم. فإذا وافقت القارة الأولى على السياسات العامة لواشنطن فمعنى ذلك أن القارات الأخرى باتت في متناول اليد أو هي على الأقل باتت مضمونة في هامش المناورات الدولية التي تتبعها الولايات المتحدة في أكثر من مكان وتحديدا في منطقة استراتيجية وحساسة هي «الشرق الأوسط».

حماية تركيا ليست مسألة مهمة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فهي قادرة بمفردها على تأمين الغطاء الجوي والصاروخي لحليفها الإقليمي، وهي أيضا على علم بمدى قدرات العراق العسكرية. وتعرف تماما أن إمكانات بغداد في ظل الحصار محدودة إلى درجة لا تستطيع تهديد أي طرف مجاور. فالمسألة ليست حماية تركيا بل اختبار مدى تجاوب الحلف الأطلسي مع الحرب التي تخطط لخوضها.

المسألة إذن معركة أميركية ـ أوروبية اختارت واشنطن فتحها من الباب التركي. فتركيا تقليديا هي الخصم التاريخي لأوروبا وحتى الآن لاتزال العواصم الأوروبية تتذكر الجيوش العثمانية واقفة على مداخلها تطرق أبوابها. وعلى رغم انهيار السلطنة العثمانية وتراجع تركيا وتقلصها إلى دولة عادية فلاتزال أوروبا تعلن في كل مناسبة مخاوفها من الخطر التركي المحتمل أو المقبل. تركيا تحولت زمنيا إلى «فزاعة» تستخدمها الدول الأوروبية لتخويف شعوبها في وقت باتت فيه العاصمة الأناضولية مجرد دولة من الماضي تحتاج إلى مساعدات لتغذية اقتصادها المنهك.

اختارت أميركا الباب التركي لاختبار مدى جدية الحلف الأطلسي في الوقوف معها في حربها على العراق. واختيار تركيا ليس مصادفة، فهي حصان واشنطن في أوروبا. ومن أنقرة تضغط أميركا دائما على العواصم الأوروبية نظرا إلى حساسية الموقف وما يحمله من ذكريات تاريخية. فأميركا تريد أن تضرب أوروبا في المناطق المؤلمة، وتركيا هي ميدان المعركة لأنها تكشف نقاط ضعف الهوية الأوروبية وحساسيتها التاريخية من حليف (عدو) جغرافي يربض على أكتاف «الشرق الأوسط» ويطل مباشرة على الحدود الإيرانية ـ العراقية. ومن يسيطر على تركيا يحصل على أفضلية استراتيجية للسيطرة على العراق وإيران.

أميركا تريد تركيا إلى جانبها حتى تمنع أوروبا من دخولها وكذلك تراهن عليها كحصان «طروادة» تريد الدخول منها إلى الاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية.

هذا في السياسة العامة (البعيدة المدى) أما في السياسة الخاصة (القريبة المدى) فإن طرح موضوع طلب الحماية ليس القصد منه حماية تركيا بل حماية القوات الأميركية التي تريد أن تنطلق من الأناضول لاجتياح بلاد الرافدين. واشنطن تريد تغطية أوروبية لإضفاء شرعية دولية على حربها. وما تقرره أوروبا في نهاية الأمر هو مدخل لتسوية المشكلة العالقة في مجلس الأمن. والتفاهم المتوقع بين أميركا وأوروبا على مستوى حلف الأطلسي يمكن سحبه أو الاستفادة منه لإعادة إنتاج تسوية دولية في مجلس الأمن.

المعركة في الحلف الأطلسي هي منطقة اختبار وميدانها تركيا. والتسوية التي ستنتهي إليها ستكون هي القياس السياسي لتسوية أخرى يتم التحضير لها في مجلس الأمن.

مراقبة نتائج معركة الحلف الأطلسي مهمة لأن تلك الاستقطابات الأوروبية ستقرر في النهاية اتجاهات قرار مجلس الأمن الجديد في شأن العراق

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 161 - الخميس 13 فبراير 2003م الموافق 11 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً