إذا كان هناك مشروع فاشل منذ إعلان الاستقلال في العام 1971، فلا يوجد أكثر جدارة من مشروع البحرنة. فمنذ الاستقلال وحتى اليوم تكرر الحديث عن البحرنة وعن تدريب 10,000 مواطن في مطلع الثمانينات، ثم عن التدريب المهني ومساعدة الباحثين عن عمل، إلى مرحلة الانفتاح عندما تم تعيين إحدى شركات الاستشارات لدعم برنامج توظيف البحرينيين.
وزارة العمل في حيرة من أمرها، فهي إذا أصدرت قرارات تلزم بها التجار توظيف البحرينيين وجدت نفسها أمام عوائق عملية كثيرة، وشكاوى من فقدان القدرة التنافسية. ولذلك فإن ردود فعل القطاع الخاص تجاه القرارات الأخيرة لوزارة العمل كانت متوقعة، وخصوصا ان القرارات صدرت بأسلوب فوقي مصحوب بشعارات دعائية جميلة تتحدث عن بحرنة عدد من القطاعات بمستوى مئة في المئة.
المشكلة ليست فقط في أن القرارات فوقية، وإنما لأنها جزئية وليست ضمن خطة وطنية متكاملة. والمشكلة هيكلية في الأساس وتتعلق بسوق العمل وبالأسلوب الذي تتبعه الحكومة لمعالجة هذه القضايا.
فمن جانب تسيطر وزارة العمل على القطاع الخاص فقط، وليست لها علاقة بالقطاع العام. القطاع العام من صلاحيات «ديوان الموظفين»، والديوان مسئول عن موظفي وعمال جميع الوزارات ماعدا وزارتي الدفاع والداخلية. وهذا يعني أن في البحرين ثلاثة أنظمة حكومية للتعامل مع موضوع التوظيف والعمالة: نظام للقطاع الخاص ونظام للقطاع العام ونظام للقطاعين العسكري والأمني.
هذا التفريق في الأنظمة ينتج عنه خلل في أسلوب التعامل مع البحرنة، وعدم توازن في الضوابط والمسئوليات والصلاحيات. ثم هناك سوق العمل التي لا تلتزم بالمساواة، بل إنها تعتمد على الطبقية. فالأميركي والأوروبي لهما أفضل الامتيازات والعلاوات التي لا يحلمان بها في بلديهما، كما لا يحلم مواطن بالحصول عليها إلا فيما لو قرر (واستطاع) الالتحاق بفئة صغيرة جدا من المجتمع لها وسائلها الخاصة من أجل الثراء السريع من دون تعب.
ثم هناك في أسفل السلم الطبقي البنغلاديشي والسيرلانكي والهندي والباكستاني الذين يعاملون بطريقة استهجانية من دون أي حقوق. وأسوأ صنف من هذه الطبقة «الفري فيزا» الذين يستوردهم البعض ليرميهم في السوق البحرينية للقيام بكل أنواع الأعمال من غسل السيارات إلى البناء إلى كل الأنشطة التي لا تتطلب مهارة بقدر ما تحتاج إلى عضلات. وهذا الصنف رخيص جدا والمستفيدون ليسوا فقط الذين استوردوهم مقابل دفع مبالغ شهرية، وإنما أيضا أصحاب الأعمال الذين يبحثون عن أيدٍ عاملة رخيصة ليست لها حقوق، وما بين الطبقة العليا والطبقة الدنيا يوجد المواطنون الذين بدأت الحياة تضيق على كثير منهم، وأصبح هناك 15 في المئة منهم من دون عمل، وكثير منهم يحصل على معاشات قريبة من معاشات الطبقة الدنيا من العمالة السائبة.
ثم وبعد ذلك، هناك السوق الخليجية التي تستخدم العمال الأجانب وتنافس بعضها بعضا على كلفة ساعة العمل.
ولذلك فإن الإجراءات التي أصدرتها وزارة العمل وحاولت من خلالها التركيز على جزء محدود من سوق العمل، لا يمكن أن تنجح. فالمسألة بحاجة إلى سياسة حكيمة ومتكاملة، والبرلمان بإمكانه التحرك ولو قليلا باتجاه مراجعة النظم الحكومية جميعها في محاولة لتوحيد سوق العمل وإصدار قانون عمل يرفع من كلفة العامل الأجنبي في مقابل أن يستفيد الوطن من الرسوم الإضافية في تدريب المواطنين، وليس في دفع معاشات البيروقراطية المترهلة.
وفوق ذلك، فإن البحرين بحاجة إلى حكم القانون، فمع اختلاف الأنظمة وعدم وجود سوق عمل واحدة، هناك من لا تسري عليه أي من القوانين والإجراءات، وما لم يعم القانون الحكيم جميع الناس فإن الفائدة من وجود القانون تنعدم
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 161 - الخميس 13 فبراير 2003م الموافق 11 ذي الحجة 1423هـ