هل تتحول الاقتراحات (الأفكار) الفرنسية - الالمانية إلى مبادرة دولية مدعومة من روسيا والصين لسحب الاسلحة من العراق بإشراف الامم المتحدة وقوات «القبعات الزرق»؟
هذا الاحتمال بدأ يشق طريقه وسط الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة مدعومة من بريطانيا واسبانيا وايطاليا.
إلا أن هذا الاحتمال يحتاج إلى طرفين ليأخذ نصيبه من النجاح. الاول: موافقة عراقية واضحة على نقاط الاقتراح. والثاني: مبادرة عربية تكسر حاجز الصمت (الخوف) الذي يخيم على رؤوس الانظمة. فالخروج العربي من السلبية مضافا اليه استعداد بغداد للقبول بالحد الادنى لانقاذ العراق من حرب «الدمار الشامل» يعطي شرعية اقليمية على موقف دولي مقاوم للهجوم الاميركي. ويحتاج إلى غطاء عربي - عراقي ليتحول إلى مشروع يمكن ان يوافق عليه مجلس الامن.
الكرة الآن في الجانب العربي وعلى الدول العربية ان تختار بين مرارة الكأس ودمار القنبلة... واسوأ موقف هو أن تقعد متفرجة على مباراة: الرابح فيها ليس العرب والخاسر بالتأكيد هو العراق ومن بعده الدول العربية... دولة بعد دولة.
القبول العربي - العراقي بالاقتراحات الفرنسية - الالمانية يعطي قوة لمعنى الممانعة الدولية والتصدي الذي بدأ يتحول إلى جبهة سياسية ضد الهجوم الاميركي. والمبادرة العربية - العراقية تعطي دفعة معنوية لسياسة دولية جديدة كانت تنتظر لحظة تاريخية للاعلان عن قيامها. الآن جاء ت الفرصة وعلى الدول العربية ألا تقعد في مقاعد المتفرجين فتخسر اللحظة في الوقت المناسب وتدخل عالم «الفوات» الزمني ليكسب غيرها تلك الفرصة الزمنية. إنها ضربة حظ وربما شاء القدر ان يمتحن الدول العربية من جديد، وعلى العواصم العربية ان تبادر إلى التقاط اللحظة وقول قولها في معركة هي في النهاية ميدانها السياسي، إذ تختبر الدول الكبرى قوتها في ساحة ليست ساحتها.
أمام الدول العربية فرصة لاعادة تجديد نفسها والدخول باعتبارها طرفا في معركة تاريخية لا يصمد فيها سوى القوى التي تستحق ان تبقى في مسار زمني لا يعلم الا الله أين نهايته.
وعلى الدول العربية ألا تترك قيادتها للدول الكبرى، الا انها تستطيع من خلال قراءة تناقضات المواقف الدولية وتعارضاتها ان تختار مستقبلها في ربط مصالحها بسياق دولي يقوم على فكرة التوازن واستراتيجية المشاركة (المحاصصة) في عالم بات يتقارب، والولايات المتحدة تريده متباعدا حتى تسهل عملية سيطرتها وتفردها في الهيمنة.
فرنسا لا تخوض معركة العرب بل معركتها، والمانيا كذلك، ومعها روسيا، واخيرا انضمت الصين إلى الثلاثي. وبدأت اوروبا تنشق على نفسها وتنقسم إلى محورين: احدهما أوروبي - أوروبي، والآخر أوروبي - أميركي.
المعركة ليست معركة العرب انها معركة «النظام الدولي الجديد» والمصادفة اختارت الدول العربية (بدءا بالعراق) ان تكون ميدان التجربة واختبارا للقوى في صوغ مستقبل عالم يتحول من هيمنة القطب الواحد إلى تعدد الاقطاب. انها معركة تاريخية ومن يدخلها يدخل التاريخ الجديد للعالم ومن يقعد ينظر إلى مختلف الاتجاهات باستثناء ميدان المعركة - وهو مكان اختبار الامم الحية مدى استعدادها للمضي في رحلة الزمن - يخرج من التاريخ ويصبح مجرد كتلة ضخمة من البشر يعيش على هامش عصر يصنعه ابناء الحياة.
الدول العربية ليست ضعيفة بل استضعفت نفسها وهي تتصرف وكأنها فقدت الرغبة في البقاء والصمود واعادة تجديد نفسها في معركة تحصل في عقر دارها. فالمعركة ليست معركة العرب بل معركة العالم ومستقبله، وربما كان من حظ الدول العربية ان المصادفة الجغرافية والسياسية اختارتها لتكون في مقدمة القوى التي تخوض تجربة اعادة تأسيس النظام الدولي الجديد ونقله من القطب الواحد إلى الاقطاب المتعددة.
الولايات المتحدة لن تتنازل وستخوض معركتها الاخيرة مستخدمة كل الذرائع. فالحرب على العراق أصبحت حاجة نفسية - داخلية للادارة الاميركية. والادارة الاميركية وضعت نفسها في معركة اختبار دولية لارادتها.
فرنسا والمانيا وروسيا وأخيرا الصين، تنتظر الاجتماع الطارئ للاتحاد الاوروبي الذي دعت إليه اليونان الاثنين المقبل حتى تنال موافقة على اقتراحاتها وتتشجع في تقديمها مشروعا دوليا بديلا عن المشروع الاميركي.
على الدول العربية ان تتحرك قبل ان تفوتها اللحظة الزمنية وتبادر إلى انتزاع موافقة عراقية على الاقتراحات.
العراق يبدو أنه يميل إلى رفض المبادرة الفرنسية - الالمانية وعلى الدول العربية اقناعه أن المسألة تجاوزت سيادة العراق ونظامه... انها معركة كبيرة تشمل المنطقة كلها وهي بداية لتأسيس مشروع جديد يكسر نظام القطب الواحد
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 160 - الأربعاء 12 فبراير 2003م الموافق 10 ذي الحجة 1423هـ