العدد 160 - الأربعاء 12 فبراير 2003م الموافق 10 ذي الحجة 1423هـ

المعهد الديني: التحصيل العلمي يجب أن يرتبط بالدين والدنيا

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

مع بدء نشاط المعهد الديني الجعفري تكون البحرين خطت خطوة أخرى باتجاه تعزيز المواطنة التي تتضمن المساواة في المعاملة. وعلى رغم أنني من المؤيدين لدمج المعهدين في معهد واحد، فإن التعقيدات المرتبطة بأمور الوقف و«المذهبية» حالت دون ذلك. ولذلك فإن المعهدين يقع على عاتقهما توفير مناهج دينية بحسب المذاهب المتبعة لدى البحرينيين مع تأكيد التقريب والتقارب، والتسامح والقبول بالآخر.

وهكذا هي البحرين على رغم الظروف السياسية القاهرة في كثير من الأحيان، فهي البلد الذي كان ومازال يحتضن جميع البحرينيين من دون استثناء. والأمل يحدونا بأن يكون المعهد الديني جديدا في أساليبه أيضا. إذ أن التعليم الديني في البحرين له تراث ممتد حتى صدر الإسلام، ولابد لهذا التراث من إحياء ولكن بروح العصر الجامعة لكل البحرينيين.

التدريس في البحرين على النهج الحديث بدأ مع مطلع القرن الماضي، ولكن التدريس «على النهج القديم» كان في البحرين ووصل إلى قمته في عهد الشيخ ميثم البحراني المتوفى في العام 1299م.

على أن التحصيل العلمي القديم لم يكن يفصل بين «الديني» و«الدنيوي»، ولذلك فإن كتب التاريخ بما فيها «لؤلؤة البحرين» (للشيخ يوسف البحراني) تتحدث عن علماء البحرين الماضين الذين كانت لديهم اهتمامات بالفلك والفلسفة والطب والعلوم التي كانت متوافرة في زمانها. بل إن كتاب «قانون الطب» لابن سينا كان يدرس في المناهج العلمية حتى قرنين من الزمان، ما يدل على ترابط العلوم الدينية والدنيوية في ذلك الزمان، وعدم التفريق بينها. والتاريخ يحدثنا أن الجامعات الكبرى في التاريخ قبل ألف عام كانت لدى المسلمين في جميع الحواضر الإسلامية من بخارى إلى بغداد والحلة إلى القاهرة إلى المغرب العربي إلى الأندلس، وكانت تجمع العلوم المختلفة التي أبدع فيها المسلمون بجدارة، ومازالت آثار تلك الإبداعات معنا حتى يومنا هذا.

غير أنه ومع بدء تخلف المسلمين منذ قرابة الخمسة قرون تساقطت تلك العلوم «الدنيوية» الواحدة بعد الأخرى، وبدأت المعاهد والجامعات والحوزات العلمية تتجه شيئا فشيئا نحو علوم الحديث والقرآن واللغة وغيرها. ونتج عن ذلك ابتعاد بين علوم الدين والدنيا، وهذا ما نراه واضحا لو قارنا ما أنتجه إسحق نيوتن مع إنتاج أكبر فلاسفة المسلمين المعاصرين له في ذلك الزمان (منتصف القرن السابع عشر الى مطلع القرن الثامن عشر) وهو الملا صدرا، فنرى الفرق واضحا جدا. إسحق نيوتن كان فيلسوفا و «متدينا» ولكنه اكتشف قوانين الفيزياء التي نقلت العالم من فهم قديم إلى فهم جديد ودشن بذلك الاختراعات المرتبطة بالقوانين التي أخذت اسمه والتي أعطتنا كثيرا مما لدينا الآن.

الملا صدرا على الجانب الآخر أبدع كثيرا في استخلاص مفاهيم جديدة عن «المعرفة» ولكنه أيضا كان يتجه بعيدا عن «الانشغال» بالعلوم التجريبية (التي ابدع فيها نيوتن)، بل نصح بالابتعاد عنها.

المحاولات الحديثة لإعادة ربط علوم الدين بالدنيا كثيرة وأهمها ما جرى في الجامع الأزهر، ومحاولة الإمام محسن الحكيم تأسيس جامعة الكوفة قبل أن تلغي الحكومة العراقية المشروع في العام 1969، وتأسيس الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا وجامعة الامام الصادق في ايران وبعض المشروعات المشابهة الأخرى. الا ان اكثر المحاولات مازالت دون المستوى المطلوب لمواكبة التطور الحضاري المعاصر.

ولذلك فإننا مطالبون بإعادة إحياء أسلوب التحصيل العلمي المتطور وعدم فرض قوقعة «مذهبية» أو «وقفية» تفصل العلوم الدينية عن العلوم الدنيوية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 160 - الأربعاء 12 فبراير 2003م الموافق 10 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً