العدد 160 - الأربعاء 12 فبراير 2003م الموافق 10 ذي الحجة 1423هـ

بين جاذبية التلقي وممكنات الإبداع

إيقاعات الذات لفهد حسين...

لوحظ حديثا أن أصوات عديدة بدأت تأسف لواقع الكتابة الإبداعية في البحرين، وتشكو من تراجعات ملموسة في الكم والكيف الإبداعي المحلي. ويبدو أن هذه التأسفات الغاضبة تأتي على خلفية شيوع بعض الكتابات والأسماء المتطاولة على حرم الإبداع، والتي تحاول بجسارة فاضحة إكراه النقد وجمهور المتلقين على تصنيفها ضمن القيم الإبداعية التي تستحق التثمين والمباركة. وفي الجهة الأخرى فإن ضعف حركة النقد الأدبي والثقافي، وضمور السجالات النقدية الراقية بين المثقفين والمبدعين، وعدم الاعتناء بمتابعة الجاد ورعايته... أدى إلى تذويب الذائقة الفنية وتفسخها، وأغرى المتطفلين وضعاف المبتدئين بركوب الموجة الهائجة واعتلاء ما شاءوا من مقامات شعرية وأدبية، إذ لا حسيب ولا رقيب وليس من ضمير نقدي يوخز في النفوس والعقول!

هذه الخلفية الشائكة وتبعاتها المحبطة تسمح بتوقير الكتابة النقدية التي يتوافر عليها الكاتب البحريني فهد حسين، لاسيما مع تأهله الأكاديمي وكونه يمارس الفعل النقدي وفق خيار تطبيقي مفتوح ومتعدد، من دون أن يلتجئ مطلقا إلى النظرية والتحديدات الجاهزة، وإنما يؤسس علاقته مع النقد انطلاقا من معايشة النصوص والارتياح العام إليها. توجد الأدوات النقدية ومفاهيمها في كتابة فهد حسين للاشتراك في إشباع رؤية نقدية يكونها التلقي الجمالي، هذا التلقي الذي تفرضه علاقة المتلقي/القارئ، ولذلك تأتي القراءة النقدية في الغالب تأسيا بالولع أو الدهشة التي تنطبع إثر الانشداد الأول. القراءة النقدية هنا تبحث لها عن الاتساق التأويلي المناسب الذي يعزز سلامة الانشداد وصواب الدهشة الأولى. ويبدو أن مسلكا مثل ذلك يتوجه في المقام الأول نحو الاحتفاء بالانطباع والتمثل الذاتي المتجانس مع الرؤية المراد تقديمها أو إبرازها، من دون أن ينفي هذا الملمح القيمة التأويلية النبيهة التي يكونها الكاتب استنادا إلى بحث مديد في الحقول اللغوية والدلالات البائنة في النصوص وتجميعها سوية من أجل القفز بها نحو الدلالات الكامنة والأكثر عمقا. هذا الاجتراح القرائي في الوقت الذي يعي المنظومات النقدية الحديثة، ويمنح النص مداه الطبيعي في الإفصاح والتمكن، إلا أنه يعطي الواقع الخارجي قيمته المرجعية في تفسير النص واستكشاف إشاراته الضمنية، وفك الشفرات التي تندس بين الجمل والأبنية اللغوية. ومن هنا يصح بيان المؤلف في مقدمة الكتاب والرامي إلى تثبيت حقيقة أنه لم يكن في وارد التأسي برؤية نقدية معينة، وإنما هو بصدد تقديم قراءات تطبيقية للنصوص اهتداء بجاذبية التلقي وممكنات الإبداع التي يقدمها النص ويتسنى للناقد/المتلقي إمساكها والتعرف عليها.

غير أن أسلوب كتابة النقد عند فهد حسين تبتلي بشيء من الانشقاق في التراكيب الجملية، إذ تجد مصفوفات لغوية موجوعة بقدر واضح من التكلف وقساوة التركيب. ويمكن استشعار هذا الأمر من ملاحظة التوصيفات النظرية المنسوجة بألفاظ ومصطلحات غير ممسوكة بإطار لفظي متماسك، فعندما يستهل قراءته لمجموعة أمين صالح (الطرائد) يقف عند مفهوم (الكتابة) فيقول: «الكتابة جسد متكامل الأعضاء متوحد الدلالات المتقاطبة والمتآلفة لتحيي السؤال الحائر في خضم المخزون المعرفي بين ما هو واجب الطرح، وما هو مرفوض البوح به...» يعتريني وأنا أقرأ هذه الجمل شعور بأن فهد حسين ينقل لنا مسوداته الأولى من دون تنقيح، أو كأنه بإزاء اكتظاظ لفظي يخفق في إدارته وتوزيعه بالعدل والإحسان. وعلى رغم أن هذه الملاحظة - من دون أدنى شك - لا ترتقي لنقض قيمة تناولات فهد حسين النقدية، وتقصر على ثنينا عن رؤية الجميل والمبدع في لمساته النقدية؛ إلا أن إجادة الكتابة النقدية تستدعي أكثر من غيرها إتقان أسلوب الكتابة والبحث عن جودة اللغة وانسيابها.

(إيقاعات الذات) قراءات متنوعة في السرد العربي، وقد تناول الكاتب بالتحليل النقدي قصة (الحصار) لعبدالقادر عقيل، ومجموعة (الطرائد) القصصية لأمين صالح، ومجموعة (رأس العروسة) لمحمد عبدالملك، ومجموعة لحمد النعيمي وأخرى للسعودي عبدالعزيز الصقعبي. كما شملت القراءات رواية (أغنية الماء والنار) لعبدالله خليفة، ورواية (النواخذة) لفوزية السالم، ورواية (وردة) لصنع الله إبراهيم، ورواية (أيام يوسف الأخيرة) لعبدالقادر عقيل . وهذه الأعمال صدرت خلال الفترة من 1982 إلى العام 2000م، وهو ما يحكي عن مواكبة مقدرة لأهم مراحل تطور السرد العربي الحديث، كما اعتنت النماذج المختارة بالأعمال البحرينية مما يمنحها خاصية حسنة على صعيد متابعة الإبداع السردي المحلي.

فهد حسين إيقاعات الذات... قراءة في السرد العربي. بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2002، 126 صفحة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً