العدد 160 - الأربعاء 12 فبراير 2003م الموافق 10 ذي الحجة 1423هـ

ماذا ستفعل الليبرالية الجديدة بالنساء؟

المرأة والعولمة

كريستا فيشتريش صحافية ألمانية وخبيرة في قضايا التنمية الصحافية الاجتماعية، كتبت عدة كتب عن واقع النساء في العالم في ظل العولمة ولأهمية ما تحتويه هذه الكتب من معلومات نرى لزاما على نسائنا أن يكن حذرات جدا قبل الخوض في أي جديد قادم إلينا من الغرب، ولنؤكد قبل قراءة هذا الموضوع أن الدين الإسلامي شرف المرأة وأعطاها قدرها ومنحها الحماية والهيبة والاحترام.

وهذا ما تؤكده تلك الكتب التي تشرح حال المرأة وتأثيرها على المرأة، وفي إعادة قراءة لما تقدمه في كتابها: المرأة والعولمة من، ترجمة سالمة صالح نجد أنها تقدم صورة قاتمة ورهيبة عن آثار العولمة على نساء العالم العاملات وتضيء الزوايا المظلمة لملايين البشر الذين يستهلكون عمرهم لقاء كسب يومي مجبول بالعرق والألم والظلم والاضطهاد، لم نكن لنتخيل أن ما نقرأه من حقائق لما يجري في ظلمات الأقبية وفي ظلمات الشوارع ومايجري فيها من سحق ومن اغتصاب لإنسانية نساء هذا القرن حقيقة واقعة قبل أن نقرأ التقارير الأخيرة عن العولمة والتقدم الذان تتبجح بهما الدول الغنية، وأن ملايين الفقراء في معظم بلاد العالم تدفع ثمن هذا الغنى السريع، ولعل هذا ما يدفعنا لأن نحترم مواريثنا وتقاليدنا التي تحافظ على المرأة المسلمة والتي يقف حجابها كمارد قوي من دون من يحاول سحقها وضمها لمئات الالوف ممن لا يرون في الشريعة الإسلامية بديلا من أجل التقدم والتحضر،وفي الروح خوف شديد يجتاحنا على بناتنا وأجيال المسلمات القادمة التي ندفعها للعمل بحذر، ولكننا بهذا العرض نحاول أن نقدم لها البرهان الذي يؤكد أنه علينا أن نتعلم من أخطاء غيرنا وأنه على كل مواطن يحمل أمانة الدين والعلم أن يحارب وحوش الرأس مالية الذين يتحكمون بأموالهم بمصائر آلاف مؤلفة من البشر يسخرونهم بالأجرة باسم العولمة والاقتصاد والتطور والديموقراطية، ففي السنوات الأخيرة قفزت أعداد تشغيل النساء عالميا في جنوب شرق آسيا من 25 إلى 44 في المئة، وأصبحت عملية (تأنيث التشغيل) الثمن الذي تدفعه النساء.

ما بين عامي 1970 -1990 سجلت بعض البلدان العالمية أسرع زيادة في صادرات البضائع وأكبر نمو قفزت أيضا أعداد تشغيل النساء في ظروف عمل بائسة - قليل من الحقوق - الحد الأدنى من الأجور وليس ثمة ضمان جديد للعيش، إنهن خاضعات لظروف عمل مستهلكة للطاقة - رتيبة - يقفن في الشمس - يجرين حول المعمل في قيظ الظهيرة - يركعن أمام رؤسائهن - تلصق أفواههن بالبلاستر حين يتحدثن كثيرا وخلال عمل ثماني ساعات يسمح لهن بشرب الماء مرتين وبالذهاب لدورة المياه مرة واحدة إلى جانب قائمة الإجراءات التأديبية الجماعية - وكثيرا ماتكون أماكن العمل مهددة للصحة لقاء أجور زهيدة لاتكفي قوت اليوم الواحد، وكلما ازداد ضغط تأمين العيش وعدم وجود بديل بالنسبة للنساء كلما أصبحن أكثر طواعية في قبول أكثر لظروف عمل بائسة وأكثر قابلية للإبتزاز وأكثر طاعة في موقع العمل .

لماذا يكون عمل النساء الرخيص دائما لوحة القفز إلى السوق العالمية ؟ مثلا وضع مندوب لمنظمة مراقبة العمل الأمريكية في فيتنام العام 1997م بعد جولة في المعامل التي تزود (نايك) في فيتنام، تذكر بطرق معسكرات الاعتقال إضافة إلى تاكتيك الحط من الكرامة قسرت النساء أشهرا طويلة على العمل ساعات إضافية ولم يحصلن حتى على الأجر الشهري الأدنى وهو 70 ماركا - وشركة نايك للأحذية الأنيقة تضع في ثلاثين بلدا 350 معملا أكثر من أربعة أخماسها في آسيا يخيط 400000 ألف إنسان - 90 في المئة منهم نساء - الرمز الرياضي في آسيا وأكثر من الثلثين في إندونيسيا والصين.

صور متناقضة

أما مع عاملات النسيج في كمبوديا ففي ديسمبر/كانون الاول 1996م جرى إضراب للمرة الأولى بعد فتح حدود البلاد، احتجت عاملات النسيج على الأجور التي لا تسد الرمق وساعات العمل المبالغ في طولها من دون يوم عطلة دافعت في مدينة هوش وحدها 12000 ألف عاملة عن أنفسهن، ومنذ العام 1995م تكافح النقابيات في بنغلاديش من أجل يوم عطلة واحد في الأسبوع - بأجر شهري 70 ماركا بينما لا يكسب موظف متوسط لدى الحكومة 50 ماركا - بينما تحتج هؤلاء النساء على زيادة العمل تشكو عاملات الصناعة في كوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند من النضوب، وتوقف الأعمال فتعمل النساء في البيت أو في الساحات الخلفية تحت ظروف أكثر سوءا من تلك التي في المعامل وفيها الحد الأدنى من الأجور وقوانين حماية العمل والبيئة ولا أثر للرعاية الصحية وحماية الأمومة والضمان الاجتماعي ويمكن تشغيل الأطفال هنا من دون أن يلحظهم أحد، وكذلك المهاجرين من دون إقامة شرعية.

هل هي ضربة تحرير أم عمل قسري - في بنغلاديش يشكلن عبئا اقتصاديا على أسرهن وإنما يصبحن كسبا اقتصاديا، وللتقييم الاجتماعي معنى مزدوج تحترم النساء بصفتهن كاسبات للنقود، ومن جهة أخرى يحتقرن لأنهن خرقن قواعد وأخلاق العادات والتقاليد حين يخرجن للعمل إلى وقت متأخر من الليل .

وفي هندوراس لا تستطيع النساء التصرف بالدخل الذي يكسبنه، فالأزواج ينتظرون في يوم دفع الراتب أمام بوابات المعمل ويقبضون المبلغ وتوقف بعض الرجال حتى عن العمل منذ أن بدأت النساء بالكسب، واستغلت العاملات في بانكوك بشكل مماثل ومنهن من تركهن رجالهن حين فقدن عملهن ولم يعدن قادرات على إعالة العائلة.

يحتاج تضامن النساء العالمي في السوق العالمية إلى طرق وأدوات جديدة - كي تستطيع الحد من المظالم الفظة والظروف السيئة وينبغي الجمع بين هذه الأدوات العالمية لحماية حقوق العمل مع تعاون عابر للحدود بين النقابات ومنظمات المستهلكين وحقوق النساء لبناء قوة مضادة لسلطة اللاعبين العالميين غير المراقبة بشكل متزايد ولوضع حدود لمنطق السوق من خلال تعليمات اجتماعية وبيئية.

عالم الخدمات

ومن خلال الفصول الستة تنقلنا كريستا إلى عدة عوالم استخدام المرأة في المجتمعات العالمية مثل : عالم الخدمات أو مجتمع الخدمات، وفيه نقرأ ما يجري من امتهان للمرأة العاملة في مجال قطاع الخدمات والذي كان المتسبب الرئيسي في (أنثنة العمل) المعززة بالاحصائيات إذ يعمل في دول السوق الأوروبية 79 في المئة من مجموع النساء العاملات في الخدمات بينما يعمل 17 في المئة فقط في الصناعة، و4 في المئة في الزراعة والاتجاه ينخفض في كليهما - وأحدثت العولمة التمييز بين الجنسين في سوق العمل في لمح البصر - مهن تقوم بدور الدليل للجنسين من دون تغيير غريب 80 في المئة من النساء يتركزن في 25 من 376 مهنة تأهيل المعروضة في ألمانيا غالبيتها في قطاع الخدمات والنساء هن الطليعة لأشكال العمل الجديدة المرنة، هناك تنتشر طرفة تقول: (إن الرئيس كلينتون تباهى في حملته الانتخابية العام 1996م باستحداث ثمانية ملايين فرصة عمل تقدمت امرأة من الجمهور وقالت لدي ثلاث منها) وبالفعل لدى 3,6 ملايين امريكية أكثر من عمل لأن عملا واحدا لايحقق دخلا يضمن العيش - الكسب الفردي المختلط والاقتصاد المختلط المنتشر في بلدان الجنوب - يوجد في ألمانيا 5,3 ملايين مكان عمل مؤقت لـ 89 في المئة من العاملين فيها هن من النساء، أما في اوروبا فتحتل الهولنديات 78 في المئة بنسبة 4، 37 في المئة من مجموع أماكن العمل، وأعمال الخدمات كثيرة ومتعددة وهي تؤسس المشروعات بنسبة 57 في المئة في مجال الخدمات، وبنسبة 30 في المئة في التجارة معظمها في بيع الزهور، وبيع مواد التنظيف والتجميل، وعاملات الدعاية والإعلان، والبائعات في المخازن، وكذلك النادلات في المطاعم وهذه جميعها وظائف لا تحتاج إلى التأهيل ويعرضن خدماتهن فيها بأجر زهيد وهناك المؤهلات في العمل المكتبي المعتمد على الكمبيوتر ففي ماليزيا يشهد ازدهارا، إذ تجلس النساء على الكمبيوتر ويحصلن في نهاية كل شهر على شهادة بنتيجة عملهن - وكذلك عمل النساء المخصصات للعمل في الهاتف بشركات الطيران، إذ يتعين على النساء إجراء ما لا يقل عن 150 محادثة في اليوم لا تزيد كل محادثة عن ثلاث دقائق ويطبع الكمبيوتر كل ساعة عدد ما تم من المكالمات التلفونية ويراقب المشرفون بصورة إضافية مقدرة النساء في التواصل خلال المحادثات، وهكذا لم يتحقق الأمل في تغيير التكنولوجيات العالية ولا في عصر الكمبيوتر سوى تقسيم العمل الروتيني والغاء الرتب لعاملات غالبيتهم من الكاتبات البعيدات، يعملن كالنمل لتوصيل المعلومات في أجور متدنية، بينما يبقى الرجال هم الأبطال غزاة التقنية في هيئة المنقبين، فانخفضت لهذا عدد العاملات في هذه التقنية وعدد مستخدمات النفورماتيك في الانترنت، وفي تجارة استغلال الجسد والاتجار بالنساء وهو صناعة عالمية تمتد من فنزويلا إلى الأكوادور والولايات المتحدة الأميركية وإلى اسبانيا وبلدان السوق الأوروبية - فالفتيات تأتي من بورما - لاوس - فيتنام - وجنوب الصين، وأظهرت دراسة أن أكثر من 20 في المئة من هؤلاء النسوة تراوحت أعمارهن ما بين 12-17 سنة فقط ويهبط عمر الفتيات الجديدات في سوق الجنس في كل مكان هبوطا سريعا، في بانكوك كثيرا ما ترقص فتيات في سن العاشرة ويذهب مليون طفل كل عام ضحية لسياحة الجنس والدعارة المنظمة باسم (البيدوفيلية)ويمكن شراء الفتيات الشابات لصناعة الجنس في النيبال وبنغلادش وبورما وكثيرا ما يجري بمعرفة الأبوين اللذين لم يترك لهما الفقر بديلا آخر للدخل وعلى العكس في البانيا تقوم العصابات المسلحة بالهجوم على الأسر وتختطف الفتيات لممارسة الدعارة في إيطاليا، وعصابات تجارة النساء هي شركات عالمية تحقق أرباحا تبلغ المليارات وتجارة النساء هي جزء متكامل للجريمة المنظمة عالميا والمرتبطة غالبا بتجارة المخدرات والسيارات فكثيرا ما يدفع ثمن السيارة المسروقة في اوروبا الشرقية بالنساء.

اللبرلة الجديدة

وفي الوظائف الجديدة للدعارة في بولندا يبلغ عدد الرجال المعينين ضعف النساء لكن بولندا هي بلا ترانزيت للروسيات وهناك أشكال جديدة للدعارة مثل دعارة نهايات الاسبوع للطالبات والفتيات الشابات من بلدان اوروبا الشرقية، وهناك دعارة الشوارع، ودعارة الجنس الهاتفي المنتشرة في بولندا بشكل فاحش، وفي المناطق العربية تصل النساء إلى تركيا لتعرض في روسيا وجورجيا على سياح والسكان، وكذلك تشكل نساء غانا ونيجيريا وزائير القادمات إلى غرب اوروبا ثم نساء أميركا اللاتينية وخصوصا من جمهورية الدومينيكان أو بورما، وهكذا نرى منتجات العولمة التي تجمع المجتمع ذات الدرجات المختلفة من الحداثة وذات الطابع الثقافي المختلف .

وهكذا ففي كل صفحة من هذا الكتاب الذي تبلغ عدد صفحاته 222 صفحة فضائح جديدة لجميع أشكال العولمة التي يؤكد رؤساء الحكومات الذين التقوا العام 1996م والتقوا في هذا العام في قمة الدول السبعة في ليون مطلب العولمة في أن تكون (نجاحا وفائدة للجميع) واعتبر الكسب في مجال التشغيل والتخلي عن التقاليد قرائن على أن النساء يربحن من اللبرلة وإزالة الحدود بين الأسواق والثقافات، وفي مسابقة المنافسة العالمية تستغل المرأة المعولمة من دون ضمير مثل مادة خام طبيعية، إنها العاملة على أساس القطعة في صناعات التصدير، والمهاجرة التي تعود بالعملة الصعبة من الدعارة والعروس، الكاتالوج في أسواق الجسد والزواج العالمية، والماصة لتقليص النفقات الاجتماعية، والتكييف الهيكلي بالعمل الطوعي، تنتج العولمة الليبرالية الجديدة متناقضات وفوارق إذ تخلق نموا أو رفاهية وتلتهم في الوقت نفسه الضمانات الاجتماعية، وكما يؤكد اتحاد النقابات العالمي مرادفا للبطالة قلة العمل والفوارق المتزايدة - ولا تفي العولمة الليبرالية الجديدة بالنسبة لغالبية النساء بمطالب العدالة والرفاهية المتضمن أنها لعبة الربح الموعودة، وإنما تخلق مستقبل الفوارق في جميع أنحاء العالم.

من كتاب: المرأة والعولمة تأليف: كريستا فيشتريش ترجمة: سالمة صالح منشورات الجمل كولونيا 2002





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً