العدد 159 - الثلثاء 11 فبراير 2003م الموافق 09 ذي الحجة 1423هـ

مأزق الشارونية

علي العبدالله comments [at] alwasatnews.com

.

على رغم الانتصار الذي حققه الجنرال/ القاتل ارييل شارون في انتخابات الكنيست فإنه عاد إلى النقطة التي هرب منها، بالدعوة إلى انتخابات مبكرة، حكومة ائتلافية متنافرة الاتجاهات والالوان. فشارون الذي ضاعف مقاعد حزب الليكود في الكنيست السادس عشر، امامه معضلة كبيرة: تشكيل حكومة ائتلافية جديدة ذات صدقية محلية واقليمية ودولية قابلة للحياة وتساعده على مواجهة الاستحقاقات السياسية والاقتصادية التي خلفتها التقاطعات الداخلية والخارجية.

لقد افرزت سياسته في السنتين الماضيتين نتيجتين هما:

1- فشل السياسة الامنية والقبضة الحديد في قهر ارادة الفلسطينيين وجلبها المزيد من العنف والدماء ضد الاسرائيليين.

2- دخول الاقتصاد الاسرائيلي في اسوأ ازمة عرفها مند خمسين عاما، إذ انكمش نمو الناتج الوطني العام بنسبة 0,9 في المئة في العام 2001 وبنسبة 1 في المئة العام 2002، مع توقع استمرار الانكماش هذا العام، وارتفع معدل البطالة الى 10,4 في المئة مسجلا أعلى المعدلات في تاريخ «اسرائيل»، بينما قفز هذا المعدل بين عرب اسرائيل إلى 22 في المئة، وفقد الشيكل 13 في المئة من قيمته، وعاد وفقد 4,2 في المئة في الشهر الذي سبق الانتخابات بسبب فضائح الفساد، وارتفع التضخم إلى 7 في المئة.

وأرجع المحللون الاقتصاديون الاسرائيليون اسباب الركود الى الانتفاضة الفلسطينية بنسبة 80 في المئة، بعد ان تراجع نشاط القطاع السياحي بنسبة 80 في المئة، وتراجع قطاع البناء، وانخفاض الاستثمارات الاجنبية (قدر بنك اسرائيل الخسائر بـ 13 مليار شيكل = 3 مليارات دولار). وكان الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الجنرال عوزي دايان حذر قبل استقالته في سبتمبر/ ايلول الماضي من ان الاقتصاد الاسرائيلي لن يستطيع تحمل العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين لفترة طويلة.

وقدر الاقتصاديون الاسرائيليون حاجة اسرائيل الى تقليص الانفاق بنحو 15 مليار شيكل (حوالي 3,5 مليارات دولار) للابقاء على مستوى عجز الموازنة عند حدود 3 في المئة من الناتج الوطني العام.

ترتب على هاتين النتيجتين نشوء حال تناقض في اسس السياسة الشارونية. فعدم العودة إلى التفاوض مع الفلسطينيين وانجاز اتفاق معهم سيفاقم الازمة الاقتصادية، وتدهور الوضع الاقتصادي سيرفع الثمن السياسي الذي قد تطلبه واشنطن مقابل تقديم دعم مالي جديد (طلبت «اسرائيل» مساعدة اضافية قدرها 4 مليارات دولار وضمانات قروض مصرفية قدرها 8 مليارات دولار) سواء كان ما تطلبه تهدئة في المنطقة أو التحرك في اتجاه التسوية بما في ذلك تطبيق خطة الطريق الاميركية التي تقود في نهايتها إلى قيام دولة فلسطينية أو وقف اقامة مستعمرات في الاراضي الفلسطينية.

وهذا وضع القاتل شارون في مأزق. فإذا شكل حكومة بالتحالف مع اليمين فإنه يضمن حكومة لها (90 مقعدا) ولكنه سيجد نفسه في وضع غير مريح في علاقته مع الادارة الاميركية التي قد تطالبه بإجراءات سياسية ازاء الفلسطينيين لن ترضى احزاب اليمين عنها والتي ستسقط الحكومة وتعيد شارون إلى اجراء انتخابات مبكرة ترهق الاقتصاد الاسرائيلي المرهق.

واذا شكل حكومة بالتحالف مع العمل (19 مقعدا) وشنيوي (15 مقعدا) فإنه سيشكل حكومة لها (70 مقعدا) في الكنيست ولكن قيامها مرتبط بثمن سياسي سيطلبه حزب العمل الذي يدعو إلى انسحاب فوري من قطاع غزة والعودة إلى طاولة المفاوضات، بينما يطالب شنيوي بإخلاء المستعمرات في الاراضي الفلسطينية والعودة إلى التفاوض، وفصل الدين عن الدولة وتحرير المجتمع الاسرائيلي من سلطة الحاخامات والسماح بحياة طبيعية يوم السبت (عطلة اليهود)، والغاء المخصصات الاجتماعية للطلاب الدينيين من الحريديم، والغاء استثنائهم من التجنيد في الجيش، وبالسماح بالزواج المدني واستيراد الطعام غير المطابق للشريعة اليهودية... الخ. وهذا يتعارض مع قناعاته السياسية ويفقده جاذبيته في المجتمع التي جعلت منه ملك «اسرائيل» الذي سيجلب لها الامن والسلام من دون تنازل للفلسطينيين من جهة، وتحافظ له على علاقاته الطيبة مع الادارة الاميركية من جهة ثانية.

لذلك وجد القاتل شارون نفسه في مأزق فهو لا يريد حكومة يمينية متشددة لأنها ستتركه تحت رحمة احزاب دينية تنطوي نظرتها على ضيق أفق ومصالح محدودة ولا تتفق مع طبيعة المرحلة المقبلة في «اسرائيل» والمنطقة والعالم ولا يستطيع اقامة حكومة بالتحالف مع العمل وشنيوي لأنها ستخرجه عن قناعاته السياسية ازاء القضية الفلسطينية. ولا تسمح المعطيات بتشكيل حكومة «معتدلة» من احزاب متعددة الاهواء والمشارب السياسية

العدد 159 - الثلثاء 11 فبراير 2003م الموافق 09 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً