العدد 159 - الثلثاء 11 فبراير 2003م الموافق 09 ذي الحجة 1423هـ

لماذا لا نقول «لا»؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل صحيح أن الدول العربية غير قادرة على منع الحرب إذا قررت الولايات المتحدة خوضها؟ وهل صحيح أن أقصى ما تستطيع الدول العربية فعله هو الحد من خسائر العراق ومساعدة ضحاياه بالغذاء والأدوية والإيواء؟ وهل صحيح ان التضامن العربي تراجع الى حد بات الموقف العام هو أقرب الى صيغة «الحياد الإيجابي» وعدم الانحياز الى طرف ضد آخر؟

الأجوبة حتى الآن تميل الى تأكيد الضعف العربي وعدم قدرة الدول العربية مجتمعة على قول «لا».

والسؤال: لماذا لا تستطيع الدول العربية مجتمعة قول «لا» على رغم ان كل المبررات الدولية والإقليمية والمحلية متوافرة لإنهاض الموقف العربي وشدّه الى بعضه بعضا. فالموقف العربي ليس ضعيفا... الضعف في الإرادة العربية وعدم إدراك الخطر المشترك الذي يتهدد الأمة من محيطها الى خليجها.

سابقا كان الحديث عن «المؤامرات» مجرد أخبار كواليس. الآن اختلفت المسألة. وما كان يقال عن «مؤامرات» ضد الدول العربية والدول الإسلامية الشقيقة والمجاورة بات حديث الساعة والسيناريوهات والتصريحات لم تعد «سرية». إنها تقال علنا وبوضوح شديد. ألم يقل وزير الخارجية الأميركي «العاقل» كولن باول: ان تغيير نظام العراق يسهم في ترتيب خريطة «الشرق الأوسط»؟. ألم يقل وزير الدفاع الأميركي «المجنون» دونالد رامسفيلد: ان الحملة العسكرية لن تتوقف على العراق وإنها ستستمر لتشمل الكثير من الدول بذريعة محاربة الإرهاب وملاحقة «عناصر تنظيم القاعدة»؟. ألم يتحدث رامسفيلد عن معركة طويلة تمتد من 10 إلى 15 سنة وتطول ما بين 40 و60 دولة في العالمين العربي والإسلامي؟.

قد تكون بعض جوانب هذه السيناريوهات والتصريحات المطروحة غير موضوعية وغير عاقلة وتقال للتهويل وللتخويف ومنع الدول العربية من التقارب في لحظة يشتد «حبل المشنقة» حول نظام العراق.

ربما يكون نصف الكلام غير صحيح أو هو متخيل في عقول بعض أشرار الحزب الجمهوري الحاكم في البيت الأبيض... إلا ان النصف الآخر من الكلام هو كاف لإطلاق حركة سياسية عربية تقرأ المستقبل المنظور من واقع سيئ، يتوقع له ان يكون أسوأ، في حال لم تتدارس الدول العربية خطورة الموقف وتعمل على تنسيق جهودها والاتحاد على كلمة بسيطة هي «لا». صحيح ان كلمة «لا» مكلفة جدا وتتطلب إرادة عربية مختلفة ومتفقة على استراتيجية موحدة. فإنها الآن وبسبب ما يقال ويشاع ويخطط له أفضل بكثير من «نعم». «نعم» تنقذ الوضع إلى فترة صغيرة وبعد حين ستكون الكلفة أكبر بأضعاف كلمة «لا» إذا اتفقت الدول العربية مجتمعة على قولها.

لماذا الآن أفضل من الغد؟. ان الظروف التي تمر بها الدول العربية على رغم كل سلبياتها لا تزال تملك عناصر قوة (تعرفها أميركا ونحن ربما لا ندركها) وهي تبدأ بالجغرافيا والطاقة والقوة البشرية وتنتهي بامتدادات استراتيجية أخذت تتبلور دوليا وأوروبيا. الوضع الآن ليس سيئا إذا أُحسِن استثماره. فهناك سلسلة محاور دولية (أوروبية تحديدا) أخذت تؤسس حواجز سياسية تمانع أسلوب الاجتياح الأميركي. صحيح ان فرنسا وألمانيا (وأخيرا روسيا) وإلى حد ما الصين تمانع من أجل مصالحها وليس من أجلنا وأجل العراق.

إلا أنها مستعدة إذا وجدت بعض التجاوب العربي (الإرادة العربية) لتطوير مواقفها وبناء جبهة سياسية ممتدة من بكين الى بروكسل. فالمعركة معركة مصالح. وفرنسا التي لم تقاوم أميركا بهذه الشدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تقاوم لأنها تدرك خطورة الموقف وتعلم ان انتصار أميركا في «الشرق الأوسط» هو بداية لانكسار الموقف الدولي وسيطرة الولايات المتحدة ليس فقط على القرار العربي بل على الإرادة الأوروبية أيضا.

لماذا نترك فرنسا وألمانيا وروسيا (والى حد ما الصين) تدافع عن مصالحنا (مصالحها) ونحن لا نستطيع ان نجتمع ونتفق على قول «لا» للحرب على العراق... لأنها في النهاية هي بداية الحرب على العرب والإسلام.

لماذا الآن أفضل من الغد؟. غدا في حال اجتاحت الولايات المتحدة العراق وأعادت تأسيس قواها في تلك الدائرة ستتراجع أهمية الدول المجاورة الاستراتيجية وسيبدأ العمل على اختراع بدائل عن الوضع القائم. والبدائل ليست بالضرورة أفضل.

آنذاك وحين تأتي الساعة لن نجد فرنسا وألمانيا وروسيا (وإلى حد ما الصين) تقف معنا وتدافع عن مصالحنا وذلك بسبب بسيط وهو ان مصالح تلك الدول الكبرى قد أصبحت تحت النفوذ الأميركي.

تستطيع الدول العربية ان تمنع الحرب إذا أدركت مخاطر «الحياد الإيجابي» واتفقت على موقف مشترك يتطلب بعض الإرادة ووعي عناصر القوة في الداخل وفي المحيطين الإقليمي والدولي. إنها لحظة صعبة والأصعب ألا نحسن استغلالها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 159 - الثلثاء 11 فبراير 2003م الموافق 09 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً