ربع قرن مضى منذ بدء الحركة الاسلامية الايرانية في مطلع العام 1978 وانتصارها في 1979، وهي فترة شهدت ومازالت صعودا وهبوطا، وثباتا واهتزازا واصلاحاَ متزمتا، واقداما من جانب وتراجعا من جانب آخر... ولكن يبقى الحوار غير مكتمل بين ابناء الثورة داخل ايران وبين الذين تأثروا بالثورة الاسلامية وناصروها.
وفي كل مرة يُفتح فيها الحوار تُبادر اطراف مختلفة داخل وخارج ايران إلى إغلاقه بحجة ان «الوضع حرج ولا يُحتمل»، وان «الوضع غير ملائم»، وان «الاعداء متربصون»، ناسين انه لن يكون هناك يوم من الايام من دون وجود اوضاع حرجة ومن دون وجود اعداء متربصين... فتلك هي سنة الحياة، صراع مستمر، والقرآن يؤكد ذلك «يا أيها الانسانُ إنَّكَ كادِحٌ إلى رَبِّكَ كدحا فَمُلاقيهِ» (الانشقاق - 6) فلن يأتي يوم من دون وجود عوامل حرجة هنا وهناك.
واليوم تحتفل الثورة الاسلامية بذكراها الرابعة والعشرين في ظروف هي الاكثر خطورة، ما يدلل على أننا سنستمر في وضع متأزم ومهما انتظرنا، فالعالم لن ينتظر أحدا.
الولايات المتحدة التي خسرت ايران العام 1979 هي الآن على مشارف الدخول في حرب للسيطرة على العراق ثم الشرق الأوسط بصورة مباشرة، والولايات المتحدة لم تتوقف عن المناقشة والمساءلة ولم تقل يوما ما ان الحديث يجب ان يتوقف لأنها في حرب مستمرة مع كل الذين لا يودون اتباعها مئة في المئة.
ولذلك فإن الحوار عن الشأن الايراني يجب ان يُفتح، كما يجب ان يُفتح الحوار عن الشئون الاخرى، لأننا نعيش مرحلة حاسمة من حياة الامة وهناك اعادة صوغ للشرق الأوسط.
القوى العظمى في الماضي والحاضر لا يمكن ان تعترف بالضعيف او بأي طرف آخر، واميركا لا تهتم بفرنسا صاحبة حق الفيتو، ولا تهتم بالمانيا ثالث اكبر اقتصاد في العالم (بعد اميركا واليابان)، وهي لذلك لن تهتم ببلدان لديها اقتصاد اصغر من شركة اميركية للكمبيوتر او للسيارات او لمنتج آخر.
صممت ايران سياستها الثورية على اساس تأجيل مناقشة نقاط الخلاف الفكري داخل الصف الاسلامي وتوجيه الانظار الى القضية المركزية للأمة الاسلامية (القدس الشريف) ومواجهة السياسة الاميركية في العالم الاسلامي. وهذ النهج ادى إلى إبعاد كثير من الحركات الاسلامية السنية عن ايران لأن هناك خلافات فكرية ومذهبية لم يتم استكمال الحوار بشأنها.
ثم بعد ذلك بدأت الشعارات التي لا تحمل مضمونا متفقا عليه من الجميع تشتت الحركات الاسلامية الشيعية وأصبحت تلك الحركات متفرقة في كل بلد، ماعدا الحال اللبنانية التي استطاعت (بعد تضحيات كبيرة جدا) التماسك وتحقيق انتصارات، نظرا إلى وجود عدو خارجي واضح ووضع اقليمي استثنائي وحكمة مشهود لها لدى القيادات والفعاليات اللبنانية.
اما خارج لبنان، وحتى داخل ايران، فقد اصبح الخلاف الفكري مزمنا ومن دون حل. فكلما ارتفع صوت يستفسر عن فكرة اطلقت منذ بداية الثورة، اذا بالشعارات الحماسية تنهال عليه من كل جانب، ما أدى إلى انسحاب اكثرية الناشطين في داخل وخارج ايران من ساحة الحوار وترك الأمور وشأنها لتحسمها ظروف الزمان كما شاءت.
ومع اختفاء الحوار والنقاش، اختفت الانشطة وتكلست، بل ان اتحاد الطلبة الايرانيين (الأنجمن) الذي كان يعتبر من اقوى وأفضل الاتحادات تنظيما وتأثيرا في العالم وساهم في تحقيق انتصار الثورة الاسلامية اصبح اليوم مدعاة إلى البكاء وسخرية القدر بعد اختفاء أهم عنصر لقوته باعتباره اتحادا طلابيا: الحوار والنقاش والتفاعل الحر مع الافكار.
ايران بعد ربع قرن بحاجة إلى مراجعة صريحة لنهجها الفكري وبحاجة إلى أن تسمح بهذا الحوار داخل وخارج ايران، لأن اغلاق الحوار لم ينفع ايران ولم ينفع الحركة الاسلامية، ولم ينفع الوحدة الاسلامية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 159 - الثلثاء 11 فبراير 2003م الموافق 09 ذي الحجة 1423هـ