عقارب الساعة بدأت تطرق بسرعة وقوة. فالمنطقة أمام جدول من المواعيد والاستحقاقات الخطيرة. في 14 فبراير/ شباط (الجمعة المقبل) سيقدم كبير المفتشين هانز بليكس تقريره النهائي إلى مجلس الأمن عن مسألة «تعاون» العراق مع «فرق التفتيش» وتفاهمه مع القرار الدولي 1441. والموضوع الاهم ماذا سيقول بليكس وماذا سيقدم؟ تمديد عمل الفرق وتوسيع عدد العاملين واعطاء ضمانات وصلاحيات جديدة ام سيقدم العكس. مثلا سحب «فرق التفتيش» بذريعة رفض بغداد التعاون أو التفاهم.
مجلس الأمن بدوره غير متفق على رد موحد. الولايات المتحدة تقول انها ليست بحاجة إلى قرار دولي جديد وبريطانيا تؤيدها في الموقف مدعومة من اسبانيا وايطاليا. والولايات المتحدة (كولن باول) تقول ان العراق يخطط لتصنيع قنبلة نووية وعلى العالم ألا يمهل بغداد تلك الفرصة. فالوقت لا يسمح بالتمديد والموضوع يجب ان يحسم في أيام قليلة والوضع لا يتحمل المزيد من الاسابيع والشهور.
فرنسا تعترض. وتقول ان حل المسألة بحاجة إلى وقت. والعالم يتطلع إلى قرار دولي جديد يعيد صوغ المشكلة من اساسها. وفرنسا تقترح في هذا المجال «تدويل» قضية العراق ووضع نظامه تحت الرقابة المباشرة من طريق ارسال قوات دولية (القبعات الزرق) للاشراف على سحب الاسلحة سلميا وبالتعاون مع حكومة بغداد.
الاقتراح (الافكار) الفرنسي دعمته المانيا وكذلك روسيا بعد زيارة رئيسها فلاديمير بوتين لباريس وبرلين.
وايضا دعمت بلجيكا الاقتراح من خلال رئاستها للاتحاد الاوروبي واستخدمت حق النقض (الفيتو) في دول حلف شمال الاطلسي (الناتو) حين حاولت الولايات المتحدة استصدار موافقة اطلسية على حربها ضد العراق.
واشنطن محرجة سياسيا وبحاجة إلى تغطية دولية واطلسية لهجومها وهي تريد من مجلس الأمن تسهيل مهمتها حتى تستطيع الضغط بقرار جديد أو من دون قرار على دول الحلف الاطلسي لانتزاع موافقة شاملة على حربها الخاصة.
حرب اميركا الخاصة بحاجة ايضا إلى موافقة تركيا في حال قررت الهجوم البري من الشمال والسيطرة على حقول النفط في الموصل وكركوك. وحتى تفتح تركيا حدودها وقواعدها للقوات البرية على واشنطن ان تنتظر موعد انعقاد البرلمان التركي في 18 فبراير الجاري. ويتوقع ان يوافق البرلمان، بعد موافقة حكومة عبدالله غول، على تقديم المساعدة وتسهيل عبور القوات البرية (تقدر بمئة الف جندي) من أراضيها إلى شمال العراق.
كيف ستميل الساعة إلى دقات فرنسا (التدويل) أو دقات اميركا (الحرب)؟ الخيار الفرنسي يغري الدول الاخرى لانه يقوم على فكرة المشاركة (المحاصصة) بين كل الاطراف صاحبة المصلحة في نفط العراق وخريطة «الشرق الاوسط». فالتدويل هو بداية مشروع طويل الامد يحتاج إلى سنوات من العمل الهادئ لتغيير شخصية المنطقة ومزاجها السياسي الذي لا ينسجم مع شروط العولمة في شقيها الاوروبي والاميركي.
الخيار الاميركي متفرد يريد خوض الحرب وكسر العراق بالقوة وعزل الدول الاخرى وإبعادها عن المشاركة في «الغنيمة» أو في تغيير خريطة المنطقة والمفاهيم السائدة في «الشرق الاوسط».
فالصراع اذن على الوقت وعلى المصالح. والقوى المعنية بالموضوع (الدول العربية) هي ساحة القتال والتجارب وهي الطرف الاخير الذي يقام له الاعتبار في لعبة التغيير. حتى ان الرئيس المصري حسني مبارك قال في قمة شرم الشيخ الثلاثية (حضرها الرئيس السوري والعقيد الليبي) ان العرب غير قادرين على منع الحرب اذا قررت الولايات المتحدة خوضها.
الدول العربية اذن مجموعة أصفار والصراع على «الشرق الاوسط» ليس بين العرب والغرب ولا بين الاسلام والغرب... انه بين الغرب والغرب، والعرب هم الضحية والاسلام (التاريخ والثقافة) هو المستهدف في لعبة التغيير أو التدويل.
عقارب الساعة بدأت تطرق بسرعة وقوة والمنطقة تنتظر تقرير بليكس في 14 فبراير وقرار البرلمان التركي في 18 فبراير. فالصراع اذن على الوقت والدول العربية خارج لعبة الزمن
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 158 - الإثنين 10 فبراير 2003م الموافق 08 ذي الحجة 1423هـ