العدد 158 - الإثنين 10 فبراير 2003م الموافق 08 ذي الحجة 1423هـ

الخطة التنموية مازالت غير واضحة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

لكل بلد ناجح في برامجه التنموية خطة عامة توجه مسارات العمل الحكومي وغير الحكومي في اتجاه متناسق ومتكامل على المدى البعيد. فماليزيا، مثلا، وضعت أمامها خطة عامة تتحدث عن «العام 2020» وهو العام الذي تأمل فيه ماليزيا أن يتساوى مستوى المعيشة فيها مع الدول المتقدمة اقتصاديا وسياسيا. وعلى هذا الأساس تتوجه الخطط الحكومية والاستثمارات المختلفة باتجاه تطوير المجالات البنيوية للبلاد وخلق الكوادر الوطنية لإدارة وتنفيذ تلك الخطط. وهكذا الحال بالنسبة إلى سنغافورة التي يعادل حجمها حجم البحرين، ولكن عدد سكانها أكثر بكثير من البحرين (قرابة أربعة ملايين ونصف المليون نسمة) ولكن معدل الدخل للفرد فيها أكثر من 22 ألف دولار للفرد الواحد. وهذا الدخل أفضل من عدة دول أوروبية مثل اسبانيا والبرتغال واليونان. ومعدل النمو السنوي في سنغافورة يتراوح بين الخمسة والستة في المئة، وهذا أعلى مما لدى الدول الأوروبية. وفي السنوات الماضية ركزت سنغافورة على الصناعات المتطورة تقنيا (مثل صناعة أجزاء الكمبيوتر)، ولكنها بعد أن تعرضت للكساد في هذه الصناعة تتجه الآن إلى اقتصاد الخدمات المعرفية التي تعتمد على وجود امكانات وخبرات وطنية تستطيع تقديم الخدمات إلى الآخرين داخل وخارج سنغافورة.

تايلند، من جانب آخر، تعطينا مثالا لكيفية الخروج من أزمة اقتصادية. فقد بدأت دول شرق آسيا تتضرر اقتصاديا بعد أن قامت الحكومة التايلندية في العام 1997 بتخفيض سعر عملتها، ما أدى إلى هروب كثير من رؤوس الأموال وقاربت البلد من الانكسار. إلا أن الوضع تغير الآن، فتايلند نجحت في التركيز على الصناعات التي تستوعب أيدي عاملة أكثر (بعكس سنغافورة التي ركزت على الاقتصاد المعرفي أكثر)، وأصبحت تايلند احدى الدول الرئيسية المصدرة لاسطوانات الغاز (مثلا) إلى أوروبا واستراليا وغيرها من الدول. هذه الصناعات تتطلب أيدي عاملة كثيرة؛ وبالتالي فإنها تساعد على توظيف التايلنديين وتبعدهم عن البطالة. كما ان تايلند سعت خلال السنوات العشر الماضية إلى تنظيف سمعتها التي تشوهت بسبب السياحة الجنسية، وباشرت الحكومة برامج كثيرة شجعت من خلالها على السياحة النظيفة ومازالت تسعى إلى تنظيف السياحة وإبعادها عن كل ما كان يشوه سمعة تايلند بحيث أصبح اسم مدينة «بانكوك» مقترنا بالدعارة الفاضحة في السابق.

الدول الشرق - آسيوية تعلمت أيضا من الانخفاض الحاد في اقتصاداتها قبل خمسة أعوام، وبدأت منذ ذلك الحين بتقليل الارتباط بالدولار الأميركي. كما تحسنت الحكومات وابتعدت عن الدكتاتورية لأنها اكتشفت ان الدكتاتورية التي أعطتهم استقرارا مؤقتا كانت هي التي شردت الأموال أيضا، لأن المستثمر لا يثق بالبيانات الصادرة عن الحكومة التي تقهر شعبها، وان المستثمرين يطالبون بالشفافية وبتدفق المعلومات. كما اكتشفت الحكومات الشرق - آسيوية ان المعارضة ومعلومات المعارضة تصبح قيمتها أكبر لدى المستثمرين عندما تكون هناك يد من حديد تدير شئون البلاد.

ولذلك تحسنت الحكومات هناك واتجهت إلى الديمقراطية، لاسيما في دول مثل اندونيسيا وكوريا الجنوبية وتايوان والفلبين.

هذه التجارب وغيرها تدعونا إلى اعادة النظر في السياسات التي تتبعها حكومتنا حاليا، ونتساءل عن الخطة المستقبلية للبحرين، ونتساءل عن أية بحرين نريد خلال الخمس والعشر والعشرين سنة المقبلة. فهل نريد سياحة نظيفة؟

وإذا كان الجواب نعم، فما الاستثمارات التي أعددناها لذلك؟ إذ ان هناك وهما بأن «السياحة الجنسية» تجلب النمو الاقتصادي، في حين أن اقتصادات العالم تثبت العكس. فحتى على الجانب الاقتصادي (لو تناسينا الجانب الديني والأخلاقي) فإن السياحة الجنسية لا تجلب اقتصادا أو نموا. فالأفلام الجنسية، على رغم كل الضجة التي تلف حولها، ليست مربحة مثل الأفلام غير الجنسية. بل ان الممثلة في الأفلام الجنسية تحصل على أقل من ألف دولار للفيلم بينما تحصل الممثلة في الأفلام العادية على مئات الألوف من الدولارات. ومبيعات الأفلام العادية بالملايين بينما تلك الفاضحة بالآلاف.

هذه الأرقام وغيرها تدعونا إلى الالتفات إلى المستقبل الأكثر اشراقا، وذلك المستقبل يحتاج إلى استثمار والاستثمار يحتاج إلى خطة واضحة للحكومة، تكون الحكومة فيها عاملا مساعدا وليس منافسا، ويكون الرسمي مسئولا عاما ومؤتمنا على المصلحة العامة وليس تاجرا ينافس التجار الآخرين. ولكي نخرج بصورة للمستقبل فإننا بحاجة إلى استشارة العقول الوطنية، وليس إصدار قرارات فوقية مصحوبة بالصخب والإزعاج الذي لا ينفع البلاد أو العباد

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 158 - الإثنين 10 فبراير 2003م الموافق 08 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً