على رفوف مكتبتي الفقيرة 26 كتابا بالتمام والكمال، هي مجموع ما نشرته وزارة الإعلام ممثلة في قطاع الثقافة والتراث الوطني بالتعاون مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر منذ أن انطلق مشروع النشر المشترك العام 2000، حتى العام الماضي 2002 بمعدل 8 كتب في السنة الواحدة تقريبا. وإذا استثنينا من هذه الكتب الـ 26 ديوان طرفة بن العبد، وأبحاث ملتقى طرفة بن العبد، وكتاب القصيدة الحديثة في الخليج العربي، وكتاب 5 تجارب مسرحية من البحرين الذي هو في الأساس المسرحيات الفائزة في مسابقة التأليف المسرحي التي أجريت العام 1998، فنحن إذا أمام 22 كتابا، أي ستتقلص النسبة إلى حوالي 7 كتب في السنة الواحدة.
وإذا نظرنا إلى الحصيلة المتبقية نجد أن كتابا واحدا أعيد طبعه طبعة ثانية، وأن عددا لا بأس به من العدد الإجمالي المتبقي يتميز بضعف مستواه، بل وبالركاكة في أكثر من نموذج ينتصب أمام ناظرينا.
وبحساب آخر فإن الكتب المتميزة بحق إذا ما قسمناها على عدد السنوات فهي قليلة جدا، وأن ما هو نص إبداعي يتفوق على ما يصنف في بند الدراسة أو المقالات أو البحث بمعدل 13 إلى 8، ومن الكتب الثمانية هذه اثنان منها هما في الأصل أطروحة لنيل درجة علمية، فيما يتوزع الباقي على أكثر من مبحث، وبأكثر من شكل وصوغ، بعضها لافت، وبعضها الآخر ليس كذلك البتة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تفاوت عدد إصدارات هذه الكتب لجهة تواريخ النشر في هذه السنوات من 2 إلى 9 إلى 11، بمعنى أن الذروة تحددت في السنة الماضية بكتاب واحد شهريا تقريبا، معظمها نصوص إبداعية بنسبة 7 إلى 4، وتميزت السنة الماضية أيضا بصدور كتاب عبارة عن مختارات قصصية مترجمة، وإذا أردنا التوسع فيمكننا إدراج كتاب «الوجه والظل» في السياق نفسه على اعتبار أن طريقة البحث تعتمد تراسلا واضحا مع فعل الترجمة.
ملحظ آخر: أن العام 2001 أكثر الأعوام التي شهدت ضمن هذا المشروع إصدارات ذات مستويات متفاوتة، بل ومتقلبة، ومثلت حالا غريبة من العشوائية، ومن انتفاء المعايير الواضحة في تحديد ما ينشر وما يترك أو يستبعد. بعض الأرقام السابقة تعطي مؤشرات تفيد بتنامي هذا المشروع، وبزيادة في عدد الكتب المتبناة، وبالتنوع الذي يزداد سنة بعد أخرى سواء ما كان في حدود الأجناس الإبداعية منها، أو ما انضوى تحت لواء البحث والدراسة. ما أريد قوله بعد هذه الحصيلة، وبعد هذه السنوات أن المشروع بدأ بالفعل يعطي بعضا من أكله، ويقزم شيئا ليس هينا من سلسلة الإشكالات التي كانت تصم آذاننا ليل نهار، عن غياب الناشر، وانتفاء الدعم إلى غير ذلك. وأصبحت من ثم إدارة الثقافة والفنون قبلة المؤلفين والمنتفعين من هذا العرض الذي يستحق فيما يستحق الكثير من التقدير والتبجيل، وفي الوقت نفسه تهافت ضعاف الحيلة، وقليلو الموهبة، لحجز مقاعدهم ونشر غسيلهم فكان - مما كان - أن حدثت بعض الثغرات في الخيط التصاعدي الذي نرجوه لهذا المشروع مع توالي الإصدارات الجادة.
وما نأمله من هذه اللحظة أن تبدأ الجهة المعنية بتشديد معايير الاختيار والتبني، برسم استراتيجية واضحة، فليس من النجاعة في شيء تضييع علامة خدمية مضيئة كهذه لمجاملة فلان، أو مسايرة علان، بل إن هذا المشروع إذا ما أريد له أن يطول عنان السماء، لابد أن يحمل على عاتقه هذه المهمة، وإلا أضحت العملية كالمهرجانات العربية التي يفوز فيها الجميع، فتصبح الجائزة تحصيل حاصل، وليست مؤشرا على فرادة، أو تقديرا لجهد ذي وقع حميم.
إن هذا المشروع عزيز علينا، لذلك نتمنى له مع كل إصدار أن يتصاعد ويسمو. وغير مقبول إطلاقا أن يشعل أي إصدار جديد مقبل ذاكرتنا لنستحضر ما يمكن أن نطلق عليه انه منتم إلى مرحلة البدايات والتجريب والاختبار الأولي. وليس من الحكمة في شيء أن يلقي أي كان بقراطيسه، ويطبع له كتابا من دون أهلية أو استحقاق. إن التشجيع لا يكون هكذا، بل إن عكس صورة إيجابية لما يبدعه إنسان هذه الأرض أولى وأحرى
العدد 158 - الإثنين 10 فبراير 2003م الموافق 08 ذي الحجة 1423هـ