العدد 2235 - السبت 18 أكتوبر 2008م الموافق 17 شوال 1429هـ

عندما يذهب الأطفال العرب واليهود إلى مدرسة واحدة

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

يذهب اليهود في «إسرائيل» إلى مدارس عبرية والعرب إلى مدارس عربية، في معظم الأحيان. إلا أن بعض الأهالي أخذوا يرفضون هذه التفرقة، وقاموا بإنشاء 5 مدارس ثنائية اللغة في أرجاء الدولة، حيث يدرس الأطفال اليهود والعرب معا باللغتين العبرية والعربية، بروح من المساواة.

بالمقارنة مع هذه المبادرات، ليست المناهج العبرية والعربية في نظام التعليم الإسرائيلي منفصلة فحسب وإنما هي غير متساوية كذلك. فالمدارس العربية تعاني من نقص الأموال وأحيانا كثيرة من مستويات أكاديمية أقل، الأمر الذي يؤدي في الغالب إلى ذهاب العرب الإسرائيليين إلى المدارس العبرية، بينما لا يذهب اليهود إلى المدارس العربية أبدا.

تأسست أول مدرسة يستطيع اليهود والعرب أن يدرسوا فيها معا باللغتين في قرية نيفي شالوم - واحة السلام. تأسست هذه القرية الصغيرة التي تقع في منتصف الطريق بين القدس وتل أبيب في منتصف سبعينيات القرن الماضي على قطعة أرض وفرها دير اللطرون المجاور. يعيش قرابة خمسين عائلة هناك اليوم، نصفهم من اليهود والنصف الآخر من العرب، المسلمين والمسيحيين. تبلغ نسبة اليهود إلى العرب في العدد الإجمالي لسكان «إسرائيل» 4 يهود لكل عربي.

أُنشئت في واحة السلام في البداية حضانة أطفال، تبعتها روضة أطفال ثم مدرسة ابتدائية. وفي العام 1990 بدأت المدارس تستقبل طلبة من القرى المجاورة، أصبحوا يشكلون اليوم 90 في المئة من عدد الطلبة.

يختلط الطلبة معا بحسب ما هو مفضل لديهم شخصيّا وليس بحسب دينهم. «لا أستطيع أن أميز بينهم»، يقول ميشال ليتغاك موزس، الذي يدير ورشة عمل أسبوعية لإعادة التدوير لطلاب يبلغ عمرهم 10 سنوات.

يقرأ معلمان اثنان في صف الروضة القصة نفسها لدزينة من الأطفال عمرهم من سنتين إلى أربع سنوات. تقرأ دانا عوفر صفحة بالعبرية، ثم تقرأ سوسن غار الصفحة نفسها بالعربية. ينصت الأطفال لهما باهتمام.

«لا أهمية في الواقع لأية لغة يتكلم الأستاذ بها معي»، تستذكر نوام شوستر، التي بدأت الدراسة هناك وعمرها 6 سنوات. بعد إنهاء دراستها الابتدائية في واحة السلام، ذهبت نوام إلى كيبوتز مجاورة للدراسة الثانوية، حيث إن المدرسة الثانوية في واحة السلام لم تبدأ إلا في العام 2003. في أول يوم لها هناك كتبت اسمها والتاريخ بالعبرية والعربية كما اعتادت أن تفعل. حدّق زملاؤها فيها بدهشة شديدة. «عندها أدرَكْت أن تعليمي السابق كان مختلفا»، تقول المرأة اليهودية الشابة. أفضل أصدقائي كان شابّا فلسطينيّا اسمه سامي.

جرى تكرار النموذج منذ ذلك الوقت. قام عامل اجتماعي يهودي وأستاذ عربي بإنشاء «يدا بيد» العام 1997. في السنة التالية افتتحت المؤسسة مدرستين ثنائيتي اللغة، واحدة في القدس والأخرى في الجليل. يستذكر إلدار غارفنكل، الذي يدرس ابنه في مدرسة الجليل كيف عقد الأهالي اجتماعات عدة للإعداد لأية مشاكل قد تحصل في اليوم الأول. «إلا أن الأطفال اختلطوا بشكل طبيعي، وأدركنا أننا نحن المشكلة وليس هم».

أصبح الوضع أكثر توترا أثناء اضطرابات أكتوبر/ تشرين الأول العام 2000 عندما قُتل 13 فلسطينيا يحمل 12 منهم الجنسية الإسرائيلية أثناء احتجاجات عنفية في الشمال. على رغم تداعي الجو السياسي استمرت المدارس ثنائية اللغة بالعمل. بل قرر الأهالي اليهود والعرب في منطقة وادي عارة إنشاء مدرسة جديدة. لم يتمكنوا من إيجاد موقع لها إلى أن عرض رئيس بلدية كفار كارا عليهم مبنى فارغا في ضواحي القرية. فتحت مدرسة «الجسر فوق الوادي» أبوابها العام 2004. «إنها أول مرة يأتي فيها اليهود للدراسة في مدرسة عربية. لم يحصل ذلك في «إسرائيل» من قبل، يشير مدير المدرسة المشارك يوشانان إشخار.

يقوم بتدريس كل صف في مدرسة «جسر فوق الوادي» معلمان بالعربية والعبرية. منهاج العلوم هو منهاج وزارة التعليم الإسرائيلية. إلا أنه بالنسبة للمواضيع الأخرى مثل التاريخ، تضع المدرسة مناهج خاصة بها حتى يتم إدخال وجهات النظر الفلسطينية.

تمتد عطلة نهاية الأسبوع من الجمعة حتى نهاية يوم السبت، وتحتفل المدرسة بالأعياد اليهودية والعربية، لكنها لا تحتفل بالأعياد المسيحية، لأنه لا يوجد طلبة مسيحيون في المدرسة. يصبح الطلبة على معرفة بثقافة بعضهم بعضا من دون أن يخسروا هوياتهم. «ليست هذه هوية مشتركة»، يصر يوشانان إشخار.

يبقى اليهود يهودا والعرب عربا

لا يناقش المعلمون والمعلمات النزاع، ولكن إذا طرح الأطفال أسئلة حساسة، فإنهم لا يتجاهلونها. في أحد الأيام وبعد مشاهدة نشرة الأخبار على التلفزيون، سأل طفل عمره سبع سنوات لماذا يقوم الفلسطينيون في غزة بإطلاق الصواريخ على بلدة سديروت الإسرائيلية. قام التربويون بإدارة حوار بين التلاميذ، الذين قرروا بعد ذلك الكتابة إلى إيهود أولمرت. يقول المدير المشارك إن الطلبة دعوا رئيس الوزراء الإسرائيلي في رسالتهم إلى أن يأتي ويزور المدرسة، «ليرى كيف يستطيع العرب واليهود العيش معا».

معظم الأهالي اليهود الذين يرسلون أطفالهم إلى المدرسة الثنائية اللغة يساريون يؤمنون بمُثُل التعايش، نظريا على الأقل. تكون النتائج أحيانا أبعد من توقعاتهم. «عندما يعود التلاميذ إلى بيوتهم ويتحدثون عن النكبة على سبيل المثال، يقول والداهم: لسنا متأكدين أن هذا هو ما عنيناه عندما أرسلناكم إلى هناك»، يقول يوشانان إشخار. تشير النكبة إلى نفي الشعب الفلسطيني القسري أثناء وبعد إيجاد دولة «إسرائيل» العام 1948.

تحاول مدرسة «الجسر فوق الوادي»، كما هو الحال في مدرسة «واحة السلام»، أن تحافظ على توازن بين تلاميذها، ونصفهم من العرب، ونصفهم الآخر من اليهود. إلا أنه رغم استمرار نمو قائمة الانتظار في مدرسة واحة السلام، لا توجد قائمة في مدرسة «الجسر فوق الوادي». «وضع التعليم العربي في إسرائيل ليس جيدا، يقول يوشانان إشخار. لدى الأهالي اليهود خيارا أوسع في المجالات التعليمية (مدارس عامة، دينية... الخ)، تشكل فيه المدارس ثنائية اللغة واحدة من خيارات عديدة.

لذا يكون للبيئة العامة أثرا على التعليم ثنائي اللغة. «نحن جزء من مجتمع «إسرائيل». لسنا جزيرة»، يقول أنور داود، مدير مدرسة واحة السلام.

تحاول مدرسته إعطاء وزنا مكافئا للعربية والعبرية، ولكن «من الصعوبة بمكان تحقيق ذلك لأنه لا توجد مساواة بين العبرية والعربية في المجتمع الإسرائيلي. العبرية هي اللغة المهيمنة»، يضيف أنور داود.

يفترض بالمعلمين استخدام لغتهم الأصلية فقط، ولكن المعلمين العرب يتكلمون اللغتين، بينما لا يتكلم زملاؤهم اليهود سوى العبرية. بعد سنة واحدة يستطيع التلاميذ العرب دراسة مختلف المواضيع بالعبرية، بينما يحتاج رفاقهم اليهود سنوات عديدة لدراسة العلوم والتاريخ أو الجغرافية بالعربية.

ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى «مواقف الجالية اليهودية السياسية»، حسبما يؤكد أنور داود، الذي يؤكد أنه «بشكل عام لا حاجة لأن يتعلم التلاميذ اليهود اللغة العربية». «صحيح أن لغتنا العبرية أقوى من لغتنا العربية، وينطبق هذا كذلك على بعض الطلبة العرب»، تعترف التلميذة السابقة نوام شوستر، التي تتكلم العبرية مع صديقها سامي، ولكن بالنسبة لها، ليس أهم جزء من تعليمها هو العربية، وإنما تعلم قيم المساواة والانفتاح والاحترام.

يوجد في واحة السلام حوالي 300 تلميذ، بينما يوجد في نظام «يدا بيد» حوالي 830 تلميذا، يدرسون في مدارس القدس والجليل ووادي عارة وفي بئر السبع منذ سبتمبر/ أيلول 2007.

هناك في إسرائيل اليوم خمس مدارس ثنائية اللغة يدرس فيها ما يزيد قليلا على 1100 طفل، مقارنة بأكثر من 3000 مدرسة عبرية و700 مدرسة عربية يدرس فيها أكثر من مليوني طفل. من الواضح أن مشروع المدارس ثنائية اللغة لا يشكل أولوية لهذه الحكومة الإسرائيلية أو أيا من سابقاتها.

وعلى رغم أن العبرية والعربية لغتان رسميتان في «إسرائيل»، لم تطلق الدولة مشروعا واحدا من هذا النوع. لقد تم إنشاء هذه المدارس الثنائية اللغة القليلة بمبادرات فردية، من قبل أهالٍ وتربويين يريدون للأطفال اليهود والعرب أن يتعلموا ويلعبوا وينموا معا.

* صحافية فرنسية تقيم في القدس منذ العام 2007. بدأت حياتها مراسلة في العام 2000 في باريس لدى وكالة أنباء عالمية. كتبت أثناء إقامتها في القدس لمجلة «بابلمد» الإلكترونية، التي تركز على ثقافة منطقة البحر الأبيض المتوسط. درست علم الاجتماع بجامعة باريس في سانت دنيس، كما حصلت على البكالوريوس من جامعة السوربون، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2235 - السبت 18 أكتوبر 2008م الموافق 17 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً