العدد 156 - السبت 08 فبراير 2003م الموافق 06 ذي الحجة 1423هـ

بطالة الشهادات العليا في البحرين وأثرها على التنمية الاقتصادية

مليار عاطل عن العمل في العالم

أحمد عباس أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

حزّ في نفسي أن أرى على صفحات «الوسط» في 3 فبراير/ شباط الجاري من يحمل الشهادات العليا من الماجستير والدكتوراه، بين المعتصمين من العاطلين عن العمل، أمام وزارة العمل والشئون الاجتماعية، الأمر الذي يكدر النفس ويفطر القلب.

البحرينيون نفسيا لا يتحملون مشاهدة ظاهرة تسول أبنائهم الخريجين للحصول على العمل الشريف. هذا الوضع مهين جدا لكرامة المواطن البحريني وعزة نفسه. حامل الشهادة العليا تعب وصبر، بل قضى ربع عمره في التحصيل والدراسة والبحث، لرفع شأن بلده وأمته وتحسين وضعه المعيشي، والنتيجة انه يعيش مشردا وتائها بين مؤسسات التوظيف الأهلية والرسمية التي لا تفي بعهودها. بطالة الشهادات العليا في البحرين تزداد يوما بعد يوم، ومعدّل العاطلين من حاملي الشهادات العليا في ارتفاع مستمر. الاحصاءات الرسمية التي نشرتها وزارة العمل في صحيفة «الوسط» لم يتم تأكيدها من مصادر مستقلة، على رغم إطلاق الحكومة لمشروعها المؤقت لمكافحة البطالة.

الصحف المحلية ناقشت الموضوع بإسهاب، لكنها لم تناقش اتساع ظاهرة البطالة لتشمل الاختصاصات والمؤهلات كافة، وخصوصا أصحاب الشهادات العليا والاختصاصات الفريدة والمميزة، الذين تستغني عنهم وزارات المملكة أو تحيلهم إلى التقاعد المبكر من دون إبداء أسباب وجيهة.

تلك السياسات الاعتباطية التي لا تقيم للتخطيط الاقتصادي وزنا، تقلص حظوظ بعض وزارات المملكة في تحقيق أكبر قدر من النمو الاقتصادي اعتمادا على إنتاجية العمالة المدربة والمؤهلة، وتضعف مساعي المملكة في تنفيذ مشروع جلالة الملك المفدى لمكافحة البطالة. ومن غير المبرر قيام بعض الوزارات بالتهرب من الالتزام بموجبات هذا المشروع بذرائع وحجج غير موضوعية، إذ ان ذلك يجعل العمل عندا المشروع الوطني المهم ناقصا، إذ تبين ان نسبة الذين تم تشغيلهم عن طريق وزارة العمل لا تتعدى الـ 30 في المئة، وخصوصا في وزارة التربية والتعليم، التي ترى وتسمع وتراقب تحركات العاطلين عن العمل من حملة الشهادات العليا، ومع ذلك تفضل لاعتبارات سياسية وطائفية محضة استيراد حاملي الشهادات العليا من الاختصاص نفسه، من دول تعاني أصلا من مشكلة البطالة، وبذلك تحل مشكلة البطالة في تلك لدول وتفاقمها في مملكتنا الحبيبة.

وبنظرة سريعة إلى مجموع من تقدموا بطلبات للعمل غير المعروفة أعدادهم بالضبط، لن نستطيع تقييم حجم المشكلة ما لم تقدم إلينا أرقام رسمية دقيقة وحقيقية.

عدم تأهيل الخريجين

لا شك في ان حملة الدكتوراه في الآداب والعلوم النظرية والتطبيقية، يشكلون الغالبية العظمى من الباحثين عن عمل من حملة الشهادات العليا، ومع ذلك فإن المناصب القيادية في بعض الوزارات، يحتفظ بها أنصاف المتعلمين وأنصاف المثقفين. السوق الداخلية مازالت تتمسك بحجتها بأنه لا عمل للخريجين يتناسب مع مؤهلاتهم، خارج مؤسسة التعليم العالي، وفي الوقت الذي لا توجد فيه جامعات خاصة تعنى بهذا النمط من المعرفة، فإن وزارة التعليم العالي تبقى هي الجهة الرسمية المعنية بمسئولية البطالة عند أصحاب هذه الاختصاصات وكذلك استيعابهم وتشغيلهم في الجامعة، لكن هذه الوزارة تعاني من عقم الإدارة بشأن موضوع البطالة والتشغيل، إذ يتكشف ذلك من خلال كون معظم الكليات في جامعة البحرين تشكو من نقص حاد في عدد مدرسي التعليم العالي المطلوبين للعمل، بالإضافة إلى غياب الهيئات التدريسية غيابا كاملا في عدد كبير من أقسام وكليات الجامعة، ناهيك عن إحالة أعداد كبيرة من حملة الشهادات العليا البحرينيين إلى التقاعد المبكر، أو بسبب إجراءات الإقصاء التي اتخذتها الجامعة ضدهم لأسباب سياسية أو طائفية.

الأخطر في ظاهرة استيراد المحاضرين الأجانب، أنهم ليسوا من الأساتذة المخضرمين أو أصحاب الخبرات، بل هم من الذين يؤكد خبراء التعليم باستمرار ضرورة إعادة تأهيلهم، وهذا يعني من ضمن أمور أخرى تخصيص موازنة إضافية تتحمل عبأها المملكة لتأهيلهم للتدريس. من ناحية أخرى لم تلزم وزارة التربية والتعليم الجامعات الأهلية والخاصة بتوظيف البحرينيين من حملة الشهادات العليا، على رغم انها تحقق أرباحا هائلة، بل استمرت في طريق الخطأ نفسه باستيراد المحاضرين الأجانب. وتأتي هذه السياسة في الوقت نفسه الذي تقوم فيه وزارة التربية بتجديد الكادر التعليمي في مدارسها وزيادة عدد هذه المدارس، وتطوير المناهج الدراسية، بتعيين مرشدين اجتماعيين وموجهين تربويين في جميع المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعات. إن هذه التوجهات لوزارة التربية والتعليم تتناسى حملة شهادة الدكتوراه العاطلين عن العمل والذين لا يحتاج تأمين فرص عمل لهم للتدريس في الجامعات والمعاهد، إلى صرف الأموال الباهظة، بل هو يؤمن هذه الأموال التي ستصرف على خريجي الدراسات العليا الموفدين إلى الخارج، لتأهيلهم للتدريس في الجامعات، فهل يعقل ان تقوم الوزارة بهذه الإجراءات لحل مشكلة البطالة، في حين ان أصحاب شهادات الدكتواره يبحثون عن فرص عمل لهم؟ الأمر نفسه ينطبق على سياسة الحكومة والقطاع الأهلي الذي يخصص أموالا طائلة لابتعاث موظفين لتحصيل الشهادات العليا بينما تتوافر تلك الاختصاصات في سوق العمل ولا ينظر في توظيفها.

تطبيق اتفاق النهوض بالعمالة والحماية من البطالة

يقع على عاتق الدول تطبيق الاتفاق رقم (168) بشأن النهوض بالعمالة والحماية من البطالة، التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في يونيو/ حزيران 1988، في دورته الخامسة والسبعين، ودخل حيز التنفيذ في تاريخ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1991، وفقا لأحكام المادة 32. الاتفاق يلزم الدول والحكومات المنضمة إليه بضرورة تأكيد أهمية العمل والعمالة المنتجة في كل مجتمع، لا بسبب ما يوفرانه من موارد للمجتمع وحسب، وإنما أيضا بسبب ما يحققانه من دخل للعمال، وما يسندانه إلى العمال من دور اجتماعي ويبعثانه فيهم من شعور بالرضا عن الذات، وان أي شلل في عجلة الإنتاج بسبب البطالة سيؤثر سلبا على التنمية الاقتصادية في البلد، وخصوصا إذا كان البلد ناميا ويتطلع إلى إنعاش الاقتصاد الوطني الذي يعاني من الركود. الاتفاق حدد مسئولية الدول في تطبيق المعايير الدولية القائمة في مجال العمالة والحماية من البطالة بتطبيق: «اتفاق وتوصية ضمان تعويض أو بدلات للمتعطلين على رغم إرادتهم، 1934، وتوصية البطالة (الأحداث)، 1935، وتوصية ضمان الدخل، 1944، واتفاق المستويات الدنيا للضمان الاجتماعي، 1952، واتفاق وتوصية سياسة العمالة، 1964، واتفاق وتوصية تنمية الموارد البشرية، 1975، واتفاق وتوصية إدارة العمل، 1978، وتوصية سياسة العمالة (أحكام إضافية)، 1984»، وعدم انتشار البطالة والبطالة الجزئية اللتين تؤثران على مختلف البلدان في العالم على اختلاف مراحل تنميتها، وخصوصا مشكلات الشباب الذين يبحث الكثير منهم عن أول عمل لهم.

على الدول الأعضاء ان تضع في اعتبارها وضع قوانين وممارسات وطنية، وتعتمد اعتماد الصكوك الدولية المتعلقة بالحماية من البطالة المذكورة أعلاه، تطورات مهمة تجعل من الضروري مراجعة الصكوك الموجودة، وخصوصا الاتفاق المتعلق بضمان تعويض أو بدلات للمتعطلين على رغم إرادتهم 1934، واعتماد معايير دولية جديدة تتعلق بالنهوض بالعمالة الكاملة والمنتجة والمختارة بحرية، بجميع الوسائل المناسبة، بما في ذلك الضمان الاجتماعي. والأحكام المتعلقة بإعانات البطالة في اتفاق المستويات الدنيا للضمان الاجتماعي 1952، تحدد مستوى للحماية تجاوزته اليوم غالبية نظم التعويض القائمة في البلدان الصناعية، وانها لم تستكمل بعد بمعايير أعلى، على خلاف الأحكام الخاصة بإعانات أخرى، وان المبادئ التي يستند إليها هذا الاتفاق مازالت صحيحة مع ذلك، وانه مازال من الممكن اعتبار هذه المعايير هدفا ينبغي ان تبلغه بعض البلدان النامية القادرة على إقامة نظام للتعويض عن البطالة. كما على الدول اتباع سياسات تؤدي إلى نمو اقتصادي مستقر ومطرد وغير تضخمي، وإلى تجاوب مرن مع التغيير، وكذلك إلى إيجاد وتعزيز جميع أشكال العمالة المنتجة والمختارة بحرية، بما في ذلك المشروعات الصغيرة، والتعاونيات، والعمل للحساب الخاص، والمبادرات المحلية من أجل العمالة، وحتى من خلال إعادة توزيع الموارد المخصصة حاليا لتمويل الأنشطة التي يقصد منها المساعدة فقط، وتوجيهها نحو أنشطة ترمي إلى النهوض بالعمالة، وبصورة خاصة نحو التوجيه والتدريب والتأهيل المهني، تتيح أفضل حماية من الآثار السلبية للبطالة غير الإرادية، وان البطالة غير الإرادية تحدث مع ذلك، وان من المهم بالتالي أن تقدم نظم الضمان الاجتماعي المساعدة على إيجاد عمل ودعم اقتصادي للعاطلين عن العمل على رغم إرادتهم.

البطالة والفقر

تترافق البطالة مع انعدام الدخل وبالتالي الفقر عموما. وبحسب تقرير التنمية البشرية فإن الفقر في الدول النامية يترافق أيضا مع العمل وهذا ما حدا بالتقرير لإطلاق تعبير «العاملون الفقراء»؛ وذلك نتيجة غياب أية فرصة للدخل وبالتالي القبول بأي نوع من العمل يكفل حدا أدنى من مستوى المعيشة. وفي البحرين المشكلة كما لاحظنا التوسع الكبير في القطاعات غير المنظمة وشمولية أكثر من 70 في المئة من القوى العاملة في أيدي الأجانب؛ مع ذلك فإن العاملين في القطاعات المنظمة ليسوا أحسن حالا، نتيجة ضعف سوية الأجور، وتثبيتها عند حدود دنيا في القطاعين العام والخاص.

تشير دراسات الأمم المتحدة، إلى أن الفقر يمكن ان يقاس بالنسبة إلى حصة الإنفاق على وسائل العيش الضروري، من الدخل المحقق وعند عتبة الإنفاق لـ 60 في المئة من الدخل على وسائل العيش الضرورية الغذاء بالدرجة الأولى؛ يمكن أن يكون صاحب هذا الدخل عند عتبة الفقر وبالمقارنة مع مستويات الدخل وتكاليف المعيشة، يتبين أن النسبة العظمى من أصحاب الأجر وتقدر بنحو 75,6 في المئة من جملة العاملين بأجر يتقاضون أجرا شهريا أدنى من 100 إلى 150 دينارا وبالمقارنة مع تكاليف معيشة الأسرة يتضح أن هذا الدخل لا يكفي الاحتياجات المطلوبة للغذاء فقط لأسرة من خمسة أشخاص.

إن مشكلة الفقر لا تتوقف عند العاطلين عن العمل، بل تنسحب إلى أولئك العاملين بأجر في القطاع المنظم العام والخاص بالإضافة إلى جزء من العاملين في القطاع غير المنظم والحرفيين والعاملين لحسابهم الخاص؛ انها مشكلة فقر اجتماعي عام متفاوت نسبيا يعكس سوء توزيع الدخل الوطني وعملية الإفقار التي تستفيد منها شريحة طفيلية ضيقة، توجه القرار الاقتصادي والسياسة الاقتصادية إلى خدمة مصالحها.

أزمة البطالة العالمية

تفيد نتائج التقديرات الإحصائية بأن ما يقارب (مليار عاطل عن العمل يتوزعون على مختلف أنحاء الأرض، ما يبشر بأزمة بطالة عالمية أبطالها دول العالم الثالث، وهذا الرقم المهول بحد ذاته يمثل نذير خطر ومصدر قلق حقيقي لمستقبل المجتمع الإنساني الذي ينشد الرفاهية الاقتصادية والاجتماعة، والسبل الكفيلة بتحقيق القدر الممكن من الاستقرار النسبي في المعيشة الحرة. وقد رأينا جليا كيف غيرت مسألة البطالة نتيجة الانتخابات في ولايتين ألمانيتين أخيرا. البلدان المهتمة بمكافحة البطالة وضعت جداول وإحصاءات للنسب التي تكشف عن مساحة توزيع العاطلين عن العمل وتباين هذه النسب من حيث خطورتها في بعض المجتمعات، إذ تشكل بيئة البطالة جوا ملائما لنمو الجريمة والعنف، وهذا يلاحظ بين عدد العاطلين عن العمل في مجتمع ما وبين ارتفاع مستوى الجريمة فيه، في حين ترسم البطالة صورة أخرى للمجتمعات الآسيوية والإفريقية التي تعاني بعض بلدانها من المشكلة نفسها إذ تنتج حالات من الانحراف جعلت من بعض هذه الدول تعتمد في اقتصاداتها بالدرجة الأولى على موارد اقتصادية غير مشروعة مثل أعمال البغاء وتداول صفقات الرقيق البشري الحديثة.

ولم تنحصر نتائج مشكلة البطالة في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية بل تعدى ذلك إلى وقوع دول بالكامل في أسر القوى الغنية سواء كانت هذه القوى أفرادا أو مجموعات أو دولا، إذ ان سوق العمالة خضع هو الآخر للاحتكار من قبل هذه القوى لأغراض سياسية، ولا يعني بالضرورة ان هذه الأخيرة هي سبب في انتشار هذه الظاهرة لتشابك العوامل والأسباب التي أصّلتها مجمع من دون غيره. إذا، فإن استمرار أزمة البطالة في البحرين سيقضي على آمال المملكة في تحقيق نمو اقتصادي يعادل نمو الصين الاقتصادي الذي وصل إلى نسبة 13 في المئة، تحصيل حاصل فإن عدم حل مشكلة بطالة حاملي الشهادات العليا وهم أعمدة التنمية الاقتصادية، سيجعل البحرين في خانة البلدان الفقيرة المتدنية الانتاج، هذا ناقوس نذير الخطر الاقتصادي الذي يتربص بالبحرين، ونأمل أن يضع المسئولون خطة طوارئ اقتصادية لحل أزمة البطالة في البحرين

العدد 156 - السبت 08 فبراير 2003م الموافق 06 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً