منذ العام 1973 استقر الوضع في منطقة «الشرق الأوسط» على معادلة اللاحرب واللاسلم. وترجمة هذه المعادلة سياسيا قامت على قاعدة ميدانية تقول: لا حرب من دون مصر ولا سلم من دون سورية. فسورية لا تستطيع خوض حرب تحرير من دون مساندة مصرية، و«الشرق الأوسط» لا يستقر ولا تتعايش دوله من دون ان تُعطى سورية حقوقها وتنسحب «إسرائيل» وفق القرارات الدولية من أراضيها المحتلة.
هذه المعادلة خرقت مرارا من قبل «إسرائيل» سواء باعتداءاتها المتكررة على لبنان أو بهجومها الجوي على المفاعل النووي العراقي في مطلع الثمانينات. وخرقت أيضا من وجهة نظر الاستراتيجيين الأميركيين حين توقفت حرب الخليج الأولى في العام 1988 وخروج العراق من المعركة دولة قوية عسكريا تستطيع بالتعاون مع سورية تعديل التوازن الاستراتيجي مع «إسرائيل». العراق آنذاك، برأي خبراء السياسة الدوليين، كان القوة البديلة الصاعدة التي تعوض خسارة الدول العربية لخروج مصر من معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي بعد توقيع الرئيس أنور السادات اتفاقات كامب ديفيد.
وبغض النظر عن الأخطاء التي ارتكبها نظام بغداد في قراءة الخريطة السياسية كان هناك مصلحة أميركية - إسرائيلية في تحطيم قوة العراق العسكرية وتدمير نسيجه الداخلي ومنع صعود دولته وتقدمها للعب دورها الخاص أو المساند لموقع سورية الحيوي في مواجهة العدو الإسرائيلي.
وحطمت تلك القوة النامية (أو البديلة) في حرب الخليج الثانية وأخرج العراق عمليا من المعادلة أو على الأقل منع من لعب دوره الخاص والمفترض في دعم سورية لتعديل التوازن الاستراتيجي الذي انكسر بخروج مصر من حسابات الحرب على رغم استمرارها في لعب دورها السياسي الفاعل في حسابات السلم ومستقبل المنطقة.
الآن ماذا تريد الولايات المتحدة من حربها على العراق؟ فالعراق عمليا دولة ضعيفة ومحاصرة وغير قادرة على لعب دور خاص في معادلة اللاحرب واللاسلم. والعراق في وضعه الحالي لا يستطيع أن يتحرك أو يساعد أو يساند، بل هو الطرف الذي يحتاج إلى مساعدة ومساندة.
لماذا إذن تصر واشنطن على تحطيم قوة محطمة أصلا؟ ولماذا تعمد لتخويف العالم من قوة خائفة أصلا وتحتاج إلى عناية لترميم بقايا دولة محاصرة شمالا وجنوبا ولا يستطيع طيرانها التحليق سوى في منطقة محافظة بغداد أو المنطقة الوسطى بين خطين للطول والعرض؟ ولأجل ماذا هذا الاستقواء من قبل أقوى دولة في العالم (ويقال في التاريخ) على دولة (نصف دولة) شرق أوسطية - خليجية حطمت قوتها ودمرت طموحاتها ونهبت ثرواتها وهي مراقبة منذ 12 سنة على مدار الساعة برا وبحرا وجوا... وهي أيضا مكبلة بسلسلة قرارات دولية ومجموعة ديون تحتاج إلى أكثر من 40 سنة لسدادها.
أسئلة تثير العجب والحيرة. والأدهى من ذلك هناك سيناريوهات وتصريحات علنية وتسريبات مبطنة عن احتمال استخدام أسلحة خطرة ضد هذه الدولة (نصف دولة) وصولا إلى طرح احتمال استخدام أسلحة بيولوجية وكيماوية وربما نووية تودي بحياة ثلاثة أو أربعة ملايين نسمة وتشرد ما لا يقل عن أربعة إلى خمسة ملايين آخرين.
لماذا كل هذا القتل والتدمير؟ من أجل «الديمقراطية» كما يقال ويشاع لقوى المعارضة وأحزابها في لندن وبروكسيل وواشنطن. أم لأسباب أخرى بدأ المسئولون الأميركيون يتحدثون باختصار عن بعض رؤوس أقلامها.
وزير الخارجية كولن باول قال في جلسة الاستماع في الكونغرس الأميركي إن تغيير النظام في بغداد هو بداية لتغيير خريطة «الشرق الأوسط». وزير الدفاع دونالد رامسفيلد قال في خطاب حماسي أمام جنوده في قاعدة أميركية في إيطاليا إن الحرب على العراق قصيرة قد تمتد ستة أيام (تسمية حرب «إسرائيل» على الدول العربية في يونيو/ حزيران 1967) وربما ستة أسابيع ولكنها لن تمتد قطعا إلى ستة أشهر. هذا نصف كلام رامسفيلد أما النصف الآخر وهو الأهم: إن هذه الحملة على الارهاب لن تقتصر على العراق ولن تتوقف هناك.
الحملة مستمرة إذن، والعراق هو البداية، أو هو محطة في سياق من المعارك الممتدة زمنيا وجغرافيا.
الكلام عن تغيير خريطة «الشرق الأوسط» وعن استمرار الحملة العسكرية زمنيا وجغرافيا يجيب عن السؤال المثير للعجب والحيرة، لماذا العراق؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 156 - السبت 08 فبراير 2003م الموافق 06 ذي الحجة 1423هـ