مازال الاغتيال الغامض للمنشق البلغاري، جورجي ماركوف، على جسر وترلو في العام 1978 عالقا في الذاكرة الجماعية. كان ذلك هو اليوم الذي تحولت فيه المظلة المحلية العادية الى سلاح مميت بواسطة عملاء سريين لقوة أجنبية ارتكبوا جريمة قتل في شوارع لندن.
لجأ ماركوف، وهو كاتب ومذيع، إلى بريطانيا قبل تسع سنوات وطعن في فخذه بواسطة معتدين مجهولين، يعتقد أنهم من الجهاز السري البلغاري. مات ميتة مؤلمة بعد ثلاثة أيام إذ اجتهد الأطباء في كشف ما حل به. وفي فحص الجثة بعد الوفاة وجدت كسرة صغيرة في حجم رأس الدبوس وتم التعرف على سم الريسين بأنه كان سببا للوفاة.
الريسين سم نبات، يتم استخلاصه ببساطة من بذور نبات الخروع.
ويعتقد أن الجرعة المميتة بواسطة الحقن، الطريقة المهلكة أكثر من تعاطيه، تكون على نحو ميكروغرام واحد لكل كيلو جرام من وزن الجسم. أي أن عشر كرويات منه تكون مساوية لمادة في قبضة الملح.
ويعتبر السم سهل الاستخلاص والتخزين والنقل ولذلك من المحتمل أن يكون متاحا على نحو واسع. عالميا، اذ يتم انتاج حوالي مليون طن من حبوب الخروع سنويا وذلك لصناعة زيت الخروع.
الاستخدام الرئيسي للمركب اليوم تليين الأمعاء ولكن يستخدم أيضا رسميا في تشحيم الطائرات.
الريسين هو محتوى في هريسة النفاية من انتاج زيت الخروع. ويمكن تحضيره سائلا أو في شكل بلوري أو بدرة جافة.
وعلى رغم أنه غير متطاير بشكل خاص فانه يمكن رشه كبخاخة، ولكن استخدامه كسلاح دمار شامل مقيد بواسطة صعوبة توزيعه بكميات كافية.
وقال نائب رئيس موظف طبي، بات تروب، ان بخاخة من الريسيين يمكن رشها مباشرة في وجه ضحية فتكون سلاحا فعالا. ومن غير المحتمل أن تكون مهلكة اذا تم ضخها في أنفاق لندن أو نظام تكييف مكتب.
فقد عانى الناس الذين تعرضوا لاطلاق دخان الريسين العرضي شبه المميت في الأربعينات، من الأعراض مدة أربع الى ثماني ساعات وتشمل الحمى، انقباض الصدر، الكمة، ضيق تنفس والغثيان. وبعد فترة بدأوا يعرقون بغزارة وهي علامة على نهاية الأعراض والشفاء.
إذا كان هناك عدد ضخم من المرضى في موقع واحد وبدأوا يشتكون من هذه الأعراض من المتوقع أن يكونوا تسمموا بريسين مبخوخ. إن التوالي السريع للأعراض وتدهور الحال الصحية للأفراد يتجه الى استبعاد أن يكون التلوث هو السبب.
الريسين ايضا قاتل اذا تم تناوله مع الطعام، فقد حدثت حالات تسمم عرضية في اعقاب بلع حبوب نبات الخروع.
وتشتمل الأعراض على التقيؤ، ألم من البطن واسهال مع وجود دم. وعلى رغم أن السم يصعب امتصاصه من خلال المعدة، ومع مضغ حبة الى ثلاث حبات من النبات من قبل طفل بالاضافة الى مضغ نحو ثماني حبات من قبل شخص بالغ ربما يكون مميتا وذلك بحسب ما ذكرته وزارة الصحة البريطانية.
لا يوجد للقاح أو مضاد للسم حتى الآن. ولكن يمنح الضحايا رعاية علاجية فقط في التعامل مع الاعراض، واعطائهم راحة بقدر الامكان.
وقد أعلن أخيرا أن كميات مكدسة ضخمة تم اكتشافها في دول كثيرة في الشرق الأوسط، وأن العراق ضمن السم في برنامج اسلحته الكيماوية والبيولوجية. ولكن بريطانيا جربت السم منذ وقت بعيد. في الحرب العالمية الثانية، وكرست الجهود من أجل صنع قنبلة ريسين في مؤسسة الدفاع الكيماوي في بورتن داون.
عرف الريسين في الولايات المتحدة باسم «المركب W»، وعرف السلاح منه باسم «القنبلة W »، وكان الهدف وفقا لمؤلفة كتاب «الغضب بجانب الموت»، المنشور في العام 1980، اليزابيث سيغموند، والذي يغطي تاريخ السلاح الكيماوي، من هذه القنبلة هو انتاج بخاخة يمكن أن يستنشقها الناس.
وقال مستشار الحكومة البريطانية للسلاح الكيماوي: «تم القيام بعمل ضخم آنذاك بخصوص الريسين من أجل تحويله الى سلاح. ولكن تم حظره الى ان تم التوصل الى قرار بألا يستخدم سلاحا في ميدان المعركة مع احتمال احداثه دمار شاملا. وتم اعتبار غازات الأعصاب أكثر فاعلية».
في الستينات تواصل البحث في مركب الريسين في جامعة اكستير ولكن لم تكن له علاقة محددة بالسلاح. وأصبحت شركة الدواء مهتمة بالمركب «كطلقة سحرية» محتملة لعلاج السرطان.
الريسين بروتين مزدوج الفعل، فتركيبه الفريد يعني انه يستطيع من ناحية اختراق جدار الخلية بينما من ناحية أخرى يؤدي الى تسمم الخلية.
ويعتقد العلماء أن تركيبه يمكن أن يستخدم لاستهداف وتدمير خلايا الورم الخبيث ولكن لم يحدث ذلك البحث شيئا يذكر.
اليوم تم حضر الريسين تحت معاهدة الأسلحة الكيماوية الدولية، بجانب السكسيتوكسين، سم مستمد من المحار.
وباعتباره مركبا مصنعا طبيعيا تم تصنيفه أيضا سلاحا بيولوجيا.
وقال عضو فريق البحث في برنامج سوسكيس هارفارد عن الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في جامعة سوسكيس، دانيل فيكي: «لقد تم حظر جميع هذه المركبات ولكن يسمح بكمية محدودة لأغراض تتعلق بالبحث الدوائي والطبي. من المفترض ألا يتم الحصول عليها إلا بكميات محدودة للغاية».
في الولايات المتحدة، تم اعتقال أربعة أعضاء من مجلس باثريوتز، وهي مجموعة متشددة معادية للحكومة، في العام 1991 وذلك للتآمر على قتل مارشال أميركي بالريسين. فقد خططوا لمزج المركب بمادة مذيبة ومن ثم مسحه على مقبض باب سيارة الضحية.
وكانت هناك حال أخرى تتعلق بالريسين في العام 1995. عندما اوقف موظفو الجمارك رجلا داخل كندا من ألاسكا كان في ممتلكاته أسلحة كثيرة وحاوية بدرة بيضاء. وتم التعرف على البدرة بأنها ريسين.
بعد سنتين وجد المحققون في الولايات المتحدة «ريسين» في الدور الأسفل لمعمل مستعمل بديل مؤقت تابع لرجل أطلق النار على ابن زوجته.
إن التهديد الحقيقي لهجوم يستخدم فيه الريسين هو الرعب الذي يمكن أن يثيره، وقال مستشار الحكومة البريطانية للأسلحة الكيماوية أخيرا: «تستطيع مجموعة ارهابية أن تصنع بخاخة ريسين. وأشك في أن تؤدي الى قتل قليل من الناس ولكن ليس عددا ضخما، ويمكن أن تسبب ذعرا، وهذا هو القلق الحقيقي».
خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط
العدد 155 - الجمعة 07 فبراير 2003م الموافق 05 ذي الحجة 1423هـ