على رغم الجولات الثلاث المطولة التي عقدت في القاهرة بين الفصائل الفلسطينية باشراف مصري ولم تسفر عن اتفاقات، فإنها أثارت من الاسئلة أكثر مما قدمت إجابات.
أولى هذه الأسئلة عن ماهية الافق السياسي لهذه المفاوضات وما هو مطلوب من هذه الفصائل الاتفاق عليه سيما وان الموضوع الابرز المتعلق بوقف العمليات في مناطق 1948 هو موضع خلاف وبالتالي ما الذي يمكن تحقيقه من نتائج سياسية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي. والثابت من تصريحات معظم المشاركين في الحوار من الجانب الفلسطيني أن القاهرة لم تمارس ضغوطا ولكنها ألحت بشدة وحاولت تمرير أفكار معينة، وبحسب أحد القادة الفلسطينيين المشاركين في اللقاءات أن القاهرة طلبت وبوضوح اتفاقا من جميع الفصائل الفلسطينية بوقف كامل لعمليات المقاومة لمدة عام وإعلان ذلك رسميا. وعندما سئل الجانب المصري عن المقابل الذي ستقدمه «إسرائيل» وعن ضمانات وقف أعمال التصعيد والحصار، كان الرد المصري أنه لا مقابل ولا ضمانات ولكن هذا الاعلان والالتزام به سيحرج «إسرائيل» سياسيا أمام العالم.
هذا المنطق كان أحد اسباب عدم نجاح مفاوضات القاهرة. فالحياة اليومية في ظل التصعيد والعنف الاسرائيلي وفي الوقت نفسه منع المقاومة دفاعا عن الحياة حتى وإن كانت نتائج المقاومة محدودة وهامشية ومكلفة، أمر غير مقبول للذين يعانون العذاب اليومي والتجويع والحصار.
وسط هذه الاجواء يبقى السؤال: لماذا تطرح القاهرة هذا المطلب الذي يعتبر مطلبا يتوافق مع ما يطلبه الاسرائيليون تحت ستار محاولة إنقاذ عملية السلام التي تريدها «إسرائيل» وفق تصوراتها وأهدافها دونما النظر الى قاعدة المطالب العربية المتمثلة في قرارات الامم المتحدة على الاقل. ويرتبط هذا السؤال بالاعلان المصري عن دعوة الرئيس حسني مبارك رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون عقب فوزه بالانتخابات الاخيرة بعدما رفض طويلا لقاءه وفي الوقت نفسه رفض شارون دعوة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إلى لقائه معتبرا أنه لا يحمل صفة. وبعد هذا بأيام قليلة أعلن شارون نيته زيارة واشنطن للاطلاع على «خريطة الطريق» قبل إعلانها .
هذه التفاصيل التي تشكل المشهد السياسي تشير الى ان القاهرة أخذت على عاتقها القيام بدور «البديل» عن عرفات والسلطة الفلسطينية في محاولة للخروج من النفق ولكن هذا الدور محفوف بالخطر والاشواك، فما يمكن ان تقبله القاهرة لا يمكن لكل الفصائل الفلسطينية ان تقبله وسبق ان أعلنت القاهرة أن المعروض في كامب ديفيد وطابا كان مقبولا باستثناء مسألة القدس. وجاء عرفات بعد حصاره في رام الله ليكشف النقاب عن أن المعروض كان أقل بكثير وان 90 في المئة المزعومة هي 90 في المئة من 40 في المئة من أراضي الضفة الغربية وليست من كامل الأرض.
المشكلة الثانية هي ان القاهرة لها حساباتها السياسية الخاصة بها بغض النظر عن دعمها للقضية الفلسطينية ودورها العربي، واول هذه الحسابات هو سؤال يعتبر هاجسا وهو ماذا بعد عرفات شخصيا وصوغا. والقاهرة لديها حرص جغرافي وسياسي ألا تكون فلسطين وما فيها بعيدا عنها. أما ثاني هذه الحسابات فهي ان القاهرة وسط التداعيات السياسية المتتالية والتربص الحادث في العراق والاستعداد لخريطة جديدة في الشرق الاوسط، تجد نفسها غير قادرة على لعب دور فاعل ومؤثر، فهي غير قادرة على قيادة العرب كما كانت في الستينات، وغير قادرة على الدفاع عن الأمة والتخلص من تبعات علاقاتها مع الولايات المتحدة. والخطاب السياسي المصري الرسمي تجاه العراق بدأ في التغيير والتحول الى نبرة تحذير العراق ودعوته إلى التجاوب مع فرق التفتيش. هذه الأزمة مضافا إليها أزمتها الداخلية الاقتصادية بعد سماع نصائح «صندوق النقد الدولي» وتطبيقها بالنسبة إلى سعر صرف العملة وأزمتها مع ما يحدث جنوبا في السودان بعيدا عنها، تجعل من القضية الفلسطينية هي الميدان الوحيد الذي تستطيع من خلاله أن تلعب دورا حفاظا على مكانتها التاريخية. ولكن هل ستسمح «إسرائيل» للقاهرة بهذا الدور وهل سيقبل شارون ضغوطا معنوية من القاهرة بعد أن فقدت الضغوط العملية وهل هذا الدور المصري مطلوب وموافق عليه عربيا؟
المشهد السياسي يقول إن شارون عاد الى الحكم بتفويض شعبه وحاز نسبة أصوات تغريه بأن يستمر في تجاهل كل دعاوى السلام وان يتمسك بفرض سياساته بالقوة والعنف، فاليمين يحكم واشنطن و«إسرائيل»، وهو يمين يرفع شعار القوة ولا يؤمن إلا بها
العدد 155 - الجمعة 07 فبراير 2003م الموافق 05 ذي الحجة 1423هـ