عدد من القرارات الوزارية في أكثر من وزارة تسببت في انتقادات حادة للوزراء الذين بادروا إلى إصدارها. ويعلم الجميع ان أي تغيير لابد وان يحصل على مقاومة من الجهات التي ستتأثر بالتغيير، ولذلك فإن عملية التغيير تستلزم وجود ادارة حسنة وحازمة في الوقت ذاته لكي تنجح القرارات.
منذ فترة والمشكلات تتصاعد بين المسئولين في وزارة الصحة والاستشاريين، وأخيرا بدأت المشكلات تتصاعد بين مسئولي وزارة العمل والقطاع الخاص. والمشكلات ليست معقدة لو أن المسئولين استخدموا أساليب أفضل واعتمدوا منهجية واضحة وعادلة. ولعل بعض أسباب المشكلة هو أن كثيرا من الوزراء القدامى والجدد لم يتم إعدادهم للقيام بأعمالهم الوزارية، وبعضهم استقر به أسلوب العمل على نمط واحد غير قابل للتغيير، بينما الآخر يتخبط باحثا عن برنامج عمل تكون له آثار ايجابية في مجاله.
في البلدان المتقدمة يصل المرء إلى منصب الوزير بعد مروره بتدريب اكاديمي وسياسي من خلال حزب سياسي أو معاهد متخصصة، وبالتالي يستطيع هذا الشخص القيام بمهمات الوزارة عندما تسلم إليه. ومن لدينا من وزراء لم يمروا ببرامج تدريبية، وعدد منهم لم يعلم بأنه سيصبح وزيرا إلا في آخر لحظة، ولذلك ضاعت أفكاره وأساليبه ما بين صدمة المفاجأة بالتعيين وصدمة العبء الذي ألقي عليه.
وبعض الوزراء الجدد يحاول اثبات قدراته، ولكنه يقع في مشكلات كثيرة لأنه لا يتبع الأساليب الإدارية الحسنة في عملية «طبخ القرار» ومن ثم اعلانه وتنفيذه. وحتى لو كانت بعض القرارات صائبة فإن أسلوب تنفيذها قد يكون هو الخطأ، وبالتالي تنتهي القرارات وأساليب التنفيذ إلى الفشل أو إلى تعقيد الأوضاع بدلا من تطويرها إلى الأحسن.
ولذلك لا يستغرب المرء سماع الشكاوى نفسها من الفئات المتأثرة بقرارات الوزراء. وأولى تلك الشكاوى «التعامل الفوقي والاستعلائي»، و«التخبط»، و«عدم تطبيق القرارات على الجميع»، و«خلط الأمور الشخصية بالقرارات الوزارية»، و«عدم استشارة المتأثرين بالقرارات» و«عدم دراسة القرار بصورة متكاملة»، و«التهديد باستخدام السلطات الوزارية بصورة اعتباطية»، الخ...
هذه الشكاوى بعضها صحيح وبعضها مبالغ فيه، ولكن المشكلة تكمن في عدم وجود وسيلة للحوار بين الوزير والمتأثرين بالقرارات، كما لا توجد محاسبة برلمانية فاعلة لحد الآن لاستجواب الوزير بصراحة للتعرف على المشكلات الحقيقية، وإذا تطلب الأمر سحب الثقة من الوزير.
بعض الوزراء يعتقدون بأن سلطاتهم مطلقة، وأنه لا يستطيع أحد مساءلتهم تماما كما كان الوضع أيام قانون أمن الدولة. وهؤلاء مخطئون لأن الشارع البحريني ضحى كثيرا من أجل الدفع باتجاه الديمقراطية والمحاسبة والمصارحة، وهو غير مستعد للرجوع إلى الوراء.
ان كثيرا مما نواجهه هذه الأيام ليس جديدا على كثير من البلدان التي تحولت إلى العمل الديمقراطي، ولذلك فإن بالإمكان الاستفادة من تجارب الآخرين، وبالإمكان ارسال الوزير لأحد البلدان الناجحة في مجاله للاطلاع على وسائل التغيير وإدارة التغيير بصورة عملية وفاعلة، وليس بصورة نظرية وصاخبة.
البرلمانيون بإمكانهم تنظيم لجانهم بحسب الحاجة، ومن ثم مساءلة الوزراء مجتمعين، وخصوصا أن هناك تداخلا كبيرا بين عدد من الوزارات. فوزارة النفط تشرف على بابكو وألبا والبتروكيماويات وغيرها على رغم أن مسمى وزارة أخرى (وزارة الصناعة) يوحي للآخرين بأنها هي المسئولة عن هذه الصناعات الكبرى. ثم إن العالم تحول كثيرا وهو يتجه إلى الخدمات الالكترونية، وبالتالي فإن التجارة الالكترونية ربما تكون أهم القضايا التي ينبغي الالتفات إليها وتطويرها. والتجارة الالكترونية تابعة لوزارة التجارة، ولذلك فإن الوزارة تضطلع بأهم قطاع تنموي للمستقبل.
البرلمانيون بإمكانهم توحيد نشاطهم تجاه الوزارات الثلاث (النفط والصناعة والتجارة) لكي يستخرجوا الاستراتيجية المتكاملة للبحرين.
البرلمانيون يمكنهم أيضا أن يربحوا عملهم فيما يخص وزارة العمل وديوان الموظفين. فديوان الموظفين هو وزارة عمل أخرى متخصصة في القطاع العام، وهذا القطاع لديه أكثر من ثلاثين ألف موظف (من دون الأخذ بعدد موظفي وزارتي الدفاع والداخلية اللتين لهما عدد آخر ونظام خاص مراعاة لمهماتها). ولا يوجد منطق لوجود وزارة عمل للقطاع الخاص وديوان موظفين للقطاع العام. وإذا كان الحال غير قابل للمراجعة في الهيئة التنفيذية فإن الهيئة التشريعية بإمكانها معالجة القضايا المشتركة بصورة ملائمة أكثر بطبيعة عمل هذه الوزارات.
والسؤال الذي يطرحه كثيرون هو: لماذا لا يستفيد البرلمانيون مما يجري على الساحة السياسية لإثبات قدراتهم ولإثبات أنهم سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية؟. ويتساءل آخرون عن السبب في عدم اكتراث الوزراء بالبرلمانيين، وفيما إذا كان ذلك لاعتقاد الوزراء بأن البرلمان تابع للسلطة التنفيذية وليست لديه أسنان أو مخالب.
إن على البرلمان أن يمارس دوره باستقلالية وبفاعلية وأن ينظر إلى دوره بصورة موازية، وليست تابعة للسلطة التنفيذية. فعضو البرلمان ليس أقل أهمية من الوزير، وإذا لم يلتفت البرلمانيون إلى دورهم فقد ينتهي بهم الأمر إلى ما انتهت إليه المجالس البلدية التي يتخطاها المسئول الكبير والصغير وهي آخر من يعلم بما يدور في الشأن البلدي بسبب «التهميش»
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 155 - الجمعة 07 فبراير 2003م الموافق 05 ذي الحجة 1423هـ